محللان لـ "الاستقلال": مجلس الأمن يوثّق الجرائم ولا يردع الإبادة الإسرائيلية في غزة

محللان لـ
تقارير وحوارات


غزة / معتز شاهين:
يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة وسط غياب أي تدخل فعّال من المجتمع الدولي. وقد جاءت جلسة مجلس الأمن الأخيرة لتكرّر الوعود والبيانات المعتادة دون أن تُحدث تغييرًا يُذكر، في وقت يواجه فيه الشعب الفلسطيني آلة الحرب الإسرائيلية بلا حماية أو تحرك دولي جاد.
ورغم الجهود الأممية المتواصلة، لا تزال الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم، في مشهد يجسّد عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات حاسمة لوقف حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل. هذا العجز، بحسب العديد من المحللين السياسيين، بدا جليًا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة.
وأجمع هؤلاء المحللون، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال" أمس الأربعاء، على أن الجهود الأممية، بما فيها بيانات الأمم المتحدة وتصريحاتها السياسية، لا تتجاوز كونها نداءات استغاثة، تفتقر إلى السلطة التنفيذية أو القدرة على فرض احترام حقوق الإنسان على الاحتلال.
وعقد مجلس الأمن الدولي، مساء الثلاثاء، اجتماعًا وزاريًا لبحث الأوضاع في الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، برئاسة وزير خارجية فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية للمجلس، وبمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وفي كلمته خلال الاجتماع، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء الوضع في قطاع غزة، محذرًا من أن حل الدولتين يقترب من "نقطة اللاعودة". كما أدان تصريحات بعض المسؤولين في حكومة الاحتلال بشأن استخدام المساعدات الإنسانية كأداة للضغط العسكري، مشددًا على أن "المساعدات الإنسانية غير قابلة للتفاوض".
وتتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في إغلاق جميع المعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والأدوية منذ فترة طويلة.
وأكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، أن قطاع غزة دخل مرحلة متقدمة من المجاعة، محذرًا من أن معظم التكايا مهددة بالإغلاق خلال أسبوع بسبب نفاد المواد الغذائية.
وأوضح الشوا أن غزة تمر بـ"أسوأ مراحل العدوان الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أن نصف السكان لا يحصلون على طعام، وأن حصة الفرد لا تتعدى رغيفًا واحدًا يوميًا، وسط نقص حاد في المياه والدواء.
عجز دولي
ويرى الباحث اليمني في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، د. صريح القاز، أن جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة لم ترقَ إلى مستوى المجازر الجارية في القطاع، مشيرًا إلى أن المجلس فقد دوره كمرجعية أخلاقية وقانونية، وتحول إلى منصة لتمرير الصفقات وخدمة التوازنات الدولية.
وقال القاز، في حديثه لـ"الاستقلال"، أمس الأربعاء، إن الفشل المتكرر لاجتماعات مجلس الأمن في تحقيق نتائج ملموسة للقضية الفلسطينية ليس ظاهرة طارئة، بل يعكس خللًا بنيويًا عميقًا في النظام الدولي، موضحًا أن الفيتو الأميركي يمثل الأداة المركزية التي تُجهَض بها كل محاولات المحاسبة الدولية للاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف: "لقد أخفق مجلس الأمن عشرات المرات في إيقاف جرائم الاحتلال، بسبب الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، الذي يحول دون صدور أي قرار حقيقي قد يردعها أو يدينها".
وأشار القاز إلى أن إسرائيل لم تلتزم بأي من قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1948، متجاهلة الشروط الأممية للاعتراف بها، وعلى رأسها قرارات التقسيم وعودة اللاجئين، واستمرت في مشروعها الاستيطاني دون رادع.
أما بشأن غياب التحرك العربي الجاد لفك الحصار عن غزة، فقد أرجع القاز السبب إلى أزمة هوية عميقة وتراجع النزعة القومية لدى الأنظمة العربية، التي وصفها بأنها باتت أسيرة صراعات داخلية ضيقة، نتيجة الاستراتيجيات (الإسرائيلية – الأميركية) في المنطقة.
وأردف: "أولويات الأنظمة العربية اليوم تحوّلت إلى خلافات ثانوية ونزاعات داخلية ضيقة، ما أضعف الثقة بينها، ودفع العديد منها نحو التبعية بدلًا من الحفاظ على استقلال قرارها السياسي."
وتابع الباحث اليمني: "التحرر من هذا المسار التابع يتطلب مشروعًا عربيًا جديدًا يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، ويكسر حالة الجمود الدولي، لا سيما في ظل تصاعد الجرائم الإسرائيلية وتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة".
جلسات رمزية
من جهتها، اعتبرت المحللة السياسية ريهام عودة ،أن اجتماعات مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة لا تمثل أكثر من اجتماعات رمزية، لا تمتلك أي قدرة حقيقية على كبح جماح الاحتلال أو إجباره على وقف حرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، مشيرة إلى أن إسرائيل لا تعير أي اهتمام للقانون الدولي، وتضع مصالحها فوق كل اعتبار قانوني أو إنساني.
وقالت عودة لصحيفة "الاستقلال"، الأربعاء، إن "الجهود الأممية، بما فيها بيانات الأمم المتحدة وتصريحاتها السياسية، لا تتجاوز كونها نداءات استغاثة، تفتقر إلى السلطة التنفيذية أو القدرة على فرض احترام حقوق الإنسان من قبل الاحتلال"،
وأكدت في الوقت ذاته أن تلك الاجتماعات تكتسب أهمية في توثيق انتهاكات الاحتلال، ما يتيح للفلسطينيين استخدام هذه الوثائق كأدلة في المحافل القضائية الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية.
وأضافت عودة أن التحركات الفعلية لفك الحصار والتوصل إلى تهدئة حقيقية تأتي بشكل رئيسي من دولتين فقط، هما مصر وقطر، حيث تقومان بدور الوسيط النشط بين الاحتلال والمقاومة للتوصل إلى صفقة قد تنهي الحرب.
وأشارت إلى أن تعاطف الدول العربية مع القضية الفلسطينية يبقى شكليًا، إذ تعيقها أزماتها الداخلية عن لعب دور فعّال في وقف العدوان على غزة، بينما تكتفي بعضها بتقديم المساعدات دون أن تمارس ضغوطًا حقيقية على الاحتلال، أو تتبنى مواقف داعمة بشكل مباشر للحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية.
وختمت عودة حديثها بالتأكيد على أن "أهمية اجتماعات مجلس الأمن لا تتجاوز إطار التوثيق، لكنها تظل أداة سياسية وقانونية مهمة للفلسطينيين على المدى الطويل، خاصة في معركة النضال القانوني الدولي ضد الاحتلال الإسرائيلي".

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق