«مناقيش الزعتر والمخبوزات».. حيلة أمهات غزة لإسكات جوع أبنائهن 

«مناقيش الزعتر والمخبوزات».. حيلة أمهات غزة لإسكات جوع أبنائهن 
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:

داخل خيمة نزوح بمدرسة «خالد بن الوليد» في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تنهمك المواطنة أم ياسين النواجحة بإعداد قطع دائرية الشكل من مناقيش الزعتر والدقة، بمحاولة منها لإسكات جوع أبنائها، في ظل اشتداد حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، ومنعه إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

 

وبأفضل الأوقات تُعد «النواجحة» بعض قطع البيتزا البسيطة، والتي تشمل صلصة الطماطم، وقطعا صغيرة وقليلة جدا من لحوم (المرتديلا)، وبعض شرائح الفلفل الحلو، أملاً بإرضاء أطفالها ومنحهم شيئاً من السعادة التي باتت غائبة تماماً عن ملامحهم البريئة الشاحبة. وفق تعبيرها.

 

ويشتكي المواطنون في جنوبي القطاع من انعدام الدقيق والمواد الغذائية والخضروات والفواكهة واللحوم من الأسواق، فضلا عن الارتفاع اللامنطقي لأسعار المتوفر منها، وهو ما لا يتناسب مع قدراتهم الشرائية في ظل حرب الابادة المستمرة لليوم 411 على التوالي.

 

ومنذ شهر أكتوبر الماضي تراجع عدد الشاحنات التي تسمح «إسرائيل» بإدخالها إلى أدنى مستوى ما أدى إلى فقدان حاد للسلع في الأسواق، في حين حذرت منظمات دولية من خطر تفشي المجاعة في مناطق جنوب غزة أسوة بمناطق شماله.

 

في حين تقدر مصادر محلية أن سعر كيس الدقيق 25 كيلو جرام يتراوح ما بين «400-500» شيكل، أي ما يعادل 150 دولاراً أمريكياً وأكثر.

 

وهذا الوقع المرير دفع المواطنين إلى البحث عما يسكت جوع أطفالهم، فلم يكن أمامهم إلا بعض المعلبات وإن كان اسعارها بارتفاع هي الأخرى، ومناقيش الزعتر والدقة.

لقمة الخبز باتت معركة

تقول النواجحة وهي تخبز بعض أرغفة الخبز لإطعام عائلتها المكونة من سبعة أفراد :» الحياة صعبة للغاية، والمساعدات الإنسانية والغذائية مفقودة لا يصلنا شيء، ونحن مضطرون لتدبير أي شيء لسد جوع  أبنائنا».

 

وتُضيف بحسرة وألم خلال حديثها لـ  »الاستقلال» :» من شهر أعتمد بشكل أساسي على الرز والبرغل والعدس والمعكرونة بطعامنا بدلاً من الخبز وفي سبيل الحفاظ على الدقيق المتوفر لدينا، لكن للأسف حتى البقوليات ارتفعت أسعارها وأصبحنا غير قادرين على شرائها».

 

وأشارت الى أن سعر كيلو الرز وصل لـ 24 شيكلا بدلاً من 9 شواكل، ويبلغ سعر كيلو العدس 9 شيكلا، فيما ارتفع سعر كيس المعكرونة 400جرام لـ 10شواكل بعدما كان بـ  3 شيكلا.

 

وتحاول «النواجحة» جاهدةً لتوفير ربطة خبز واحدة على الأقل لإطعام أبنائها، وبحال لم تتوفر تُجبر لإعداد المناقيش بما توفر لديها من دقيق، في مُحاولة للتحايل على الأزمة والبقاء في ظل استمرار سياسة التجويع. وفق قولها.

 

ولا تخفي النواجحة خوفها وقلقها الشديدين من تفشي المجاعة في جنوب غزة أسوةً بشمالها، قائلة :» كل يوم بنفقد سلعة جديدة من السوق، اليوم نحن قادرين على اعداد المناقيش بكرة يمكن ما نقدر ندبرها، فالدقيق منعدم، والدقة باتت شحيحة للغاية لكونها مصنوعة من الدقيق».

 

وأشارت الى أنها كانت تعتمد على السيرج في اعداد المناقيش نظراً لارتفاع سعر زيت الزيتون حيث يتراوح ثمن اللتر الواحد ما بين «35-70» شيكل، واليوم أصبح السيرج منعدماً من الأسواق وإن توفر فثمن اللتر منه ٣٥  شيكلا.

 

وأكدت النواجحة أنها تعد المناقيش كوجبة واحدة طيلة اليوم، مستدركة:» المجاعة تضربنا بقوة، وتوفير لقمة الخبز أصبح معركة».

واقع لا يُطاق

ولا يختلف حال المواطن أبو ياسر الأسطل كثيراً عن سابقته، فهو الأخر يعاني من ويلات الحرب الإسرائيلية المدمرة بشكلها المعروف، والتي خلقت واقعاً جديداً جعل تعامل السكان معه أمراً لا يُطاق.

 

ويقول الأسطل وهو ينتظر تجهيز قطع مناقيش الزعتر أمام أحد أفران الطينة:» كل شيء انقطع وارتفع سعره، إلا البشر هان أرواحهم ودماؤهم رخيصة جداً، العالم يتفرج بصمت».

 

ويُضيف بغضب:» شبه يومي نخبز بعض قطع من المناقيش لإطعام أبنائي، ليس رفاهيةً إنما اضطرارا وغصباً بعد رفضهم تناول الخبز الأبيض بمذاقه السيء ورائحته العطب فيه».

 

لم يجد «الأسطل» وسيلة للتحايل على أبنائه وجعلهم يقبلون أكل الخبز سوى اعداده كـ»مناقيش»، فالزعتر يُمنحه طعماً أفضل، مستدركاً:» الواحد بتقطع قلبة وأطفاله يأكلون وهو يعلم أن ما يتناولونه فاسد ولا يستطيع فعل شيء».

 

وأكد أن أبناءه يطلبون منه مأكولات ومشروبات كثيرة، إلا أنه ليس باليد حيلة، فلا أشياء في الأسواق للشراء، وإن توفر شيء فهو بأسعار خيالية جدا.

 

ويناشد الأسطل أصحاب الضمائر الحية» بالعمل على وقف «تلاعب «إسرائيل» بأرواحهم وحياتهم، مُضيفاً: «إسرائيل تضحك على العالم، فتقول أدخلنا مساعدات، ثم تقصف الشباب الذين يحاولون تأمين شاحنات المساعدات وهي في طريقها إلينا».

 

واشتدت المجاعة على أكثر من مليوني فلسطيني جنوب القطاع وشمالة منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، جراء إغلاق الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد في القطاع، ومنع ادخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، علاوةً على استمرار احتلال معبر رفح البري منذ اجتياح مدينة رفح الحدودية مع مصر في السادس من مايو/أيار الماضي.

 

وبحسب وكالة الغوث واللاجئين «أونروا» وهيئات أممية أخرى فإن حالة الجوع الحالية نتيجة التضييق والقيود الإسرائيلية تعيد التذكير بما كان عليه واقع الغزيين في الشهرين الأولين للحرب، وتوضح «أونروا» ذلك بالقول إن «الناس يكافحون في دير البلح من أجل الحصول على رغيف خبز، ويواجه الجميع في قطاع غزة خطر المجاعة».

 

وفي تقرير حديث لها تقول الوكالة الأممية «يعاني أكثر من مليون و800 ألف شخص في جميع أنحاء القطاع من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المصنف في المرحلة الثالثة من التصنيف أزمة أو أعلى»، وتشير إلى أن «سوء التغذية الحاد أعلى بعشر مرات مما كان عليه قبل الحرب».

 

من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كبيرة منذ مطلع شهر اكتوبر الماضي.

التعليقات : 0

إضافة تعليق