غزة/ معتز شاهين:
في إطار تطوّرات صفقة تبادل الأسرى بين "إسرائيل" وفصائل المقاومة، يسعى رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" لتحقيق مكاسب سياسية عبر تشديد شروط الاتفاق، مع تقليص عدد الأسرى الفلسطينيين المفرَج عنهم واختيار نوعياتهم، إضافة إلى فرض شرط تسليم المقاومة قائمة دقيقة بأسماء الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.
وكشفت هيئة البثّ الإسرائيلية (مكان) عن شروطٍ جديدة طرحها "نتنياهو" من باب المماطلة وتعطيل التوصُّل إلى صفقة؛ لوقفِ الحرب على قطاع غزة.
وأعلنت الهيئة، صباح الإثنين، أن الشروط الجديدة التي وضعها "نتنياهو" في المفاوضات تشمل مطالبة حركة حماس بتقديم قائمة تفصيلية بأسماء الرهائن الإسرائيليين الأحياء المحتجزين لديها، ممّا يُعقِّد مسار المفاوضات.
وفي تصريحات حديثة لـ "نتنياهو"، قال إن هناك "تقدُّماً حذِراً" في المفاوضات، لكنه أشار إلى أن الاتفاق ما زال بحاجة إلى مزيدٍ من الوقت للتبلور، دون تحديد جدول زمنيّ واضح.
وأكّد الكاتب والمحلِّل السياسي محمد هلَسَة أن "نتنياهو" يسعى لإظهار أيِّ اتفاقٍ محتمَل بشأن تبادل الأسرى كإنجازٍ سياسي لـ"إسرائيل" من خلال تشديد شروط الاتفاق في المرحلة الأولى من التفاوض.
ووفقًا لهلَسَة، يحاول "نتنياهو" رفعَ عدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيتمّ الإفراج عنهم، مقابل تقليل عدد الأسرى الفلسطينيين، مع التركيز على الأسماء والنوعية؛ لتحقيق مكاسبَ سياسيةٍ وإعلاميةٍ داخلية.
مراوغاتٌ مرحلية
ويرى هلَسَة في حديثٍ خاصّ مع صحيفة "الاستقلال"، يوم أمس، أن "نتنياهو" يسعى لتحقيق أهدافٍ مرحليةٍ في المرحلة الأولى من الاتفاق، مع تجنُّب الالتزام بأيِّ اتفاق شاملٍ يشمل وقف القتال أو الانسحاب من غزة.
وأوضح أن تركيزه على الحصول على قائمة دقيقة بأسماء الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، يُعدُّ محاولة لإظهار حرصه على مصالح "إسرائيل"، رغم علمِهِ بأن هذا الأمر يحتاج إلى وقتٍ وظروفٍ هادئة لجمع البيانات المطلوبة.
وأشار هلَسَة إلى أن المقاومة الفلسطينية تتعامل بحذر مع هذه المرحلة، حيث لن تقدِّم لـ "نتنياهو" معلوماتٍ تفصيليةً عن أعداد وأوضاع الأسرى لديها؛ لمنعه من استغلالها في رسم استراتيجياته العسكرية والسياسية.
وأضاف أن المقاومة تدرك أن "نتنياهو" يهدف لاستكمال المرحلة الأولى فقط من الصفقة؛ نظرًا لقِلة تكلُفتها السياسية والأمنية، بينما يفضِّل تأجيل القضايا الأكثر تعقيدًا إلى مراحلَ لاحقة.
تصعيدٌ جديد
وتوقّع هلَسَة أن تتسمَ النصوص المتعلِّقة بالمرحلة الثانية من الاتفاق بالعمومية؛ ممّا يمنح "إسرائيل" مرونة في تفسيرها بما يخدم مصالحها، ومن المحتمَل أن تضمن المقاومة بعض التعهدات الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، بشأن وقف القتال وإعادة إعمار قطاع غزة، لكن تفاصيل هذه المرحلة ستظل مرهونة بتنفيذ المرحلة الأولى.
وحذّر هلَسَة من أن "نتنياهو" قد يلجأ إلى تصعيدٍ جديدٍ في اليمن؛ لتعطيل الاتفاق أو تأجيل المرحلة الثانية منه، مشيرًا إلى أن "إسرائيل" قد تستخدم التوترات مع جماعة "أنصار الله" في اليمن، الذين يستهدفون الأراضي المحتلة بالصواريخ، كذريعة لتبرير استمرار الحرب في غزة وإفشال أيّ تقدُّم نحو تهدئة شاملة.
وخلَصَ هلَسَة إلى أن "نتنياهو" يعتمد على خلق مساحات جديدة للمناورة السياسية والعسكرية في ظل تراجُع الذرائع التقليدية، ويبدو أن التوترات الإقليمية، خاصة مع اليمن، ستوفِّر له فرصة لإعادة صياغة المشهد بما يخدم مصالحه الاستراتيجية، ويخفف من الضغوط الداخلية والخارجية.
ورقةُ ضغط
من جانبها، اعتبرت الكاتبة والمحلِّلة السياسية رهام عودة أن وضْع "نتنياهو" شروطًا جديدة في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى يُعدُّ خطوة ضمن مسعى لاستثمار الوقت؛ لتنفيذ عمليات عسكرية في شمال قطاع غزة وفرض واقع جديد يمكن استخدامه كورقة ضغط على المقاومة.
وقالت عودة في حديث مع صحيفة "الاستقلال"، إن الفصائل الفلسطينية أظهرت مرونةً؛ استجابةً للوضع الإنساني، ممّا أحرج "نتنياهو" الذي حاول استغلال ذلك للضغط على حركة حماس، لكن المقاومة واثقة في قدرتها على استنزاف الاحتلال والضغط الشعبي الداخلي.
وأضافت أن الوسيطَيْن المصري والقطري يلعبان دورًا مهمًا في مسعاهما لوقف الحرب، مستفيدين من خبراتهما في الوساطة، أمّا الإدارة الأمريكية فهي تركِّز بشكلٍ رئيسٍ على قضية الأسرى الإسرائيليين، وتميل لصالح "إسرائيل".
وشدّدت (عودة) على أنه رغم قدرة الإدارة الأمريكية على تمرير بعض التنازلات من الجانب الإسرائيلي، إلّا أنها تفتقر القدرةَ على إقناع "نتنياهو" بإنهاء الحرب بشكلٍ كامل.
وتعتقد المحلِّلة السياسية أن الأحداث الراهنة تشير إلى أن المفاوضات بين "إسرائيل" وحماس قد تدخل مرحلة جديدة من التعقيد والتأزُّم، وما يبدو واضحًا هو أن الوقت عاملٌ حاسم، حيث تواصل الفصائل الفلسطينية الاستفادة من عامل الزمن؛ لإحداث ضغوط إضافية على "إسرائيل"، بينما يواجه "نتنياهو" تحدياتٍ سياسية داخلية وخارجية قد تحدُّ من خياراته المستقبلية.
التعليقات : 0