محلِّلان لـ"الاستقلال": عملية "السُور الحديديّ" غطاءٌ للفشلِ الإسرائيليّ بغزة ومطامعُ بضمِّ الضفة

محلِّلان لـ
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
يرى مختصّان بالشأن السياسي أنّ عمليه "السُور الحديدي" التي أطلقتها حكومة الاحتلال في مُخيم جنين، تأتي ضمن مخطَّط إسرائيلي؛ لإعادة تشكيل المشهد في الضفة الغربية بدعم من الإدارة الأمريكية الجديدة.
وأكّد المختصّان في أحاديث منفصلة لـ" الاستقلال"، أنّ العملية التي جاءت بالتزامُن مع وقف إطلاق النار في غزة وتنصيب الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب لولايةٍ ثانية، أظهرَت نقلَ الثِقَل العسكري والسياسي الإسرائيلي إلى الضفة الغربية؛ لإعادة ترتيب الأوضاع جغرافياً في الضفة الغربية.
وتستمر العملية العسكرية الإسرائيلية على مخيم جنين، لليوم الثاني على التوالي، مُخلِّفة 10 شهداء وعشرات الجرحى، مع عمليات تدمير للشوارع والبُنَى التحتية في المدينة ومحيط المخيم الواقع بقلبها.
وبدوره، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، أنّ الهدف وراء عملية "الجدار الحديدي" العسكرية هو "استئصال الإرهاب"، وجاء ذلك في بيانٍ رسميّ أكّد فيه أنّ العملية تهدف إلى تعزيز الأمن وحماية المستوطنين الإسرائيليين.
ووصف نتنياهو العملية بأنّها "واسعة وذات أهمية"، مشيراً إلى أنّ قوات الأمن الإسرائيلية بدأت تنفيذها اليوم في جنين.
كذلك، أكّد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أنّ عملية "الجدار الحديدي" ستكون حملة قوية ومتواصلة ضدّ "عناصر الإرهاب"؛ بهدف حماية المستوطنين وأمن "إسرائيل"، وأضاف سموتريتش أنّ العملية تأتي ضمن تغيّير مفهوم الأمن في الضفة الغربية، بعد التطورات في غزة ولبنان، بهدف "القضاء على الإرهاب في المنطقة ككُلّ".
وتأتي هذه العملية في إطار تصعيد عسكري إسرائيلي متواصل في الضفة الغربية، خاصة في مناطق شمالها مثل جنين، التي تشهد توترات متكرّرة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال. وقد شهدت المنطقة في الأشهر الأخيرة عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة؛ أدّت إلى استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين.
إعلانُ حرب
يرى المحلِّل والكاتب السياسي عدنان الصباح، أنّ عملية السور الحديدي في جنين تمثّل إعلانَ حرب حقيقية على الضفة الغربية، عَقبَ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة، مؤكِّداً أنّ العملية تحمل في طيّاتها أهدافاً عدّة.
وأوضح الصباح خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أنّ العملية العسكرية في جنين تأتي للتغطية على الفشل والهزيمة التي لحقت بالحكومة الإسرائيلية المُتطرّفة وجيشها في غزة.
وقال: "إنّه على مدار 15 شهراً من الإبادة والقتل والتشريد والتجويع والدمار، لم يتمكّن جيش الاحتلال وحكومته من إلحاق الهزيمة بالمقاومة في غزة والقضاء عليها، بل أعادَ الحال لِمَا كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023، ممّا أثار الخلافات الداخلية بالشارع الإسرائيلي واليمين المتطرّف؛ لعدم تحقيق أهداف الحرب".
وأضاف أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يُحاول من خلال عملية جنين إيصال رسالة للشارع الإسرائيلي والعالم مفادها أنّ: "الحرب لم تنتهِ لذلك لم تُحقِّق أهدافها، وأنّ الصهيونية الحقيقة تكمن في الضفة الغربية، وتهويدها من أهمّ الأهداف للعقلية الصهيونية".
كما يسعى نتنياهو إلى إرضاء اليمين المُتطرف في إحكام السيطرة على الضفة الغربية، وإفشال أيّة محاولة لإقامة دولة فلسطينية، خاصة في ظل تنصيب ترامب على الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وإعلان رغبته بخدمة مصالح الحركة الصهيونية، والمُشجِّع لمثل هذه الأفكار، بدليل ما يُسمَّى بـ"صفقة القرن" التي أعلن عنها سابقاً، وفق الصباح.
وبيّن أنّ الهدف الأعمق للعملية هو محوُ مخيم جنين ودفْع سكّانه إلى النزوح نحو المدينة، في إطار خطة إسرائيلية للضمّ والتوسع في الضفة الغربية على حساب المخيمات الفلسطينية.

وتوقع الصباح أن تتوسع عملية "السور الحديدي" لتشمل مختلف مناطق الضفة الغربية؛ بهدف منع تمدُّد وتصاعُد المقاومة، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة بالمطلق، بالإضافة إلى تقسيمها وجعلها منفصلة لا علاقة لها ببعض؛ تمهيداً لمحاولات إلغاء القضية الفلسطينية.
ونوّه الى أن حركة التنقل بين مدن الضفة أصبح أمراً شبه مستحيل، فقبل توقيع الصفقة الهزيلة للاحتلال مع غزة كان عدد الحواجز الإسرائيلية والبوابات الحديدية 760 حاجزاً، فيما بلغ اليوم عددها 880 حاجزاً؛ وذلك لإحكام السيطرة على الضفة وتقسيمها.
وشدّد على أن إفشال أهداف ومطامع حكومة الاحتلال مرهون بمقاومة وصمود أبناء شعبنا بالضفة الغربية، مستدركاً: "صحيح أنّ الضفة لا تمتلك الإمكانيات العسكرية التي تمتلكها المقاومة بغزة، لكن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى القتال حتى الرمق الأخير".
اعتباراتٌ سياسيّة
وبدوره قال المختص بالشأن السياسي عصمت منصور، أنّ العملية العسكرية في جنين تأتي لاعتبارات سياسية داخلية وعسكرية تُمهِّد الأرضية لمشاريع بعيدة المدى لها علاقة بضمّ الضفة الغربية.
وقال منصور خلال حديثه لـ"الاستقلال": "إنّ العمليات العسكرية في جنين ليست حديثة، لكن توقيتها المرتبط بوقف القتال بغزة، يعكس رؤية إسرائيلية مدعومة من الإدارة الأمريكية الجديدة برفض فكرة الدولة الفلسطينية والعمل على توسيع حدود إسرائيل على حساب الأراضي الفلسطينية بالضفة".
وأضاف: "إنّ ملف الضفة الغربية يمثل التحديَ الأخطر في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن مخطّط التوسّع الإسرائيلي يتمّ عبر خطوات مثل: توسيع الاستيطان أو ضمّ أجزاء من غور الأردن، وهو ما يعكس تغيراً جذرياً في السياسة الإسرائيلية تجاه الضفة".
وأوضح أنّ أهداف العملية المعلَنَة ليس لها علاقة بالأهداف الفعلية، والتي تتمثل بخنق الضفة وتقطيع أوصالها وإحكام السيطرة عليها؛ تمهيداً لفترة حكم دونالد ترامب.

وبيّن أنّ "إسرائيل" ترى في فترة ترامب فرصة مواتية لتنفيذ مخططاتها الكبرى، مثل: ضمّ غور الأردن وتقويض الهُويّة الوطنية الفلسطينية.
كما يهدف نتنياهو من وراء عملية "السُور الحديدي" إلى إبقاء حالة الحرب مُشتعِلَة؛ للهروب من المساءلَة القانونية والتحقيق في قضايا الفساد وخيانة الأمانة الموجّهة ضدّه، وفقَ منصور.

التعليقات : 0

إضافة تعليق