صيّادو غزّة.. مُعاناةٌ متفاقمة وخسائرُ فادحةٌ بفعلِ الحرب

صيّادو غزّة.. مُعاناةٌ متفاقمة وخسائرُ فادحةٌ بفعلِ الحرب
تقارير وحوارات

غزة/ خالد اشتيوي:

على شاطئ ميناء غزة، يجلس الصياد الأربعيني كامل أبو حصيرة إلى جانب شباكه المهترأة ومن أمامه قاربه المحترق بفعل قذائف زوارق الاحتلال الإسرائيلي الحربية، وفي عينيه الألم والحسرة بعد ان حرمه الاحتلال من مهنته التي يعتاش منها هو وأسرته منذ أكثر من 18 عاماً.

 

ويروي أبو حصيرة لـ "الاستقلال"، فصول من المعاناة، بفعل ملاحقة الاحتلال له ولغيره من الصيادين على مدار سنوات عمله في هذه المهنة المغمسة بالدماء، لافتاً إلى جنود الاحتلال جنود الاحتلال قتلوا المئات من الصيادين خلال رحلة عملهم في الصيد فيما أصاب واعتقل الآلاف.

 

ويضيف، آخر تلك الاعتداءات على قطاع الصيادين، هو ما يجري منذ أكثر من 14 شهراً من حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، حيث دمر الاحتلال معظم مراكب الصيادين وشباكهم وأحرقتها بشكل كامل، الأمر الذي أدى لتوقف الصيادين عن عملهم طوال هذه الحرب.

 

ولفت أبو حصيرة إلى أن استهدافات المتواصلة للصيادين تسبب توقف مصدر دخله الوحيد، مما فاقم من معاناته في ظل هذه الحرب التي تنعدم فيها مقومات الحياة الأساسية وتشهد ارتفاعاً غير مسبوق على القليل من السلع الغذائية التي تتوفر في الأسواق.

 

لقمة مغمسة بالدم

ورغم القصف الإسرائيلي العنيف برا وبحرا وجوا، يخاطر بعض الصيادين بحياتهم وينزلون إلى شاطئ البحر لصيد الأسماك، لعلّهم يجدون ما يسدون به رمقهم وأطفالهم، إذ يعملون تحت نيران الزوارق الحربية الإسرائيلية وطائرات الاستطلاع المسيّرة والدبابات المتمركزة على محور "نتساريم"، الذي يفصل جنوب قطاع غزة عن شماله.

 

ومن بين أولئك الصيادين، محمود ركيعي من مخيم الشاطئ، الذي يخاطر بحياته في كل صباح، ويذهب إلى شاطئ بحر مدينة غزة باحثاً عن لقمة عيشه التي قد يقدم من أجلها روحه، في ظل الاستهدافات المستمرة من قبل الاحتلال للصيادين وغيرهم من المواطنين على شاطئ البحر وفي أزقة الشوارع والمخيمات والمدن.

 

ويقول ركيعي لـ "الاستقلال" بأنه قبل انطلاقه للعمل كل يوم يستودع عائلته ويقول: "أحمل روحي على كفي"، مشيراً إلى أنه خلال عمله في أكثر من مرة كان الموت قريباً منه جداً إلا أن الله كتب له النجاة والعمر الجديد.

 

ويصف الصياد ركيعي الوضع بـ "المأساوي"، إذ إنّ الصيد شحيح جداً، لكنه مضطر إلى ذلك لتوفير لقمة عيش لأولاده، كما صار السمك الطعام الوحيد الطازج الذي يمكن أن يتناوله الغزيون في ظل عرقلة الاحتلال لدخول المواد الأساسية والغذائية واللحوم إلى قطاع غزة وبشكل أكبر في الجزء الشمالي من القطاع.

 

وأضاف أنه والعديد من الصيادين حاولوا ممارسة ولو جزء بسيط من مهنتهم لتوفير قوت أطفالهم اليومية متحدين كل الظروف وعلى الرغم من خطورة ذلك على حياتهم، لافتاً بأنهم لجأوا لاستخدام وسائل بدائية، مثل الأقفاص و"البوص" والثلاجات، بسبب نقص المعدات والأدوات اللازمة والتي تعرضت للتدمير بفعل القصف الإسرائيلي.

 

خسائر فادحة

بدوره، ذكر نقيب الصيادين الفلسطينيين في غزة نزار عياش إن قرابة 5 آلاف صياد بالقطاع يعيلون نحو 50 ألف شخص من عائلاتهم، قد توقفوا عن ممارسة مهنتهم منذ أكثر من 455 يوماً بفعل الاستهدافات المستمرة من قبل الاحتلال للصيادين وتدمير كافة معداتهم وقواربهم.

 

وأضاف عياش في تصريحات صحفية، أنه نتيجة لذلك "يمارس 200 صياد فقط من إجمالي الصيادين عملهم رغم المخاطر" مشيراً إلى أن خسائر الصيادين قُدّرت بـ 60 مليون دولار، علما بأن الصيد ثاني أهم مهنة في القطاع بعد الزراعة.

 

ولفت إلى أن شاطئ رفح شهد تدمير قوات الاحتلال مراكب الصيادين الكبيرة والصغيرة، بالإضافة إلى حرق معدات الصيد في المنطقة الوسطى من القطاع، كما دمرت إسرائيل ميناء غزة بالكامل، فضلا عن غرف الصيادين بالميناء، في حين حولت مقرات نقابة الصيادين في كل من خان يونس ودير البلح وشمال رفح والمنطقة الوسطى إلى مراكز إيواء للنازحين.

 

وبين نقيب الصيادين أن "هذه المهنة بحاجة إلى إعادة تأهيل شامل للصيادين للعودة إلى العمل. كما أثرت الحرب على التجار وبائعي الشباك ومعدات الصيد وصانعي المراكب وأماكن صيانتها، مما زاد من تأزم الوضع الاقتصادي في غزة".

 

مجازر يومية

وقال عياش إن صيادي غزة يواجهون مخاطر يومية صباحا ومساء، إذ تطلق قوات الاحتلال النار عليهم بمجرد ابتعادهم مسافة 300 متر فقط عن شواطئ القطاع، مشيرا إلى أن الاحتلال يمنع الصيادين من ارتياد البحر منذ بداية الحرب عقب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو "ما يدفعهم للمغامرة بأرواحهم لتأمين قوت يومهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار".

 

وينبه نقيب الصيادين في غزة إلى أن المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل بحق الصيادين لا تحظى بتغطية إعلامية كافية، إذ يركز الإعلام غالبا على الأحداث التي تخلف أعدادا أكبر من الشهداء والجرحى، مشيراً إلى أن هناك شهيدا أو جريحا يوميا في صفوف الصيادين جراء الاستهداف المتواصل لهم.

 

ودعا عياش الجهات الحقوقية للعمل على حماية قطاع الصيد في غزة من الانتهاكات المستمرة بحقه ووقف الاحتلال الإسرائيلي عن ملاحقة الصيادين في لقمة عيشهم، والحفاظ على السلة الغذائية السمكية.

 

ويفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً مشدداً على سواحل قطاع غزة البحرية منذ منتصف عام 2007، قلّص على إثرها مساحة الصيد تبعاً لتوتر الأحداث مع الجانب الفلسطيني في القطاع من 12 ميلاً إلى 9 أميال، وقبل سنوات قليلة خفض مساحة الصيد أمام الصيادين إلى 6 أميال فقط.

 

وبعد أحداث السابع من أكتوبر اكتفى الاحتلال بترك الصيادين يصطادون ضمن مساحة لا تتجاوز الميل الواحد، فارضاً سيطرته الكاملة على الساحل البحري ضمن منطقتَي غزة وشمالها، وجنوبها جزئياً، مما أسهم في الحدّ من حركة الصيد وكميات الأسماك وأنواعها في الأسواق الغزية، ليحرمهم من أحد أهم مواردهم الغذائية، في أسلوب ممنهج ضمن مسلسل التجويع الذي يتبعه في حربه ضد غزة، لكنهم يصرّون على بيعها في الأسماك ولو بكميات قليلة في محاولة لتوفير أدنى مستلزماتهم اليومية.

التعليقات : 0

إضافة تعليق