غزة/ معتز شاهين:
في خِضَم التصعيد الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والأنباء المتلاحقة، تتجه الأنظار نحو مفاوضاتٍ قد تفتح باباً جديداً لهدنةٍ مؤقتة في غزة، وفي ظل تزايُد الضغوط الدولية والمحلية تظهر إشاراتٌ من جميع الأطراف على الاستعداد للتوصّل إلى تسوية قد تشمل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل عددٍ من الأسرى الإسرائيليين.
ويبرز كُتّاب ومحللون سياسيون خلفيات هذه المفاوضات والتحديات التي قد تُعرقل أو تسهِّل إتمام الصفقة، مؤكّدين أن المفاوضات الجارية حول صفقة تبادل الأسرى بين "إسرائيل" والفلسطينيين شهدت تقدُّماً كبيراً، ما يجعل توقيع الصفقة وشيكاً.
ويرى المحللون في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، إمكانية إطلاق سراح 700 إلى 1000 أسير فلسطيني مقابل 100 إسرائيليّ، مع وقف إطلاق نار مؤقّت، وانسحاب تدريجيّ لقوات الاحتلال من غزة، كما توقّعوا أن تتضمن الصفقة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة معبر رفح.
وتستمر المباحثات في العاصمة القطرية الدوحة، حيث يجتمع رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية "وليام بيرنز" مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لحلحَلة النقاط العالقة، وسط تأكيد وزير الحرب الإسرائيلي على اقتراب وقف إطلاق النار.
وكشف مسؤول إسرائيلي مطّلِع على آخر تطورات مفاوضات هدنة غزة وصفقة تبادل الأسرى عن أنّ الجهود مستمرةٌ رغم الفجوات الكبيرة بين الأطراف، وأن حركة حماس أبدَت استعدادها لنقل أسرى فلسطينيين إلى دول خارج فلسطين، فيما أبدى المسؤولون الأمريكيون تفاؤلاً بشأن التوصّل إلى اتفاق قبل نهاية الشهر الجاري، وقبل تنصيب الرئيس الأمريكيّ المنتخَب ترامب.
في غضون ذلك، أصدرت حركة حماس بياناً مقتضباً عقّبت فيه على آخر التطورات فيما يتعلق بجولات المفاوضات، قالت فيه: "إنه في ظل ما تشهده الدوحة من مباحثات جادة وإيجابية، برعاية الإخوة الوسطاء القطري والمصري، فإن الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ممكن، إذا توقف الاحتلال عن وضع شروط جديدة."
تطوّرات المفاوضات
وأكد الكاتب والمحلّل السياسيّ أحمد عوض أن التصريحات المتسارعة التي صدرت عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية، تكشف عن تقدم كبير في المفاوضات الجارية، ممّا يفتح الباب لتوقيع صفقة تبادل أسرى في أية لحظة.
وقال عوض في حديثه مع صحيفة "الاستقلال": "إن التوقّعات تشير إلى أن الاتفاق المرتقب سيتضمّن إطلاق سراح ما بين 700 إلى 1000 أسير فلسطيني مقابل 100 أسير إسرائيلي، كما سيشمل الاتفاق وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، وإعادة تموضُع قوات الاحتلال في محورَيْ (نتساريم وفيلادلفيا)، بالإضافة إلى تحركات في معبر رفح".
وأضاف عوض، أن حركة حماس أظهرت مرونة في قبول وقف إطلاق نار تدريجيّ يمتد من 40 إلى 60 يوماً، مع انسحاب متدرّج لقوات الاحتلال من قطاع غزة.
وأشار إلى أن حماس مستعدة للقبول بالصفقة بشرط عدم إضافة شروط جديدة من جانب الاحتلال، موضحاً أن الضغوط على حماس تزايدت نتيجة الخسائر التي تكبّدتها، بالإضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من الإدارة الأمريكية وأهالي الأسرى الإسرائيليين.
وفيما يخُص وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، رجّح عوض أن هذه الفترة قد تشهد تطورات مهمة، خصوصاً في ظل رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إنهاء الحروب، ما قد يفتح المجال لمفاوضات حول صفقة أشمل.
أمّا فيما يخُص إدارة معبر رفح، فقد توقّع عوض العودة إلى اتفاقية 2005 مع إشرافٍ دوليّ من أطرافٍ مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن حركة حماس لن تكون مسؤولة مباشرة عن المعبر، بل قد يكون هناك دور للسلطة الفلسطينية أو قوى أخرى مدعومة دولياً.
وأشار عوض إلى أن خيار عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، بدعمٍ عربيّ ودوليّ أصبح أكثر قبولاً في ظل الظروف الراهنة، مؤكداً أن حماس لن تُستبعَد بشكلٍ كامل، لكنها قد تتراجع عن الواجهة السياسية مع استمرار وجودها في المشهد.
فرص الصفقة
من جانبه يرى الكاتب والمحلّل السياسيّ عزّام أبو العدس، أن فرص إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب في قطاع غزة أصبحت أقوى في الآونة الأخيرة.
وأوضح أبو العدس في حديثه مع "الاستقلال"، أن الضغوط المتزايدة من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" لدفعِهِ نحو قبول الصفقة أصبحت واضحة، خاصة في ظل شخصية "ترامب" غير المتوقعة التي قد تُجبر "نتنياهو" على التراجع عن أساليبه السابقة مع الرئيس الأمريكي "جو بايدن".
وأضاف أن "ترامب" يسعى لإنهاء الحرب في غزة، وهو ما يظهر بشكل كبير في تطورات الصفقة، في وقتٍ يعاني فيه جيش الاحتلال من ضغوط، حيث وصف قادة الجيش الحرب بأنها سياسية أكثر منها عسكرية.
ولفت أبو العدس إلى أن توقيع الصفقة قد يساهم في تحويل الأنظار عن محاكمة نتنياهو، حيث سيكون للإفراج عن الأسرى خلال فترة الهدنة تأثيرٌ إعلاميّ كبير، ممّا قد يقلّل من الاهتمام بمحاكمته.
واستبعد أبو العدس رفْضَ نتنياهو مطالبَ ترامب بشأن إبرام صفقة تبادل، متوقعاً أن تتحول الصفقة من جزئية إلى اتفاقٍ شامل، في وقتٍ قد تحصل فيه "إسرائيل" على تعويضات تشمل ضمَّ أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة.
وفيما يتعلق بالعقبات الرئيسية أمام الصفقة، أشار أبو العدس إلى أن أبرزها يكمُن في إنهاء الحرب والانسحاب من غزة، إضافة إلى قضية الإفراج عن مروان البرغوثي، التي تثير توتراً داخل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وأوضح أن السلطة تمارس ضغوطًا على "إسرائيل" لعدم الإفراج عن البرغوثي، وتعمل على إقناع "إسرائيل" بأنّ الإفراج عن شخص مثل البرغوثي يشكل تهديدًا أمنيًا.
وأكد أبو العدس أن السلطة الفلسطينية لن يكون لها دورٌ فاعلٌ بعد توقيع الصفقة، حيث ستكون فقدت قدرتها على التأثير في مجريات الأمور، في وقتٍ تسعى فيه لتقديم أوراق اعتماد لـ"إسرائيل" عبر عمليات أمنية في الضفة الغربية، مثل تلك التي تقوم بها حاليًا في مخيم جنين وملاحقة المقاومة في "كتيبة جنين".
التعليقات : 0