غزة/ دعاء الحطاب:
منذ عقود طويلة تسعى الحكومة الاسرائيلية لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين واسقاط حقهم بالعودة إلى أراضيهم المحتلة التي هجروا منها قسراً عام الـ 1948، من خلال تصفية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين «الاونروا» وانهاء نشاطاتها كافة، باعتبارها الشاهد الدولي الوحيد على قضية اللاجئين، فتارة تقوم بتقليص مواردها وتجفيف مصادر تمويلها لجعلها غير قادرة على تقديم خدماتها، وتاره تحاول الضغط على دول العالم لعدم تفويض ولايتها، وأخرى تخطط لإيجاد بديلٍ عنها.
وأعلنت الخارجية الإسرائيلية، الإثنين الماضي، أنها أبلغت الأمم المتحدة رسميا بأنها ألغت الاتفاقية المبرمة مع الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تسمح للأخيرة بتقديم الدعم والعمل في فلسطين.
وفي بيان، وجّه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس اتهاما للأونروا بأن موظفيها شاركوا في الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على مستوطنات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتعود الاتفاقية الموقعة بين «إسرائيل» والأونروا إلى عام 1967، وسمحت للوكالة الأممية بالعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتقديم خدمات مختلفة للفلسطينيين بهذه الأماكن، ومن بينها التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإغاثية.
شريان الحياة للاجئين
حالة من الخوف والقلق الشديدين تنتاب اللاجئ أبو أحمد النمروطي، عُقب قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عمل الوكالة الأممية (أونروا) في «إسرائيل»، والتي ستؤثر سلباً على عملياتها وخدماتها المقدمة للاجئين، متوقعاً أن يكون القرار بداية لخطوات أخرى تنتهي بأوضاع كارثية.
ويقول النمروطي خلال حديثه لـ «الاستقلال»:» أوضاعنا مأساوية حتى مع وجود الأونروا وخدماتها، فكيف سيكون حالنا إن حظرت (إسرائيل) عملها ومنعت نشاطها ووصولها للاجئين في قطاع غزة ومخيمات الضفة؟».
وأضاف:» الأوضاع المعيشية والاقتصادية للاجئين في غزة مأساوية للغاية، فظروف الحرب ونكبات النزوح والمجاعة وانتشار الامراض ما تزال قائمة، ونسبة الفقر والبطالة بتزايد مستمر، بالتالي أي تقليص بخدمات الاونروا وإن كان بسيطاً سيؤثر سلبا علينا بشكل كارثي».
اللاجئ «النمروطي» الذي فقد عمله بإحدي المناجر بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، والمُعيل لأسرة مكونة من سبعة أفراد، يؤكد أن الشعب الفلسطيني يعتمد بشكل كُلي على المساعدات القادمة من الخارج وخاصة المُقدمة من قبل الأونروا، فقطعها يعني قطع شريان الحياة لنا كلاجئين، خاصة في ظل الظروف الطاحنة التي نعيشها بسبب حرب الإبادة بغزة.
وطالب بوقف القرار الإسرائيلي ووضع حدِ للسياسة الإسرائيلية وزيادة المساعدات والدعم لـ «الاونروا» والشعب الفلسطيني، خاصة في ظل ما يُعانيه من ويلات الحرب والغطرسة الإسرائيلية.
تصفية «أونروا»
وبدوره يرى الكاتب الصحفي محمد الجمل، أن «إسرائيل» تريد استغلال الفرص المواتية كافة وبمقدمتها الصمت الدولي المُطبق على مجمل سياساتها، بغية تحقيق مخططاتها الرامية لتصفية الوكالة (أونروا) مرة واحدة وللأبد، وشطب قضية اللاجئين.
وقال الجمل لـ «الاستقلال»:» أن الأونروا تشكل كابوساً مزعجاً للاحتلال، فطالما كانت قائمة ستبقي قضية اللاجئين حية وفقاً للقرارات الدولية، لذلك تُحاول (إسرائيل) منذ سنوات طويلة لإنهاء عملها في الاراضي الفلسطينية، باعتبارها الشاهد الدولي الأكبر على مأساة اللاجئين ومعاناتهم وحقهم بالعودة».
وأضاف:» أن المشروع الإسرائيلي ليس مُفاجئاً، لكنة يُشكل حرباً جديدة على اللاجئين الذين هم أكثر الفئات تضرراً وضعفاً وحاجةً للدعم الإنساني بقطاع غزة والضفة الغربية».
ونوّه إلى أن القرار يأتي بالتزامن مع الظروف الاقتصادية والمعيشية المأساوية التي يعاني منها اللاجئون والنازحون بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة للعام الثاني في القطاع، والعمليات العسكرية والحصار الشامل في الضفة الغربية.
وشدد الجمل على أن القرار سيوثر على الموازنات الممنوحة للوكالة الأممية ويسهم في تجفيف منابع تمويلها، وبالتالي تُصبح (الأونروا) عملياً عاجزة عن تقديم المساعدات الإنسانية والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى»، وبالتالي حرمان ملايين اللاجئين من الغذاء والتعليم والعناية الصحية خاصة في القطاع.
وأكد أن القرار يهدف لتكريس المجاعة بغزة في إطار جريمة الإبادة الجماعية المستمرة، وزيادة معاناة اللاجئين بالضفة الغربية، الأمر الذي يصب في صالح المخطط الإسرائيلي الأكبر لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وافراغ غزة والضفة من المواطنين.
ولفت إلى أن (الأونروا) مؤسسة دولية وليست مؤسسة تمتلك «اسرائيل» وقفها أوحلها، وبالتالي يتوجب على العالم أجمع التصدي لقرارات الاحتلال واجباره للتراجع عنها، والعمل على إبقاء (الأونروا) ودعمها طالما بقيت قضية اللاجئين قائمة.
عدوان كبير
ووصف رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير أحمد أبو هولي القرار بأنه «حرب ممنهجة» على قضية اللاجئين.
وقال أبو هولي في تصريح مطول نشره على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، إن هذا القرار يهدف إلى «تقويض ولاية أونروا وتصفية قضية اللاجئين».
وأضاف أن «القوانين الإسرائيلية ستغلق الأبواب أمام التعامل مع أونروا كمنظمة أممية وتضعها هدفا للاحتلال».
حظر ومزاعم «إسرائيلية»
ومؤخراً، أقر الكنيست الإسرائيلي بشكل نهائي وبأغلبية 92 صوتا من أصل 120 حظر نشاط وكالة الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خطوة دانتها دول أوروبية وغربية ومنظمات دولية.
ووفق القانون «يوقَف نشاط الأونروا في القدس الشرقية، وتُنقل صلاحياتها إلى مسؤولية «إسرائيل» وسيطرتها»، وبموجبه أيضا تُلغى اتفاقية عام 1967 التي سمحت للأونروا بالعمل في «إسرائيل»، ومن ثم تتوقف أنشطة الوكالة في «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها.
وتزعم «إسرائيل «أن موظفين في الأونروا أسهموا في هجوم «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن «جهاز التربية التابع للوكالة يدعم الإرهاب والكراهية»، وهو ما ثبت عدم صحته.
في حين نفت الأونروا صحة ادعاءات «إسرائيل»، وأكدت الأمم المتحدة أن الوكالة تلتزم الحياد وتركز حصرا على دعم اللاجئين.
وتدعم الأونروا اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس المحتلة، وكذلك البلدان المجاورة.
وأنشئت الوكالة الأممية في ديسمبر/كانون الأول 1949 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعمل فيها نحو 18 ألف موظف في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 13 ألفا في قطاع التعليم و1500 في قطاع الصحة.
وقدّمت الأونروا على مدار أكثر من 7 عقود مساعدات أساسية للفلسطينيين، واتَّهمت مع غيرها من المنظمات الإنسانية السلطات الإسرائيلية بتقييد تدفق المساعدات إلى قطاع غزة.
وتكبدت الأونروا خسائر فادحة خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ العام الماضي، حيث استشهد 223 من موظفيها وتم تدمير ثلثي مرافقها التعليمية والصحية في غزة منذ اندلاع الحرب.
التعليقات : 0