قلبت حياتهم رأسا على عقب

أطفال غزة خلال الحرب.. من طابور المدرسة لطوابير "التكية" وتعبئة "المياه"

أطفال غزة خلال الحرب.. من طابور المدرسة لطوابير
تقارير وحوارات

غزة/ إيناس الزرد:

أمام إحدى مخيمات النزوح في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تقف الطفلة سناء الراعي، ذات عشر السنوات، في طابور طويل تنتظر دورها حاملة بيدها وعاءً فارغًا أمام تكية الطعام لتملأه «بالمعكرونة» لسد رمق الجوع اليومي الذي تعانيه العائلات النازحة، بسبب الحرب، بعدما كانت تقف في كل صباح في طابور مدرستها وتعيش طفولتها الحقيقية بكل ما تحملها الكلمة من معنى.

 

وكغيرها من أطفال قطاع غزة تقف الطفلة الراعي يوميًا أمام تكية الطعام، بعدما كانت قبل الحرب تجلس على مقعد الدراسة، مرتبة الشكل ومصففة الشعر، تتعلم هي ورفاقها وتحلم بمستقبل مشرق، إلا أن الحرب على قطاع غزة قلبت كل اهتماماتها وطريقة حياتها رأسا على عقب .

 

والقت حرب الإبادة الإسرائيلية بظلالها القاسية والمريرة على أطفال قطاع غزة، الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم إلى مخيمات النزوح، فانقلبت مفاهيم حياتهم رأسًا على عقب، وحملوا همومًا تفوق أعمارهم وأجسادهم الصغيرة، حتى أصبحت مسؤولياتهم واهتماماتهم مختلفة تمامًا عما كانت قبل الحرب، باتوا ينتظرون بفارغ الصبر كل صباح عربات توزيع المياه الصالحة للشرب، ويقفون في طوابير «تكيات» توزيع الطعام الخاصة بالنازحين، أو شراء الاحتياجات، لتأمين أساسيات الحياة الصعبة لهم ولذويهم .

 

وفي قطاع غزة، حرم عدوان الاحتلال أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلا عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.

 

وخلفت الحرب على غزة أكثر من 25,000 طفل ما بين شهيد وجريح، منهم ما يزيد على 10,000 من طلبة المدارس، وسط تدمير 90% من مباني المدارس الحكومية البالغ عدد أبنيتها 307.

 

واستمرار الحرب ودخولها العام الثاني دون توقف يحرم طلاب غزة من عام دراسي آخر بدأ منذ أيام.

 

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي امس الاربعاء، إن 12,061 طالباً استُشهدوا و19,467 أصيبوا بجروح منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول 2023 على القطاع والضفة.

 

وقبيل شروق شمس كل يوم، تستيقظ الطفلة سعاد، لتنطلق برفقة بعضٍ من أطفال مخيم النزوح في منطقتها في مهمة يومية شاقة في شوارع مدينة خانيونس وأزقتها، بحثًا عن الأخشاب، لمساعدة والدتها في إيقاد نيران فرن من الطين تستخدمه للطهي وإعداد الخبز.

 

وتستخدم والدة سعاد ما تجمعه من الشوارع وتحت ركام المنازل المدمرة «لإحماء الفرن وإشعال النار من أجل إعداد الخبز والطعام».

 

جدول يومي

 

أما الطفل عبد الله الدالي، البالغ من العمر تسع سنوات، فيخرج منذ الصباح الباكر منتظرًا عربة المياه الصالحة للشرب بأوانٍ فارغة لساعات طويلة، أمام المخيم المجاور لمكان نزوحهم، ليملأها؛ فهو الطفل الوحيد لوالدته بعدما استشهد إخوته الأربعة خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة .

 

ويقول الطفل الدالي لـ»الاستقلال» بعيون ممتلئة بالدموع: «بدلًا من أن أقف في طابور المدرسة، وأردد النشيد الوطني مع أصدقائي وإخوتي، أخرج من الصباح الباكر لأقف في طابور المياه، وأملأ الأواني لوالدتي، لأن المياه المتوفرة غير صالحة للشرب ولا للاستخدام اليومي».

 

ويجلس الطفل مؤمن رجب، ذو الاثني عشر عامًا، وقد ملأت الحسرة قلبه أمام بسطته الصغيرة، يبيع ما تيسر من المعلبات لتأمين مصروف أسرته ولو بالقليل، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها العائلات النازحة، متحملًا مسؤولية أكبر من عمره الصغير.

 

وأوضح رجب لـ»الاستقلال» أنه يحاول التأقلم مع وضعه الحالي وتحمل مسؤوليات تفوق سنه، آملًا في أن تنتهي الحرب ليعود إلى حياته السابقة وعيش طفولته مع أصدقائه، على الرغم من استشهاد الكثير منهم، ويعود إلى الدراسة والتعلم.

 

تذمر شديد

 

أوضحت والدة الطفل سيراج السرسك (10 أعوام) أنها أصبحت تشعر بالقلق الشديد إزاء الوضع الذي يعيشه طفلها نتيجة تغير نمط حياته خلال الحرب، إذ بات يقضي يومه ما بين انتظار عربات المياه والوقوف في طوابير توزيع الطعام، وأصبح يتذمر ويبكي بسبب التعب الطويل.

 

وقالت والدة الطفل السرسك « لـ «الاستقلال» إن تغير نمط حياة طفلها خلال الحرب أثر بشكل سلبي على سلوكياته وتفاعله مع أسرته، إذ أصبح كل تفكيره متمركزًا حول توفير احتياجات أسرته، على الرغم من الخوف الذي يعيشه، كباقي الأطفال، تحت القصف والجوع والتعب الشديد من الوقوف لساعات طويلة».

 

ولفت النظر إلى أن أطفال غزة أصبحوا خلال الحرب الحالية أصحاب المهام الخاصة في مساعدة العائلة سواء كان في تعبئة المياه أو الوقوف على طابور التكية، أو شراء الاحتياجات لتتبدل اهتماماتهم من البحث عن التعليم واللعب والعيش كما أطفال العام بحياة كريمة ليصبح همهم الأول منذ أن يستيقظوا في الصباح الباكر التفكير في كيفية قضاء جدول الاعمال المطلوبة منهم خلال اليوم.

 

وتواجه اليونيسيف والمنظمات الإنسانية الأخرى تحديات كبيرة في مساعدة الأطفال في مخيمات النزوح في غزة، حيث تأثر الوضع النفسي للأطفال بشدة نتيجة الصدمات المتكررة، ونقص الطعام، والعيش في بيئة غير مستقرة، في سياق الطوابير الطويلة للحصول على الطعام، حيث يعاني الأطفال من مشاعر الإحباط والقلق الشديد نتيجة هذه الظروف الصعبة، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية قد تشمل الكآبة، والاضطراب النفسي، ومشاكل النوم، وحتى ظهور سلوكيات عدوانية لدى بعض الأطفال.

 

ويذكر أن خلال الحرب الدائرة في غزة، تشير التقارير إلى أن حوالي 1.7 مليون شخص قد هجّروا، وقد شكّل الأطفال نسبة كبيرة من هذا العدد، حيث تجاوز عددهم نصف المهجرين تقريبًا، وتعرض الأطفال النازحون لظروف معيشية صعبة بسبب نقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية، وسط دمار كبير في البنية التحتية والخدمات الأساسية.

 

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق