غزة/ سماح المبحوح:
يوما بعد آخر، يبدو أن حلم بناء دولة فلسطينية مستقلة بات بعيد المنال بالنسبة للفلسطينيين، في ظل واقع «إسرائيلي»، وفلسطيني، وعربي، ودولي معقّد، لا سيما مع تسارع حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» الخطا لتنفيذ مخططها القاضي بضم كافة مناطق الضفة الغربية المحتلة تحت سيادتها، بالتزامن مع عودة دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة مطلع الشهر الجاري.
ومن المقرر أن يطرح رئيس وزراء الاحتلال «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو، فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة فور تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، في العشرين من يناير المقبل، كما كشفت هيئة البث «الإسرائيلية».
وقبل أيام، كان وزير المالية «الإسرائيلي» المتطرف بتسلئيل سموتريتش أعلن صراحة أنه أصدر تعليماته للتحضير لبسط السيادة على الضفة الغربية.
وقال سموتريتش بعد ترحيبه بفوز دونالد ترامب «خلال ولاية ترامب الأولى كانت الحكومة «الإسرائيلية» على بعد خطوة فقط من تطبيق السيادة على الضفة الغربية».
وأضاف:» عام 2025 سيكون عام السيادة في «يهودا والسامرة» (المصطلح العبري للضفة الغربية المحتلة) بفضل عودة ترامب إلى البيت الأبيض».
وفي تماهٍ مع تلك التصريحات، قال مرشح ترامب لمنصب سفير أمريكا في «إسرائيل» مايك هاكابي، إنه من الممكن أن تدعم واشنطن الحكومة «الإسرائيلية» إذا حاولت ضم الضفة الغربية».
وأردف: «وأعتقد أيضًا بشدة أن شعب «إسرائيل» يستحق دولة آمنة، وأي شيء يمكنني القيام به من شأنه أن يساعد في تحقيق ذلك سيكون بمثابة امتياز عظيم بالنسبة لي».
وكان سموتريتش قد تعهد من قبل ببناء مستوطنة جديدة مقابل كل اعتراف دولي جديد بدولة فلسطين.
ومنذ اتفاقه مع نتنياهو للانضمام إلى الائتلاف الحاكم عام 2022، حصل سموتريتش على منصب وزير في وزارة الدفاع أيضا، وهو منصب يخوّله بإدارة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
وأنشأ سموتريتش دائرة منفصلة في مقر ما يسمى «الإدارة المدنية» التي تتبع للجيش «الإسرائيلي» لإدارة شؤون الاستيطان والمستوطنين، وشجّع إقامة المزارع الرعوية التي تتيح الاستيلاء على أراض شاسعة.
وصنفت الحكومة «الإسرائيلية» جزءا كبيرا من الضفة كأراضي دولة ومناطق عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية، وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 صنفت أراض جديدة كمناطق أثرية.
مخطط سياسي قديم
خليل التفكجي الخبير الفلسطيني في شؤون المستوطنات الإسرائيلية والمدير السابق لوحدة الخرائط في بيت الشرق بالقدس المحتلة، أكد أن خطة سموتريش لضم الضفة وفرض السيادة عليها هي ما يحدث فعليا على أرض الواقع منذ فترة طويلة وليست «وليدة اللحظة».
وقال التفكجي في حديثه لـ «الاستقلال»:» إن حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» تسعى لضم أكبر مساحة ممكنة من المناطق المسماة (ج)، وقد تبنت هذا المشروع منذ سنوات، وعملت على تنفيذه بالتدريج»، مستدركا:» لكن اليوم بات المشروع يسير بخطا متسارعة أكثر من ذي قبل».
وأضاف:» المستوطنون يقومون حاليا بتطهير منطقة (ج) عرقيا من الفلسطينيين وهي تغطي 61% من مساحة الضفة التي تشمل حدود غور الأردن والمسافة بين البلدات والقرى والمدن الفلسطينية».
وشدد على أن خطة سموتريتش هي تغيير كبير في طريقة التعامل مع الضفة الغربية داخل النظام «الإسرائيلي»، لأنها ستكون تحت السيطرة المدنية للحكومة «الإسرائيلية»، بالتالي ستصبح دولة المستوطنين والتي تقوم على حكم ذاتي، مما سيسهل بناء المستوطنات وتوسيعها.
وأوضح أن حكومة الاحتلال الحالية سرعت من عملية الضم من خلال زيادة عدد الوحدات الاستيطانية في المستوطنات، والموافقة على بناء مستوطنات ومشاريع استيطانية جديدة، وتخصيص ميزانية تصل إلى 7 مليار شيكل لتطوير شبكة الطرق الالتفافية الاستيطانية، وتقسيمها وفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين في استخدام هذه الطرق.
وبيّن أن الحكومة «الإسرائيلية» أيضا عملت على بناء مناطق صناعية في الضفة الغربية كعامل جذب للمستوطنين، وسارعت في زيادة مصادرة الأراضي من خلال ما يسمى أراضي دولة، وفي العام الجاري وحده صادرت قوات الاحتلال 24 ألف دونم.
مراحل عملية الضم
وبحسب الخبير التفكجي فإن عملية ضم مناطق الضفة إلى السيادة «الإسرائيلية» ستتم على عدة مراحل وهي: ضم منطقة الأغوار التي تشكل ربع مساحة الضفة، والتي تسمى بأراضي دولة ومخصصة لبناء محميات طبيعية ومناطق تدريب عسكري، وضم منطقة العزل الواقعة بين جدار الفصل العنصري وخط وقف إطلاق النار عام 1948، وتشكل حوالي 12% من مساحة الضفة الغربية، وضم تجمعات استيطانية تربط بين غرب الضفة وشرق الضفة مثل المنطقة بين تجمع ارئييل ومنطقة الاغوار.
كما سيتم ضم تجمع معالي أدوميم الذي سيفصل مدن رام الله وسلفيت عن باقي مناطق الضفة، والذي يمتد حتى البحر الميت، وكذلك تجمع غوش عتصيون حتى البحر الميت، وسيفصل مدن الخليل وبيت لحم عن باقي مناطق الضفة.
وفيما يتعلق بشبكة الطرق، أوضح التفكجي، أنه سيتم فصل الفلسطينيين عن «الإسرائيليين» وسيكون بينهما تقاطع على شكل جسور وأنفاق، وهو ما يتيح لجيش الاحتلال فصل المناطق في حالة الطوارئ، وهو ما يشكل تكريساً لاحتلال الأرض وإعادة تشكيل الجغرافية السياسية للضفة الغربية.
أمريكا الداعم الأقوى
بدوره، لم يستغرب الباحث في الشؤون «الإسرائيلية» عليان الهندي قرار الضم «الإسرائيلي» للضفة، وأوضح أن الاحتلال «الإسرائيلي» عمل بعد حرب 1967 على تفكيك الاقتصاد الفلسطيني كمرحلة أولى، ثم شرع ببناء المستوطنات كمرحلة ثانية، وسن 60 قانوناً لضم الضفة بطرق غير قانونية.
وأكد الهندي في حديثه لـ»الاستقلال»، أن الاحتلال حصل على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب 1967 لضم مناطق الضفة الغربية دون السكان، حيث اعتبر أن الفلسطينيين مقيمون وليسوا مواطنين، أي يحق له طردهم وترحيلهم إذا خالفوا قوانين الكيان.
وأوضح أن أمريكا لم ولن تغير مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، حيث باتت تعرف بمواقف رؤسائها وإداراتها المتعاقبة الموالية لـ «إسرائيل» والتي تدعمها ماليا وعسكريا ودبلوماسيا، قائلا:» لا نراهن على السياسة الأمريكية في المنطقة، حيث لم ولن تتغير مواقفها مهما تغير رؤساؤها».
وبين أن ترامب كان له موقف سابق خلال فترة توليه حكم أمريكا عام 2017، حيث اعترف حينها بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية لها، واعترف بالسيادة «الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل، ومن غير المتوقع أن يبدّل ترامب سياسته هذه، خاصة وأن الأسماء التي ستتولى مناصب مهمة في إدارته كلها داعمة لـ»إسرائيل» ومؤيدة للاستيطان.
إحصاءات رسمية
وتشير أرقام هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، إلى أن الضفة الغربية المحتلة شهدت منذ بداية العام الجاري 2024 مصادرة سلطات الاحتلال لنحو 42 ألف دونم من الأراضي لأسباب مختلفة، كإعلانها أراضي دولة تابعة لـ»إسرائيل» أو وضع اليد عليها أو تعديل حدود المحميات الطبيعية.
ورصدت الهيئة إنشاء 35 بؤرة استيطانية «رعوية وزراعية « في مختلف مناطق الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس المحتلة.
وتقدر الهيئة مساحة المناطق المصنفة «ج»، أي التي تخضع للسيطرة «الإسرائيلية» الكاملة، بـ 61% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
وتقول الهيئة إن 70% من المناطق المصنفة «ج» تخضع بالأساس ومنذ سنوات طويلة لإجراءات عسكرية وأمنية إسرائيلية مشددة تحظر على الفلسطينيين استخدام تلك الأراضي والمساحات».
كما أكدت أرقام الهيئة الفلسطينية أن 42% من المساحة الاجمالية للضفة الغربية تسيطر عليها «إسرائيل» بشكل كامل من خلال «المستوطنات ومناطق غلافها والشوارع الالتفافية ومناطق التدريبات العسكرية للجيش والأراضي المعلنة كأراضي دولة ...الخ».
فيما تقدر مساحة المناطق المصنفة «أ»، التابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، بـ 17.6 في المئة.
التعليقات : 0