غزة/ دعاء الحطّاب:
داخل خيمةٍ صغيرةٍ في مخيّم البصّة للنازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تخوض طالبة "التوجيهي" نور وادي معركة فاصلة تحت نيران الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 15 شهراً؛ لمواصلة الدراسة والمراجعة لامتحان الثانوية العامة المقرَّر عقدُهُ نهاية شهر شباط/ فبراير القادم.
فمع إشراقة شمس الصباح، وتسلُّل أشعتها إلى عتمة الخيمة، تنتفض "نور" من فراشها؛ لتتخذ من إحدى زوايا الخيمة الضيقة مكاناً لمتابعة دروسها، مُستغلةً حالة الهدوء التام الذي لا يدوم طويلاً في مخيمات النزوح المُكتظة بمئات آلاف النازحين الذين أجبرتهم حرب الإبادة الإسرائيلية على هجْرِ منازلهم.
وتُحاول "نور" استغلالَ كُلّ دقيقة تمرّ خلال ساعات النهار؛ لإنجاز ودراسة قدرٍ كافٍ من رزمها التعليمية المُكدّسَة، والتي هي أكبر بكثير ممّا يسمح به الوقت الممنوح لها (حتى شباط المقبل)، قبل الغروب وانقطاعها التام عن الدراسة؛ نظراً لانعدام الإضاءة ليلاً وتجمُّع أفراد عائلتها المكوّنة من 12 فرداً داخل الخيمة، وفق قولها.
ورَغمَ أن آلة الحرب الإسرائيلية لم تهدأْ، وتواصل القصف والتدمير والقتل في كلّ مكان بقطاع غزة، إلّا أن طلبة وطالبات الثانوية العامة أصرّوا على استكمال مسيرتهم التعليمية وتحقيق غاياتهم، في بيئةٍ تفتقر لأبسط المقوّمات اللازمة للدراسة، وفي ظل غياب الخصوصية والازدحام والضجيج والبرد وانعدام الإضاءة المناسِبَة ليلاً، عدا عن المخاطر المُحدِقَة بهم كباقي أبناء القطاع.
وكانت وزارة التربية والتعليم العالي أعلنت عن انطلاق برنامج الثانوية العامة (الدورة الثالثة) لطلبة غزة الموجودين في الخارج، والذين من المقرَّر أن تنطلق امتحاناتهم بتاريخ 25/ 1/ 2025 حتى تاريخ 5 /2 /2025، إذ التحق بها قرابة 523 طالباً وطالبة، موزّعين على 22 دولة جُلُّهم في جمهورية مصر العربية.
كما أعلنت عن فتح باب التسجيل لطلّاب القطاع الذين اضطُرّوا لتأجيل تقديم امتحانات التوجيهي؛ بسبب حرب الإبادة الجماعية، والذين يبلغ عددهم 35 ألف طالب وطالبة.
وقالت الوزارة في بيانٍ لها، إن هذا الإعلان يخصّ الطلبة الذين أنهَوا الصف الحادي عشر قبل الحرب، وكان من المفترَض أن يتقدّموا للثانوية العامة في العام 2023 /2024.
وأشارت، إلى أن التسجيل سيتمّ لتمكين هؤلاء الطلاب من متابعة دراستهم عن بُعْد، والتحضير لدورة استثنائية خاصة بتقديم امتحانات الثانوية العامة.
صعوباتٌ جَمَّة
وتقول نور خلال حديثها لـ"الاستقلال": "الدارسة في الخيام صعبة جدّاً ومليئة بالمُعيقات، ففي ساعات النهار تكون الخيمة أشبه بفرن مشتعِل بسبب أشعة الشمس، بالإضافة للضوضاء وعدم استقرار الأوضاع بالمخيم، لكنّني مُجبرَة على الدراسة".
وتُضيف: "الأجواء في الخيمة ليلاً تكون أكثر صعوبة؛ بسبب انعدام الإضاءة، وتحوُّل الخيمة لجليد، وعدم توفّر وسائل التدفئة، ناهيك عن ارتفاع وتيرة القصف الإسرائيليّ وأصوات القذائف التي لا تهدأ".
ولا تتوقف معاناة "نور" عند الصعوبات التي تواجهها أثناء الدراسة داخل جدران خيمتها القماشية، بل تضاعفت نتيجة عدم توفُّر الكتب والقرطاسية اللازمة للعملية الدراسية، وارتفاع أسعار طباعة الملازم والأوراق، وكذلك ضعف الإنترنت لمتابعة الرُزَم التعليمية من قِبَل الوزارة، وفق تعبيرها.
وتتابع: "أحاولُ جاهِدة استيعاب المخصّصات التعليمية بمفردي، إلّا أن هناك موادَّ أحتاج فيها لمساعدة كاللُّغة الإنجليزية والرياضيات، لكن والدتي تُحاول مساعدتي قدرَ استطاعتها"، مشيرةً إلى أنها لا تستطيع الالتحاق بالدروس الخصوصية المُكلِفَة.
في جوف الليل
وما إنْ يُسدلُ الليل ستارَ عتمته، ويسود الهدوء أجواءَ حيّ الشجاعية شرق قطاع غزة، إلّا من ضجيج الطائرات الحربية والمسيَّرات الإسرائيلية وتحليقها المستمر على ارتفاعات منخفضة، يتّخذ طالب الفرع العلمي ياسر الصوّاف، من بقايا منزل عائلته المدمَّر مكاناً لمذاكرة دروسه وإنجاز ما عليه؛ لأجل إدراك الوقت قُبَيل بدْءِ الامتحانات.
ويقول الصوّاف خلال حديثه لـ"الاستقلال": "أشعر وكأنّي في سباقٍ مع الزمن، فالنهار يذهب في السعي وراء تلبية مطالب العائلة من تعبئة المياه وإشعال النار وإحضار الطعام من التكية وغيرها من الأعمال التي فرضتها الحرب، ولا يبقى أمامي سوى ساعاتِ الليل؛ لاستكمال دراستي على ضوء اللِّد الخافت".
ويُضيف: "دراستي تعتمد بشكلٍ أساسٍ على الإنترنت الذي يصعُب الحصول عليه بشكلٍ مستمر، ويضطرنا لقطع مسافات طويلة؛ كي نحظى بـ(كافي شوب) لديه سرعة إنترنت عالية تُمكِّنا من تحميل الفيديوهات والرُزَم التعليمية".
وأوضح أن معاناة طلبة التوجيهي بشمال غزة تتفاقم في ظلّ عدم توفُّر المراكز التعليمية ودروس التقوية؛ ممّا يضطرُهم للاعتماد على مجهودهم الشخصي لإدراك المواد الدراسية.
ويشكو الصوّاف من ارتفاع ثمن الرُزَم التعليمية والملخّصَات والقرطاسية، وصعوبة الحصول عليها، في ظلِّ ما يعانيه شمال غزة من هجمَة إسرائيلية شرسة، عدا عن حاجته المُلِحَّة لشحن هاتفه وشراء بطاقات الإنترنت؛ بهدف متابعة الشروحات التعليمية.
ويشير إلى أنه يطلب المساعدة من طلبةٍ أنهوا مرحلة التوجيهي خلال فترة الانتظام في المدرسة قبل الحرب، كما أنه يستعير بعضَ الرُزَم ومقايضتها بأخرى متوفّرة لديه مع طالبٍ آخر.
التعليقات : 0