مع قُربِ دخولِ الاتفاقِ حيِّزَ التنفيذ

"الحنينُ إلى الدِّيار".. أحلامُ وأمنياتُ النازحينَ تنتظرُ نهايةً سعيدة

تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطّاب:

في منطقة (البصّة) بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وداخل خيمة مصنوعة من "النايلون والقماش"، تنهمك النازحة أمّ مالك اشتيوي وأبناؤها في تحضير حقائبهم وحزمِ أمتعتهم؛ استعداداً للانطلاق إلى حيّ الزيتون حيث السكن الأصليّ، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيِّزَ التنفيذ وتحديد موعد السماح للنازحين بالعودة إلى شمال القطاع.

 

فالحنينُ والاشتياقُ إلى الديار لم ينطفئْ لحظة واحدة داخل قلب" أمّ مالك"، التي كانت تترقّب وتتأرجح بين الأمل واليأس في كلِّ جولة مفاوضات يتمّ الإعلان عنها منذ بدأت حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر عام 2023م.

 

وكان أعلنَ رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء أمس الأربعاء، التوصُّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، على أن يسري يوم الأحد المقبل.

 

وقال الوزير القطري في مؤتمرٍ صحفي: "مع موافقة جانبَي التفاوض -حماس والاحتلال الإسرائيلي- يتواصل العمل على استكمال الجوانب التنفيذية".

 

وعمّت أجواءٌ من الفرحة والسعادة الغامرة جموعَ المواطنين الغزيّين الذين خرجوا إلى الشوارع والأزقة، محتفلين باتفاق وقف إطلاق النار الذي سيُعبِّد الطريق لإنهاء الحرب وانسحاب الاحتلال وبدْءِ إعادة إعمار قطاع غزة وفتح المعابر؛ لدخول المساعدات والسماح بخروج الجرحى للعلاج في الخارج.

لوعةُ الانتظار

"هذه اللحظات لا تُحسَب بالساعات، بل بنبضاتِ القلب"، هكذا وصفت "أمّ مالك" حالتها في انتظار ودخول الاتفاق حيِّزَ التنفيذ والسماح للنازحين بالعودة إلى شمال القطاع، حسب ما ينصّ عليه الاتفاق في الدوحة.

 

وتقول أمّ مالك لـ"الاستقلال": "لقد أنهكتْنَا الحرب ونحن نحلم بالعودة إلى منازلنا والاجتماع بأهلنا وأحبابنا واستعادة حياتنا الطبيعية".

 

ورغم يقين "أمّ مالك" وإدراكها أن منزلها في حيّ الزيتون شرق مدينة غزة، وتحديداً بمنطقة محور "نتساريم" قد أصبح رماداً، إلّا أنها تُصِرُّ على العودة إليه، وتنتظر تلك اللحظة على أحرِّ من الجمر.

 

وتُضيف بحسرة: "كان لي منزلٌ وحياةٌ جميلة في حيّ الزيتون، لكن للأسف بسبب الحرب اللعينة خسرت كلّ شيء، بيتي تدمّر بشكل كامل، واستُشهِدَ كثيرٌ من أهلي وأحبابي وجيراني، لكنني على يقين أن الله لن يُضيِّعَ صبرنا وسيعوِّضنا بالأفضل، إمّا بالدنيا أو الآخرة".

 

وتتابع: "نحن الآن نجهِّز أنفسنا للانطلاق والعودة إلى شمال القطاع، صحيح بيتنا تدمَّر، لكن ما عندنا مشكلة ننصُب خيمتنا تاني على الرُّكام ونعيش فيها"، مستدركة: "عشنا بالخيمة أكثر من سنة بالمطر والشوب وبكلّ شيء سيّء فيها، وحناخذها معنا ونعيش فيها مؤقتاً في مدينة غزة لغاية ما نعمِّر ونبني من جديد".

 

 وأُجبِرَت أمّ مالك للنزوح مع عائلتها -المكوّنة من تسعة أفراد- من منزلها الواقع بالقُرب من دوّار الكويت في حيّ الزيتون إلى جنوب قطاع غزة، منذ بداية حرب الإبادة الاسرائيلية في السابع من أكتوبر عام 2023م، بعدما أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء المنطقة والتوجُّه إلى جنوب وادي غزة، واستهدف منزلها ومنازل المواطنين بالقذائف العشوائية.

 

ومنذ ذلك الوقت، تحلم "أمّ مالك" بالرجوع إلى شمال القطاع، ليس من أجل العودة للبيت المدمَّر فقط، بل من أجل لَمِّ شمْلِ العائلات التي تشتّتت بفعل الحرب المتواصلة للشهر الخامس عشر على التوالي، مُضيفةً: "كلّ الخوف والقتل والمعاناة والجوع والنزوح، وكلّ ما عشناه بالحرب يهون مُقابل العودة إلى أهلنا وأحبابنا بالشمال".

بريقُ الأمَل

ومنذ اللحظة الأولى التي نزحَتْ فيها المواطنة "أمّ عبيدة زيارة" إلى جنوب قطاع غزة، كان حلم العودة إلى مسقط رأسها بحيِّ الشجاعية يبدو كـ"سراب" يبتعد مع كلّ يوم يمضي، لكن نجاح المفاوضات والإعلان عن الاتفاق، منحها أملاً كبيراً بأن العودة ممكنة، بل أقرب ممّا تظن.

 

وتقول أمّ عبيدة لـ"الاستقلال": "في بداية الحرب، نزحت مع أطفالي الأربعة لمنزل أحد الأقارب في النصيرات وسط القطاع، وبقي زوجي في غزة لوحده، وأتمنى بفارغ الصبر أن تتوقّف ونعود لبيتنا وحياتنا"، مضيفة: "قلنا يومين وبنرجع، وللأسف لم نكُن نعلم أن الأيام ستمتد لعامٍ ونصف".

 

وتتابع بحسرة وألم: "اشتقت لبيتي وعائلتي، اشتقت لشوارع الشجاعية وحاراتها، فهي جنة الله على الأرض، تمنّيت الموت قبل نزوحي منها، وما زلتُ أموتُ شوقاً إليها".

 

وأوضحت أن الإعلان عن توقيع الاتفاق ودخوله حيِّزَ التنفيذ، الأحد القادم، وتفكيك قوات الاحتلال الإسرائيلي عدداً من المواقع داخل محور "نتساريم" الفاصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، يُشكِّل بريق أمل، وأن العودة لغزة اقتربت، وأنها صارت حلماً قريب المنال.

 

"عناقُ الأحبّة والدهشة في عيون الأهالي حين يلمحون وجوه أبنائهم بعد غياب طويل، والدموع التي تخبر قصصاً تفوق الكلمات"، مشاهدُ ترسمها "أمّ عبيدة" في مُخيّلتها كُلّ ليلةٍ للحظةِ اللّقاء والعودة إلى الديار، وفق قولها.

 

وتُضيف: "ربما لن تكون الطريقة التي سنعود بها وفقاً لتوقعاتنا، لكنّها ستأتي حتماً كما جاءت من قبل للّبنانيّين الذين عادوا لقراهم وبلداتهم بعد سريَان التهدئة بين حزب الله وإسرائيل".

"رجّعُوني على غزة"

ولا يختلف حالُ المواطن "أبو رامي السويركي" كثيراً عن غيره من النازحين جنوب القطاع، فالأُمنيات ذاتها تخرج من قلوبٍ اكتوَت بنيران الفراق والنزوح، قبل أفواههم، ولسان حاله يكتفي بقول: "رجّعُوني على غزة".

 

ويقول السويركي لـ"الاستقلال": إنّ "الاشتياق زادَ للأهل والأبناء والجيران بشكلٍ كبير رَغم استمرار الحرب"، لافتاً إلى أنه يتلهّف لسماع خبر انتهاء الحرب؛ ليعود إلى بيته المدمَّر بمنطقة الشعف شرق القطاع، ويحتضن أبناءَهُ ويشفي قلبه من لوعة الاشتياق لهم.

 

وأوضح أنّه على الرغم من القتل والدمار الذي خلّفته الحرب، تظل آمالُ النازحين مُعلَّقة على إنهاء الحرب؛ لتكون بداية نهاية لمعاناةٍ طالَ أمدُها في غزة، مُتمنّياً أن تعود غزة إلى سابقِ عهدها.

التعليقات : 0

إضافة تعليق