يتحدون الصعاب

   نساء غزة.. صمود وتحدٍّ في مواجهة مرارة النزوح وألم الفقد

   نساء غزة.. صمود وتحدٍّ في مواجهة مرارة النزوح وألم الفقد
تقارير وحوارات

غزة/ إيناس الزرد:

تعيش نساء قطاع غزة خلال حرب الإبادة الإسرائيلية منذ أكثر من ثلاثة عشر شهراً، ويلات الحرب ومرارة الفقد والفراق بأشكاله المريرة والعصيبة، وتحملن مسؤوليات أكبر من طاقتهن، وصبرن على مصابهن، في محاولة منهن لمواجهة الواقع الأليم الذي فرضته الحرب، بعدما أجبرتهن الظروف على البعد عن أزواجهن خلال نزوحهن من شمال قطاع غزة إلى جنوبه قسراً تحت وطأة القصف والدمار، من أجل النجاة بأنفسهن وبذويهم، فعشن رحلة مملوءة بالخوف والقلق.

 

إم إلياس، البالغة من العمر تسعة وعشرون عاماً، والتي تجرعت كأس الفراق عن زوجها بعدما نزحت من شمال قطاع غزة إلى جنوبه بداية الحرب قبل عام من الآن، هي وعدد من أفراد العائلة، تحت وطأة نيران الاحتلال وقصفه العنجهي للمدنيين، والذي على إثره استشهد نحو أربعة عشر فرداً من عائلتها، حيث أجبرها زوجها على النزوح خوفاً على أبنائه وبقي هو هناك يصارع الموت والجوع على حد سواء.

 

تقول إم إلياس لـ »الاستقلال» إن حياة النزوح والبعد عن زوجها في مثل هذه الأوضاع تزيد من صعوبة الأمر، فأصبحت الأم والأب معاً، وتحملت مسؤوليات متعددة لوحدها مع أبنائها، حيث أن غياب معيل الأسرة يفاقم من حجم المأساة التي تعيشها أغلب النساء خلال الحرب الراهنة، فباتت تتحمل كل الأمور الحياتية التي تقع على عاتقها من توفير الطعام والشراب لأبنائها، موضحةً أن بعد نزوحها اضطرت للعمل في أحد أفران الطين المخصصة للخبز لتوفير قوت يوم عائلتها وتعد لهم ما تيسر من طعام ومياه صالحة للشرب.

وتأمل إم إلياس اللحظة التي ستنتهي فيها الحرب وتعود إلى الشمال لافاقدة ولا مفقودة، لتلتقي بزوجها هي وأبناؤها بعدما حرموا منه فترات طويلة في أوقات صعبة تحتاج الأسرة لأن تكون بجانب بعضها بعضاً، فكلاهما يكتوي بنار الفراق، ويعيشان أوضاعاً صعبة في شمال القطاع وجنوبه.

وفقًا للبيانات الصادرة عن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، نزح ما يقارب 1 مليون فلسطيني من مختلف مناطق قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، وكان معظمهم من المناطق الشمالية التي تعرضت للقصف الأعنف، وتقدّر التقارير أن النساء والأطفال يشكلون أكثر من نصف العدد الإجمالي للنازحين .

حياة صعبة

أما سلسبيل البالغة من العمر خمسة وثلاثين عاماً، والتي اكتوت بنار البعد والفراق عن زوجها، بعدما نزحت إلى جنوب قطاع غزة قبل 10 أشهر مشياً على الأقدام، وعاشت تجربة مريرة أثناء عبورها الحاجز العسكري فوق الجثث التي كانت قد بدأت بالتحلل، وأمام جيش الاحتلال المدجج بالسلاح، لوحدها هي وأبناؤها الستة، حيث بقي زوجها في شمال القطاع مع والديه المقعدين لعدم قدرتهما على النزوح وتمسكهما بمكان إقامتهما..

 

وأوضحت سلسبيل لـ »الاستقلال» أنها عاشت شهوراً صعبة داخل أحد مراكز الإيواء جنوب القطاع مع أبنائها دون زوجها، وتحملت كل الصعاب الملقاة على عاتقها، على أمل اليوم الذي ستجتمع فيه مع زوجها بعدما تنتهي الحرب، إلا أن غدر الاحتلال كان أكبر من أمنيتها، حيث وصلها الخبر المروع واستشهد زوجها ووالداه خلال غارة إسرائيلية على منزل أقاربهم القاطنين فيه، بعد شهرين ونصف من نزوحها.

 

تقول وقلبها يحترق أنها لم تتوقع أن يزف زوجها شهيداً وهي بعيدة عنه تعيش معاناة النزوح ،ولا تفصلها إلا مسافات قليلة دون أن تودعه وتلقي النظرة الأخيرة عليه، فمشوار الحياة دونه كان صعباً ومريراً، وبعد استشهاده أصبح أكثر صعوبة وألماً وحسرة، حيث غادرها دون أمل العودة واللقاء به، مبينةً أنها تحاول أن تكون قوية أمام أبنائها حتى تتجاوز كل الصعاب التي تعيشها لتوفير احتياجاتهم، رغم صعوبة الحياة من الجوانب كافة.

تجربة مريرة

أما آلاء، البالغة من العمر( 27 عاماً)، فقد عاشت تجربة مريرة للغاية عندما نزحت مؤخراً من مدرسة إيواء في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، بعدما أصرت على عدم الخروج هي وأسرتها من المكان، إلا أن الاحتلال أجبرهم عبر مكبرات الصوت والقذائف المدفعية العشوائية على الخروج من المدرسة، وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتقال زوجها وعدد كبير من الشبان عبر حاجز عسكري يتم التنكيل بالرجال فيه صغاراً وكباراً.

 

تقول آلاء لـ »الاستقلال» أنهم اقتادوا زوجها في بداية الأمر أمام عينها وطفليها الصغيرين، إلى حفرة صغيرة وأجبروهم على خلع ملابسهم، وأمروا النساء والأطفال عبر مكبرات الصوت أن يكملوا طريق نزوحهم إلى الجنوب، ومن تلك اللحظة لم تعد تعرف أي شيء عن زوجها وباتت قلقة على مصيره، مشددةً أن من لحظة نزوحها وأسر زوجها والتنكيل به ما زادها ذلك إلا قوة، وأن بعد الصبر يأتي الفرج.

 

وتوضح أنها تحملت مسؤولية إعالة حماية أطفالها الصغار، واضطرت إلى عمل مشروع صغير تبيع من خلاله المخللات، بجانب خيمتها  في وسط مدينة دير البلح ، لتوفر إحتياجاتهم في ظل الظروف الصعبة، آمله أن تنتهي الحرب في أقرب وقت وتعود لحياتها في غزة وتلتقي بزوجها .

 

ويقول رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن 10 آلاف فلسطيني تعرضوا للاعتقال في قطاع غزة، وتم حجزهم لفترات طويلة في ظروف قاسية، وأن العدد الإجمالي لهم غير معلوم، نظراً لاستخدام الاحتلال سياسة الإخفاء القسري .

 

وأدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية إلى استشهاد وجرح وتشريد وإعتقال عشرات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة، الذين دفعتهم المجازر المرتكبة بحقهم للنزوح إلى جنوب القطاع في نهاية شهر أكتوبر عام 2023 للمناطق ادعى الاحتلال أنها إنسانية لكنها تفتقر لأدنى مقومات الحياة والأمن والاستقرار.

 

عاد الاحتلال إلى محور «نتساريم» منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأنشأ الممر الفاصل الذي فصل غزة وشمالها عن الجنوب، حيث هدم المزيد من المباني السكنية شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، في إطار توسعة «محور نتساريم» العسكري، ووضع قاعدة عسكرية للجنود تمنع الحركة بين الشمال والجنوب، ومن يفكر بالعودة للشمال واجتياز الحاجز تقتله قوات الجيش المتمركزة على الفور.

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق