"تجّارُ الحروبِ" في غزة.. معاناةٌ جديدةٌ تَزيدُ مأساةَ الغزيِّينَ وتنهَشُ جُيوبَهم

تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:

في ظلّ حرب الإبادة الإسرائيلية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ أكثر من عام، ما زال المواطنون يعانون من نقص حاد في البضائع والسلع الغذائية الأساسية، هذا النقص دفع فئةً من التجار إلى تخزين السلع واحتكارها ورفع أسعارها بشكلٍ جنوني؛ ممّا تسبب في زيادة معاناة المواطنين وأفقدهم القدرة على شرائها.

 

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر عام 2023، تعمّد جيش الاحتلال استخدام سياسة التجويع ضدّ المواطنين، فأحكم قبضته على المعابر التجارية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، وقصف بطائراته معظم المنشآت الصناعية والأراضي الزراعية، فبات المواطنون يستهلكون كلَّ ما يوجد من بضائعَ وسلع غذائية أساسية في الأسواق حتى نقصت تدريجياً.

 

نهج التدمير الإسرائيلي تسبّب بتعطيل ما نسبته بين 80 و96% من الإنتاج الزراعي في قطاع غزة، بما في ذلك أنظمة الريّ ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين؛ ممّا أدى إلى شلّ القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائيّ المرتفعة بالفعل، وفق ما ذكره تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).

 

ووفق تقرير (أونكتاد)، توقفت القطاعات الصناعية بالكامل وتمّ تدمير أكثر من 90% من مكونات البنية الصناعية التحتية من مصانع وطاقة وغيرها، في حين أن 82% من الشركات توقفت في قطاع غزة، التي تشكّل محركاً رئيسياً للاقتصاد.

 

وأشارت وزارة الاقتصاد في غزة أن الحرب أفرزت طبقة جديدة من التُجّار ورؤوس الأموال الجُدد، استطاعوا بالفترة الأولى من الحرب استغلال حالة الفوضى التي تسبّب فيها عدوانُ الإسرائيلي، فقاموا بجمع المال والسلاح وشراء الذمم وامتهنوا سرقة شاحنات المساعدات بحماية جيش الاحتلال.

 بورصة الأسعار

ويقول المواطن أبو مؤمن حمادة أحد سكان مخيم النصيرات، إنه يخرج يومياً إلى السوق لعلّه يستطيع شراء القليل من الخضراوات لأطفاله، لكنه دائماً يعود بالمعلّبات باعتبارها أرخص المنتجات المتوفرة بالأسواق.

 

ويُتابع حمادة خلال حديثة لـ"الاستقلال": "أمُرّ يومياً على السوق وأتحسّر على الخضار والفواكه والمنتجات المتوفرة ولا أستطع شراءَها؛ لارتفاع أسعارها، حيث يتراوح ثمن كيلو الخضراوات والفواكه ما بين (25 – 50 شيكلاً)، مستدركاً: "أقل طبخة أحتاج إلى مائة شاقل، حيث شراء الحطب والقليل من الخضار".

 

وأشار إلى أن الأسعار بالسوق أصبحت كالبورصة، في كل دقيقه سعر، وعلى كل بسطة سعرٌ مختلفٌ عن الأخرى للسلعةِ نفسها، فمثلاً: "صباح أول أمس، كان سعر السكر بـ16شيكلاً، وظهراً أصبح بـ20 شيكلاً، ليرتفع بالمساء لـ25 شيكلًا"، وكذلك أسعار باقي السلع ترتفع وتنخفض أكثر من مرة خلال اليوم".

 

ويُضيف: "رغم توفر البضائع والسلع بكميات كبيرة جداً في الأسواق، وسماعنا بمرور مئات الشاحنات الإنسانية والتجارية عبر المعابر، إلّا أن الأسعار ما زالت مرتفعة جداً، الأمر الذي يُبرهن على أن سببَ معاناتنا ليس الاحتلال فقط، بل أيضاً تُجّار الحروب وجشعهم".

 

واتهم التُجّار باحتكار الأسواق واستغلال أية أزمة سواءً كانت اقتصادية أو سياسية؛ لرفع الأسعار بشكل مُبالَغٍ فيه، دون الاهتمام لمعاناة المواطن الذي لا حول له ولا قوة.

 

وأكّد أن غياب الرقابة على الأسواق أعطت التاجر الضوءَ الأخضر لفعْلِ ما يريد دون خوفٍ من العقاب والمُساءلة، مُضيفاً: "المسؤولية يجب أن تكون مشترَكَة ليست فقط على التجار أو الحكومة، صمتنا وتقبُّلنا للأمر يجعل الوضعَ يزداد سوءاً؛ لذلك يجب أن يكون هناك وعيٌ جماعيّ وتحرك لمواجهة هذا الجشع، على الأقل مقاطعة جماعية للسلع التي يرتفع سعرها دون أيِّ سبب".

تُجّار الحروب

وبدوره، يرى المواطن أبو أحمد البطش النازح في منطقة المواصي غرب مدينه خانيونس، أن الأسواق باتت "لعبة" في أيدي تُجّار الحروب والمُحتكرين الذين يتبجّحون في رفع أسعار السلع والبضائع؛ مستغلِّين عدم وجود مَنْ يحاسبهم.

 

وأوضح البطش خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن التُجّار يتلاعبون في كميات وأسعار البضائع والسِلَع المتوفرة بالأسواق وَفقاً لأطماعهم المادية، مُبرهِناً ذلك باختفاء السلع وارتفاع أسعارها بشكلٍ مُفاجئ عند الحديث عن إغلاق المعابر أو فشل المفاوضات، والعكس صحيح، عندما يكون الحديث عن انفراج بإدخال المساعدات والبضائع أو تقدُّم بالمفاوضات.

 

وناشد التُجّارَ بالتحلِّي بالمسئولية الاجتماعية ودعم أبناء شعبهم ونصرتهم في ظل ما يُعانوه من ويلات حرب الإبادة الإسرائيلية وسياسة التجويع، موجِّهاً لهم رسالة مفادها: "ألّا تكونوا وجهاً آخرَ للاحتلال وشُركاءَ له في قتل أهلكم جُوعاً وفقراً وقهرًا".

مصطلحات تجارية

وبدوره، أكّد أحد التجّار -فضّلَ عدم ذِكْر اسمه- أن تُجّار غزة هم مَنْ يقفون وراء ارتفاع أسعار البضائع والسِلَع الغذائية وشُحّها في الأسواق رغم مئات الشاحنات التي دخلت للقطاع مؤخراً.

 

وكشف خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن التجّار يستخدمون مع المواطنين ثلاثة مصطلحات تجارية خلال الحرب، تتمثل بـ (التخزين والتعطيش ثم التقطير).

 

وأوضح أن مرحلة (التخزين) تعني عدم نشر البضائع في الأسواق بمجرد دخولها من المعبر؛ حتى يضمنوا السيطرة والتحكُّم بها، أمّا مرحلة (التعطيش) فتقوم على أساس إبقاء السوق في حاجة ماسّة للسلع؛ ليبحثَ المواطنُ عنها بجنونٍ ويستعدّ لدفع أضعاف ثمنها.

 

وبيّن أن التاجر في مرحلة (التقطير) يقوم بنشْر البضائع والسلع في الأسواق بكمياتٍ قليلة؛ حتى تبقى البضائع مُحافِظَة على سعرها ويبقى المواطنون يبحثون عنها، مُضيفاً: "لذلك ترى الأسعار فلكية والمواطن دايخ بالأسواق، والمخازن مكدّسة بالبضائع".

ارتفاعُ الأسعار

ومن جهته، أكّد المختصّ بالشأن الاقتصادي د. محمد أبو جيّاب، أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار السِلَع والبضائع في أسواق غزة، هو الاحتلال الإسرائيلي وحصاره وحربه الدائرة في القطاع لأكثر من عام.

 

وأوضح أبو جيّاب خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن كمية البضائع والسِلَع والمنتجات الغذائية مرتفعة الأسعار وشحيحة جداً بالأسواق المحلية، وهو جزءٌ من معادلة ارتفاع السعر.

 

وبيّن أن ما يدخل للقطاع يتمُّ فقط عن طريق المساعدات الإنسانية، وأن القطاع التجاريّ ممنوعٌ من إدخال البضائع بالشكل الطبيعيّ، بالتالي تحدث فجوة البضائع على مستوى الوفرة، وهو ما فتح الباب أمام ارتفاعات أكبر على الأسعار من خلال دفع تنسيقات خاصة وشرائها من قِبَل المنظمات الإنسانية العاملة بغزة، وأيضاً من خلال الجيش الإسرائيلي لبعض التُجّار.

 

ونوّه إلى أن الارتفاع بالأسعار يفوق الـ 1000% على بعض المنتجات غير المتوفرة بالحجم الطبيعيّ ودخولها قليل جداً؛ بالتالي ارتفاع أسعارها مرتبطٌ بقلّة المُدخَلَات منها ودفع التنسيقات الباهظة للجيش الإسرائيليّ، مُضيفاً: "للأسف الشديد، المواطن الفلسطينيّ هو مَنْ تحمّل تداعيات هذه الارتفاعات".

 

وأشار إلى أن التُجّار لعبوا دوراً كبيراً في ارتفاع الأسعار بشكلٍ جنونيّ، من خلال الاستكساب والانتفاع من هذه الأزمة عبر شراء التنسيقات وإعادة بيْع البضائع بشكلٍ غير منطقي، والتفرُّد بالأسواق من قِبَل قِلّة من التجار الذين يمنحهم الاحتلال تنسيقاتٍ خاصة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق