انقسام عامودي

انقسام عامودي
أقلام وآراء

بقلم/ موسى عبد الله

انقسام عامودي.. حرب أهلية.. زوال الكيان.. لقد جاء هذا التوصيف على لسان كبار مسؤولي ومنظري العدو ولم يكن ذلك من منطلق التهويل أو مجرد التنظير بل تحدثوا عنه به بكل جدية كما لم يكن مجرد حديث بل وعملوا ولا زالوا جهدهم ميدانياً لتفاديه إذاً من أين جاء كل هذا التوصيف ولماذا كل تلك السوداوية.

 

في نظرة بسيطة على المشهد يمكن لأي قارئ مطلع إدراك خلفية الصراع القائمة بين معسكرين العدو ليدرك حقيقته القائمة على أمرين أساسيين جذريين حاديين لا يمكن لأيٍ من المعسكرين تجاوزهما وبالتالي قال من قال عنه أنه انقسام عامودي وأنه سيذهب بهم إلى حرب أهلية وإلى الزوال ومن هذا المنطق يمكن القول بأن أي عناوين خلاف ظاهرية من تعديلات قضائية أو غيرها وأي تسويات حولها لن تغير من المشهد في شيء وما هو إلا تمريراً للوقت ودفع للحظة النزال القادمة لا محال بينهما إلى الأمام بسبب حذر الكل منها وخشيتهم الحقيقية من تداعياتها النهائية

 

إن حقيقة الصراع القائمة هذه هي حول الصهيونية الدينية المتشددة "داعش اليهودية" بالدرجة الأولى ويليها شرفيتها حيث ينظر للأولى بأنها ستنسف أساس ديمقراطية الدولة وتستبدلها بدولة دينية تتحكم بها "أحكام الرب" التوراتية الدموية والتي ستستبيح الدولة وتتحكم بمفاصلها وبمصائر مؤسسيها العلمانيين الغربيين كما أنما "بدمويتها" ستزج الكيان في حرب عاصفة مع الفلسطينيين وعرب الداخل مما يدخلهم في اتون قد يفتح عليهم حرب إقليمية مع محور المقاومة لا يعتقدون يقدرتهم على مواجهته وبالتالي ستؤدي حتماً إلى زوال الكيان فضلا عن إحراجهم مع أمريكا وعموم الغرب والذي قد لا يبقى مجرد إحراجاً بما للمفردة من معنى بل قد يذهب بدعمهم وتبنيهم للكيان وأمنه وكلنا شاهدنا ما فعله تصريح سموتريتش حول حوارة فكيف لو نفذه.

 

 كما ينظرون إلى شرقيتها على أنها تمثل التخلف والهمجية وعدم المهنية التي قد تختلف مع أصغر مؤسسة في الدولة وليس فقط مع الجيش والأجهزة الأمنية, في وقت ينظر المعسكر الآخر لنفسه باعتباره يمثل المدنية والحضارة والديمقراطية والمهنية والتطور والجمال والرفاهية كما ينتظرون لأنفسهم أيضاً أنهم هم من أسس الكيان وليس الدينية الخاملين وبنى أمجاده فيه على أساس أنه واحة الغرب الحضارية وسط صحراء التخلف الشرقي وهم "العلمانيين" لم يأتوا بالتدين اليهودي بدايةً إلا كأداة استغلال للدين لجلب اليهود إلى أرض الميعاد واعتباره دولة اليهود في العالم.

 

ومع الوقت تطورت تلك الدينية واستحوذت على شارع عريض من مستوطني الكيان، وبغفلة من الزمن وجد "العلمانيين المؤسسيين" أنفسهم رهائن هذا التشدد الدموي البغيض, وهذا التخلف الهمجي, بل ويهدد رفاهيتهم ورؤوس أموالهم وموقعتيهم ونفوذهم, ولا يمكنهم تخيل أن حفنة دينية ستتحكم بمصائرهم وتعيدهم إلى العصور الوسطى, بل السحيقة من التاريخ, وما الخلاف على التعديل القضائي تحديداً, إلا باعتباره الساتر الأخير لقانونهم المدني, وإذا ما قدر له السقوط, فسيستبيح هؤلاء المتدينين كل شي وفقاً لقوانين الرب التي يرونها.

 

 من هنا وإذا صحت تلك القراءة المتطرفة للمشهد فلا يمكن الحديث عن أي تسويات حقيقية وسيصبح الحديث عن الانقسام العامودي وعن الحرب الأهلية وعن الزوال طبيعياً ومتلازمة حقيقية لمقدماتها والانقسام الحاصل بين المدنية والحضارة والديمقراطية والمهنية والرفاه من جهة وبين الدينية الدموية الشرقية والهمجية المتخلفة من جهة ثانية. وهذا الخلاف لا مجال لحله لا بالحوار ولا بغيره فيما المعسكر الديني الصهيوني الشرقي يشعر بأنه رسول الرب الذي عليه تطبيق أحكامه السماوية على الأرض مقابل العلمانيين الكفرة كما يشعر أنه مواطن درجة ثانية في موطنه وهو مهمش منذ نشأة هذا الكيان وهو اليوم استطلاع الوصول إلى ما وصل إليه ليحقق حلمه التاريخي ببناء الدولة اليهودية وإعادة بناء الهيكل وقتل وتهجير كل الفلسطينيين والسيطرة على الدولة واستعادة مكانته وقيمته الذاتية المهمشة.

 

 وإزاء كل هذا لن يتوانى عن فعل أي شيء حتى لو وصل الأمر اإلى الدم فنحن أمام نموذج مضاعف من داعش الإسلامية وحتى اليوم لم يَظهر كل ما لديه في المقابل فإن العلمانيين هم أيضاً سيستميتون في الدفاع عن مدنيتهم ودولتهم ومكانتهم ولن يقبلوا بحكم "عبيد الأمس" عليهم رغم أنهم لن يكونوا همجيين دمويين مثل الدينيين وربما يقتلون بحضارية مثل أسيادهم الغربيين يبقى أن نشير إلى أن خشية الطرفين من هذه المنازلة ليس رغبة عنها وليس للعدم قناعتهم بها بل الخشية من خروجها عن طورها وخسرانهم كل شيء فهم يريدون المنازلة لحفظ ما ليدهم وليس لتحطيمه وهنا تكمن لعبة أم الصبي حتى حين.

التعليقات : 0

إضافة تعليق