كيف أمضَى الغزيّونَ ليلَتَهم الأولى بعدَ وقفِ إطلاقِ النّار؟

كيف أمضَى الغزيّونَ ليلَتَهم الأولى بعدَ وقفِ إطلاقِ النّار؟
تقارير وحوارات

غزة/ إيناس الزرد:
بعد أيامٍ وليالٍ ثقيلة عاشها الغزيّون على وقْعِ صوت الانفجارات وأزيز الطائرات والموت المحقّق، جاء وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي؛ ليكونَ فرصة جديدة للقلوب المُتعَبَة كي تستريح، وللعيون التي سهرت طويلاً لتغفو على وسادتها براحةٍ وهدوء، ولتسكنَ الطمأنينة الأرواح، وتكون فرصة لالتقاط الأنفاس، ومنحهم شعوراً بأنّ الحياة بدأت من جديد، دون خوفٍ أو قلقٍ شديد.
كنسمةِ هواءٍ باردة تسلّلت إلى الروح قبل الجسد لتنعشه، عاش المواطن محمود الزرد من شمال قطاع غزة ليلة هادئة مطمئِنة دون خوفٍ أو قلق بعد دخول الاتفاق حيِّزَ التنفيذ، فمنذ 470 يوماً افتقد فيها الهدوءَ والطمأنينة، بعدما كانت السماء تعُجّ بصوت الطائرات والمدافع وآهات الثكالى وأنين الجرحى، بسبب حرب شرسة شنّتها "إسرائيل" بحقّ المدنيين العزّل.
وعبّر الزرد لـ"الاستقلال" عن فرحته بعدما نام ليلته الأولى فور دخول الهدنة حيِّزَ التنفيذ، بهدوء وطمأنينة دون خوفٍ على أسرته التي كانت لا تعرف معنى النوم والراحة الحقيقية وبدون صراخ، فوقف الحرب كانت أُمنيةً طال انتظارها؛ ليسود الصمتُ بعدما كانت الأيّام والليالي تعجُّ بالألم والصراخ.
وأضاف الزرد، إنّه كان يُمضي الليالي بجانب أطفاله، يحرسهم ويحاول أن يبدِّدَ خوفَهم ويبقى بجانبهم دون نومٍ عميق؛ لحمايتهم والتخفيف من مخاوفهم، بسبب القصف المستمرّ وحالة الرعب التي كانوا يعيشونها، موضِحاً أنّ الهدنة جاءت لـ"تُطبطِبَ" على روحه المُتعبَة، وتريح فكره، وتبدِّل خوفه إلى طمأنينة وراحة بال.
وفي إحدى مراكز الإيواء التي لم تعُدْ تشهد تسابُقاً للنزوح ليلاً؛ هرباً من القصف وبحثاً عن أماكنَ آمنةٍ في ظلّ توغل قوات الاحتلال المفاجِئ خلال العمليات البرية، عادت السَكِينَة والطمأنينة لتسكنَ قلب المواطنة النازحة "هبة الراعي" بعدما نامت ليلتها الأولى دون خوفٍ وبعمقٍ تام، فهي لم تنَمْ مجرّد ليلة هادئة، إنّما عاشت حلماً طال انتظاره بعد صبرٍ ومعاناةِ أيامٍ وليالٍ طويلة وصعبة عاشتها خلال الحرب.
بعد اليوم الأول من الهدنة، استيقظ المخيم على صوت ضحكات أطفال "الراعي" وضجيج لعبهم دون خوفٍ من القصف والموت والدمار، تقول لـ"الاستقلال": "الحرب دمّرت نفسية الصغار والكبار معاً، أحاول قدرَ الإمكان أنْ أخفِّفَ عن أطفالي، وأحاول أنْ أمسحَ من ذاكرتهم بعضاً ممّا عانوه، بعدما ضاعت طفولتهم وأهدافهم ومستقبلهم، وحُرِموا من أبسط حقوقهم في التعليم واللعب وحياة كريمة تتوفر فيها أبسط احتياجاتهم من مأكلٍ ومَلبَسٍ نظيفٍ ومسكنٍ يليق بآدميتهم.
وأوضحت أنّ فرحتهم بعودة الهدوء منقوصة، إلّا أنّها ثمينة، فمن خلالها توقف شلّالُ الدم والقصف والتدمير والنزوح، وكانت البداية لوقف المعاناة والخروج والتنقّل بحُريّة دون قلق، وممارسة طقوس حياتهم اليومية والصعبة دون رعب، مبينة أنّ الهدوء والعَيْش بطمأنينة أمنية صعبة طال انتظارها، لكن مشيئة الله تغلب كلَّ شيء، حتى باتت تنام وتحتضن أطفالها بأمنٍ وسلام.
نافذةُ أمَل
تجلس الحاجَّة "أمّ أنس" على كرسيِّها في زاوية منزلها المدمَّر تحمل مسبحتها، تنتظر خبراً عن ابنها الذي أُسِرَ خلال العمليات البرية في قطاع غزة، فدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيِّزَ التنفيذ كان بمثابة انتظارها للحياة، ونافذة أملها نحو لقاءٍ طال انتظاره منذ عام، ومعرفة أخباره.
تقول "أمّ أنس" وهي تمسح دموعها عن وجنتيها لـ"الاستقلال": "منذ اليوم الأول للهدنة، نمنا بعمقٍ لأنّنا على يقين بأنّ ابني سيخرج من الأَسْرِ وتكتمل فرحتنا بوقف شلّال الدم والقتل والتدمير"، موضحةً أنّها أصبحت تشعر بقُرب الأمل، كما أنّ انتهت الحرب، وشملها بابنها يلتئم قريباً وستضمّه إلى قلبها المضطرب، وسيبعث بروحه الأمل الذي لم يختفِ رَغمَ صعوبة الأمر".
وأضافت: "منذ شهورٍ طويلة وأنا أنتظر الهدنة، فبعزيمتنا سنبني ما دمّره الاحتلال، وستعود بيوتنا وأعمالنا أفضل ممّا كانت عليه، نحن شعب يحبّ الحياة، ولا مجال لانكسارنا رَغمَ كلّ ما عانيناه من قتلٍ وتدميرٍ ونزوحٍ متكرِّر من مكانٍ لآخر".
وكان اتفاق "وقف إطلاق النار" بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية قد دخلَ حيِّزَ التنفيذ في قطاع غزة، يوم الأحد 19/ يناير 2025، الساعة 11:15 صباحاً بالتوقيت المحليّ، حيث جاء هذا الاتفاق بعد 15 شهراً من القتل الذي خلّفَ عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين تحت الأنقاض.

التعليقات : 0

إضافة تعليق