غزة / معتز شاهين:
وسط تسارع التحركات السياسية وتزايد التهديدات العسكرية الاسرائلية على قطاع غزة، يثير المقترح الأميركي الأخير بشأن التهدئة جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، خاصة مع اقتراب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة. وبينما تصفه واشنطن بمبادرة إنسانية، يُنظر إليه على أنه محاولة لتلميع الصورة الأميركية دون تقديم حلول حقيقية لإنهاء الحرب.
ويُعد المقترح الأميركي، وفقاً لما يراه مراقبون، مجرد هدنة مؤقتة تصب في مصلحة الاحتلال، وتمنحه فرصة لإعادة تموضعه ميدانياً. كما يُنظر إليه كغطاء محتمل لخطط إسرائيلية توسعية يُتوقع تنفيذها عقب زيارة ترامب، تشمل تهجيراً واسعاً لسكان غزة نحو الجنوب.
وتوقّع هؤلاء، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، أن يلقى المقترح الأميركي قبولاً من الاحتلال، لكونه لا يُلزم حكومة نتنياهو بوقف دائم للحرب، في حين قد تضطر حركة حماس لقبوله تحت ضغط الوساطة المصرية، بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، قبل استئناف القتال لاحقاً.
وتلقت القاهرة مؤخراً مقترحاً أميركياً لإحياء جهود الوساطة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في قطاع غزة، قبيل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة الأسبوع المقبل، وفق ما نقلته صحيفة "العربي الجديد" عن مصدر مصري (لم تسمه)، يوم الثلاثاء الماضي .
وذكر المصدر أن المقترح الأميركي يهدف إلى إرساء "عتبة" تفاوضية تمهّد لتحريك المسار السياسي وإنهاء الحرب في غزة، عبر اتفاق هدنة يبدأ تنفيذها قبل زيارة ترامب المقررة إلى المنطقة بين 13 و15 مايو/أيار الجاري، حيث يزور السعودية وقطر والإمارات.
وأكد المصدر إجراء اتصالات على مستوى رفيع بين القاهرة وكل من واشنطن و(تل أبيب)، لبحث سبل تجاوز العقبات الإسرائيلية أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتحريك الملف الإنساني العالق منذ أسابيع، علماً بأن "إسرائيل" تمنع دخول المساعدات منذ مطلع آذار/مارس الماضي.
ويأتي المقترح الأميركي بعد يومين من مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) برئاسة نتنياهو على خطة لتوسيع تدريجي للعدوان على قطاع غزة، مع آلية جديدة لإيصال المساعدات. ورجّحت تقارير إسرائيلية أن تبدأ العملية بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، فيما أصدر جيش الاحتلال أوامر استدعاء لعشرات الآلاف من جنود الاحتياط استعداداً لتوسيع الحرب.
مقترح بلا حلول
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي د. عدنان الأفندي أن المقترح الأميركي الأخير بشأن التهدئة في قطاع غزة يندرج ضمن تحركات سياسية تهدف إلى تحسين صورة واشنطن قبل زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السعودية، أكثر من كونه محاولة جادة لوقف الحرب.
وأوضح الأفندي لـ"الاستقلال"، أمس الأربعاء، أن المقترح يشمل فتح ممرات إنسانية لإدخال مساعدات إلى القطاع، مقابل إطلاق عدد محدود من الرهائن، أبرزهم عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأميركية، إلى جانب تقديم معلومات دقيقة حول بقية الاسرى لدى المقاومة ، وضمان توفير احتياجاتهم من الغذاء والدواء.
وأشار إلى أن الخطة تتضمن إشراك شركة خاصة مملوكة لرجل أعمال فلسطيني أميركي، مرشّح لتولي إدارة الشأن المجتمعي في غزة، ما يضفي على المبادرة طابعاً غير تقليدي مقارنة بالمبادرات السابقة.
وبيّن د. الأفندي أن تزامن هذا المقترح مع التصريحات المصرية والقطرية التي تؤكد استمرار جهود الوساطة، يشير إلى تنسيق إقليمي واسع، لكنه شدد على أن فرص نجاح المبادرة تبقى ضعيفة بسبب "تعنّت حكومة اليمين المتطرف في " إسرائيل"، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، الذي أفشل سابقاً كل المبادرات حفاظاً على بقائه السياسي".
وحذّر في الوقت ذاته من أن " اسرائيل" تستعد لتوسيع عملياتها في قطاع غزة بعد زيارة ترامب، في إطار خطة تشمل استدعاء ما يصل إلى 60 ألف جندي، حسب تقارير إعلامية إسرائيلية، مشيراً إلى أن السيناريو المرجّح يتمثل في "احتلال كامل للقطاع، وتجميع سكانه في الجنوب، وربط حصولهم على المساعدات الإنسانية بالتوجه جنوباً".
وأشار إلى أن السعودية قد تسعى للعب دور في التهدئة والضغط لوقف الحرب، لكن "الواقع يشير إلى أن حكومة نتنياهو لا تعير لمثل هذه الضغوط أي اهتمام، خاصة في ظل إصرارها العلني على مواصلة الحرب حتى القضاء على المقاومة".
تهدئة شكلية
من جهتها، اعتبرت المحلل السياسي ريهام عودة أن المقترح الأميركي الأخير لإحياء جهود الوساطة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي لا يحمل جديداً على مستوى إنهاء الحرب، بل يندرج تحت إطار "هدنة إنسانية مؤقتة" تركز على إدخال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، وتبادل محدود للأسرى، دون أن يتضمن جدولاً زمنياً واضحاً لإنهاء الحرب أو انسحاب جيش الاحتلال من القطاع.
وقالت عودة لـ"الاستقلال"، أمس الأربعاء، إن المقترح الأميركي قد يلقى قبولاً من إسرائيل لعدم إلزامه بوقف الحرب، فيما قد تقبله حركة حماس تحت ضغط مصري لتخفيف المعاناة الإنسانية، مع احتمال استئناف القتال لاحقاً.
وفي ما يتعلق بالدور السعودي، أشارت عودة إلى أن الرياض قد تمارس ضغوطاً محدودة من أجل إدخال المساعدات الإنسانية لغزة، لكنها لن تتمكن من دفع "إسرائيل" إلى وقف الحرب، مرجّحةً في الوقت ذاته أن يستجيب نتنياهو للمبادرات العربية المتعلقة بالجوانب الإنسانية، خاصة في ظل خططه لإنشاء "منطقة إنسانية" تُوزّع فيها المساعدات عبر شركات أمنية.
وحذّرت أيضاً من أن تهديدات "إسرائيل" بتوسيع العمليات العسكرية في حال فشل التوصل إلى اتفاق "ليست مجرد تصريحات سياسية"، بل تعكس نية جدية لتنفيذ عمليات قد تصل إلى "احتلال شبه كامل لقطاع غزة". وأوضحت أن هذا السيناريو يشمل السيطرة على مناطق استراتيجية والتحكم في حركة السكان، دون التدخل المباشر في شؤونهم المدنية.
وأكدت أن أي محاولة إسرائيلية للبقاء داخل غزة ستواجه مقاومة شرسة، من شأنها أن تكبّد جيش الاحتلال خسائر بشرية كبيرة، وهو ما قد يدفع في نهاية المطاف إلى تسليم القطاع لقوات دولية أو عربية، من أجل احتواء الفوضى الأمنية وتأمين انسحاب الجيش بشكل آمن.
التعليقات : 0