وقْفُ إطلاقِ النّارِ في غزة.. بينَ التفاؤلِ والتشاؤم

وقْفُ إطلاقِ النّارِ في غزة.. بينَ التفاؤلِ والتشاؤم
تقارير وحوارات

 غزة/ معتز شاهين:

تسود حالة من ردود الفعل المتباينة أوساط المواطنين في مختلف مناطق النزوح في قطاع غزة، في ظلّ تزايُد الحديث عن إمكانية التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يُوقِفُ حربَ الإبادة المستمرة في قطاع غزة منذ خمسة عشر شهراً، حيث يعبِّر بعضهم عن تفاؤلهم بحدوث وقف إطلاق النار وإنهاء حالة النزوح التي أنهكتهم على مدار خمسة عشر شهراً، بينما يُعبِّر آخرون عن تشاؤمهم؛ بسبب التجارب السابقة مع الاحتلال والمراوغات التي يتبعها في كلّ جولة مفاوضات.

 

في خيمةٍ صغيرةٍ على مَقرُبة من بحر مواصي خانيونس، كانت تجلس مجموعة من نازحِي شمال قطاع غزة، وتركّز حديثهم حول آخر التطوّرات والتسريبات الشحيحة الواردة عبر وسائل الإعلام عن جولات المفاوضات بين حركة حماس و"إسرائيل"، والتي تتمّ برعاية قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة.

 

وعبّر المجتمعون لـ"الاستقلال" عن عدم تفاؤلهم بالتوصّل إلى وقف إطلاق النار في ظلّ التجارب السابقة التي لم تُفضِ إلى أيّةِ نتائج على أرض الواقع، وعدم وثوقهم بوعود الاحتلال بالمفاوضات.

مشاعرُ متباينة

وقال خالد حمادة (35 عامًا) أحدُ المجتمعين: "إن قلوبنا ما زالت هناك في الشمال، والأمل في العودة أصبح ضئيلاً، نحن بحاجة للعودة إلى ديارنا، لكن الظروف لا تسمح، لا أستطيع أن أقول إنني متفائل، ولكن في الوقت ذاته، لا أستطيع أن أقول إنّني فقدت الأمل تمامًا."

 

وأضاف: "نتنياهو يتّخذ من المفاوضات غطاءً لتنفيس الضغوط الداخلية التي يعانيها، ومواصلة حرب لا نهاية لها على المواطنين الأبرياء في قطاع غزة".

 

لكنّ خالد لا يُعبِّر عن رأيه فقط، فهناك كثيرون مثله لديهم رغبةٌ في العودة إلى ديارهم، لكنهم في الوقت ذاته لديهم تخوُّف كبير في عدم تحقيق ذلك في ظلّ تعنُّت الاحتلال ورفضه عودة النازحين إلى مناطقهم التي هُجِّروا منها.

 

ويقول الخمسينيّ أبو قصيّ من مخيّم جباليا وهو نازحٌ في مواصي خان يونس: "عودة الحديث عن الهدنة من جديد أعطتنا أملًا، لكنها أيضاً تثير قلقاً داخليًا، كيف سنعرف إذا كانت ستستمر أَمْ لا؟ نحن كنّا نعيش في أمانٍ سابقًا، ولكن الحرب دمّرت كلَّ شيء."

 

وبعيدًا عن الأمل في العودة، يعاني النازحون من صعوبات حياتية قاسية في المخيمات التي تفتقر للماء والكهرباء، حيث يسود الاكتظاظ ونقص الغذاء والرعاية الصحية، كما أن المعاناة النفسية الناتجة عن فقدان المنازل والأرواح تجعل العودة إلى "الحياة الطبيعية" أمراً صعبًا.

 

وتقول سناء المدهون، وهي أُمّ لأربعة أطفال، نزحت مع أسرتها منذ بداية الحرب من مخيّم جباليا إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة: "في بعض الأحيان أقول لنفسي: هل سأتمكّن من العودة إلى الشمال؟ هل سيكون لدينا مكانٌ نعيش فيه هناك؟ أَمْ أن هذا الأمل مجرّد وهْم؟".

 

وبنبرةٍ مليئةٍ بالقلق، تُضيف المدهون لـ"الاستقلال": "كلّما مرَّ الوقت، تزداد الأسئلة في قلبي، والأمل يصبح أكثر هشاشة، نحن نعيش في الخِيام، بعيدًا عن الأمان، بعيدًا عن الأرض التي شهدت ذكرياتنا، لكن رغم كلِّ شيء، لا أستطيع أن أتخلّى عن الأمل في العودة، ربما يكون لدينا مكانٌ نعود إليه وربما لا، لكن هذا الأمل هو ما يجعلنا قادرين على الصمود."

تفاؤلٌ حَذِر

على الرغم من المعاناة، ما تزال هناك فئة من النازحين تأمل أن تحقّق التهدئة تغيّيراً إيجابياً، ويعلِّقون آمالهم على إمكانية بَدْءِ مرحلة جديدة تُتيح لهم إعادة بناء حياتهم والعودة إلى منازلهم المدمَّرَة، يتحدثون عن الفرصة التي قد توفِّرها لاستعادة جزءٍ من حياتهم الطبيعية، رغم الشكوك المحيطة بذلك.

 

يقول محمود الدبّاغ (40 عامًا) أحدُ النازحين من شمال قطاع غزة إلى مخيمات النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة: "لديَّ أملٌ كبيرٌ بقُرب التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار؛ من أجل العودة لبلدي وأهلي، بدنا نشعر أننا أمام مرحلة جادّة من التفاوض ستقود إلى إنهاء المأساة الإنسانية التي نعيشها".

 

يُشير الدبّاغ لـ"الاستقلال" إلى أنه رغم الظروف الصعبة، يظلّ التفاؤل السِمَة الغالبة لدى أُسرتي التي ترى في التهدئة فرصة لإعادة بناء حياتها من جديد والعودة إلى شمال قطاع غزة، مردِفًا: "في النهاية، نحن بشر، والإنسان دائماً يبحث عن الأمل، ونحن نأمل بنهاية الحرب في القريب العاجل."

مفاوضاتٌ جديدة

منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انطلقت جولة مفاوضات جديدة بين حركة حماس و"إسرائيل"، والتي تتمّ برعاية قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة، بعد الإعلان عن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسباق الانتخابيّ لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الدورة الجديدة.

 

وبدأت في الدوحة جولة جديدة من المفاوضات غير المباشَرَة بين "إسرائيل" وحركة حماس؛ لبحث التوصّل إلى هدنة في قطاع غزة، وقد غادر وفدٌ إسرائيليّ "على مستوى العمل" إلى العاصمة القطرية للمشاركة في المحادثات، حيث أكّدت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية أن التفويض الممنوح للوفد كافٍ لتحقيق تقدُّم في المفاوضات.

 

من جهتها، أكّدت حركة حماس أنها جادّة في مساعيها للتوصّل إلى اتفاق يضمن وقفاً تاماً لإطلاق النار وانسحاب الاحتلال من غزة، وتنفيذ التفاصيل المتعلِّقة بعودة النازحين، مشيرة إلى أن هذه الجولة من المفاوضات تأتي استكمالاً للجولات السابقة مع الوسطاء.

التعليقات : 0

إضافة تعليق