غزة/ دعاء الحطاب:
منذ عقود طويلة تسعي الحكومة الاسرائيلية والإدارة الأمريكية لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين واسقاط حقهم بالعودة إلى أراضيهم المحتلة التي هجروا منها قسراً عام الـ 1948، من خلال تصفية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" وانهاء كافة نشاطاتها، باعتبارها الشاهد الدولي الوحيد على قضية اللاجئين، فتارة تقوم بتقليص مواردها وتجفيف مصادر تموليها لجعلها غير قادرة على تقديم خدماتها، وتارة تحاول الضغط على دول العالم لعدم تفويض ولايتها، وأخرى محاولة إيجاد بديل عنها.
وفي تطور خطير بمسار إنهاء عمل (الأونروا) التدريجي و المتصاعد، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤخراً ، أن (الأونروا) لم تعد تتمتع بالحصانة القضائية التي كانت تحميها سابقًا.
وجاء هذا التصريح في وثيقة قانونية قدمتها وزارة العدل الأمريكية إلى المحكمة الاتحادية في نيويورك، مؤخراً، في إطار قضية رفعها أهالي ضحايا هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويعكس هذا التحول موقف الإدارة الأمريكية المتشدد بشأن الوكالة الأممية، خاصة مع الاتهامات الإسرائيلية المتكررة بمشاركة بعض موظفي الأونروا في الهجوم أو التعاون مع حماس.
ووصف فريق الدفاع القانوني عن الأونروا هذه الاتهامات بأنها “غير جدية”، مؤكدًا أن الوكالة تتمتع بالحصانة القانونية بصفتها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، وهو الموقف الذي تبنته الإدارات الأمريكية السابقة.
هجوم ممنهج
المحلل والكاتب السياسي أحمد رفيق عوض، اعتبر أن قرار وزارة العدل الأمريكية الذي يقضي برفع الحصانة القانونية عن وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، استهدافاً مباشراً لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وأكد عوض خلال حديثه لـ "الاستقلال"، أن القرار الأمريكي يمثل هجوماً ممنهجاً على الأونروا ليس باعتبارها مجرد مؤسسة إنسانية، بل كونها رمز قانوني ومرجعي لقضية اللاجئين وحق العودة، الذي كفلته قرارات الأمم المتحدة.
وبين أن رفع الحصانة يعني عمليا أن الإدارة الأمريكية لم تعد تعترف بالوضع الخاص للأونروا كوكالة أممية مستقلة، بل تعتبرها عقبة أمام مشروعها لتصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين، و انسجاماً مع المطالب الإسرائيلية بتحويل الأونروا إلى فئة صغيرة ضمن الأمم المتحدة، رفع يدها عن الفلسطينيين باعتبارها الشاهد الدولي الوحيد على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
ونوه إلى أن القرار الأمريكي يتلائم مع الموقف الإسرائيلي بحظر عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية، واتهامها بالفساد والإرهاب ومساعدة حركة حماس وفصائل المقاولة بأحداث السابع من اكتوبر.
كما يأتي القرار استكمالاً للضربة المالية التي وجهتها واشنطن عام 2018 بوقف دعمها المالي للأونروا، الذي كان يمثل نحو 30% من ميزانيتها، في محاولة لتجفيف مواردها وشل قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في مناطق الشتات، من تعليم وصحة وغذاء، وصولاً إلى فرض حلول توطينية قسرية وإلغاء صفة "لاجئ" عن ملايين الفلسطينيين. بحسب عوض.
ويري أن رفع الحصانة عن الأونروا قراراً خطيراً سيقود إلى زعزعت المكانة القانونية والسياسية والإنسانية لـ" الأونروا"، ومقدمة لمحاكمتها ومصادرة أموالها، وخطوة لدفع أطراف دولية أخري لرفع الحصانة عنها، بالتالى إذابة وإنهاء عملها ووجود خاصة في ظل التحريض الإسرائيلي المستمر ضدها منذ سنوات.
كما حذر من التداعيات الاستراتيجية الخطيرة المترتبة على حرمان الأونروا من الحصانه، والتي تتمثل بـ" بإعادة صياغة القضية الفلسطينية، وتحويل قضية اللاجئين من قضية وطنية سياسية إلى مجرد أزمة إنسانية، وإزاحة حق العودة عن طاولة المفاوضات وفرض وقائع جديدة تخدم المخطط الإسرائيلي في تصفية القضية الفلسطينية."
سابقة خطيرة
وبدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، د. صلاح عبد العاطي، أن قرار إدارة ترامب برفع الحصانة عن الأونروا، يعد سابقة تاريخية خطيرة تهدف الى مقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية بشكل يتجاوز الحصانة والامتيازات الممنوحة للامم المتحدة ومنظماتها، معتبراً إياه انتهاكاً للقانون الدولي وانحيازاً فجاً للاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وأوضح عبد العاطي خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن القرار يأتي في سياق فرض شريعة الغاب وتجاوز القانون الدولي، وضمن الخطوات الأمريكية بالانسحاب من الاتفاقيات الأجسام الدولية والاعتداء على محكمة الجنايات الدولية، وقطع التمويل عن وكالة الأونروا، بالتزامن مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي لحرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية لليوم 58 علي التوالي.
ونوه إلى أن هذه الهجمة تأتي استكمالاً لحملة الاتهامات الباطلة التي استهدفت الأونروا، بزعم تورط بعض موظفيها في أحداث السابع من أكتوبر واستخدام مرافقها من قبل فصائل المقاومة، وهي ادعاءات ثبت زيفها وفقاً لتحقيقات لجنة أممية مستقلة.
وبين أن الاحتلال استغل هذه الادعاءات لشن أكثر من 453 هجوما عسكرياً علي منشآت الأونروا، مما أدي لقتل وإصابة المئات من النازحين قسرا فيها، وتدمير مئات المراكز التعليمية والصحية التابعة لها كلياً أو جزئياً، وارتكاب مجازر بحق المدنيين داخل هذه المراكز، مشيراً إلى أكثر من 600ألف نازح لجأوا قسراً إلى مراكز الأونروا بحثاً عن مأوي آمن.
وأشار إلى أن الاحتلال يفرض قيود مشددة على عمل المنظمات الإغاثية، بما فيها الخدمات التي تقدمها الأونروا، التي تعتبر أكبر مزود للمساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، تزامناً مع تصاعد خطر المجاعة الذي يهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن نتيجة استمرار إغلاق المعابر منذ اول مارس الماضي، ومنع دخول المساعدات الإنسانية الطارئة وتعليق جميع آليات التنسيق الدولي لإيصال الإغاثة، مما أدى إلى استنزاف المخزون الغذائي لدى المؤسسات الإنسانية وتعطيل أعمالها الحيوية لإنقاذ أرواح المدنيين الذين باتوا يتعرضون للقتل والوفاء جراء القصف والجوع والعطش وانتشار الأمراض والأوبئة.
وحذر عبد العاطي من تصاعد الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية الأمريكية بحق وكالة الأونروا وتعمد شيطنتها وحظر عملها ووقف التمويل عنها، واستهداف العاملين فيها والمنشآت والمدارس والمراكز الصحية الإغاثية التابعة لها بقطاع غزة والاراضي الفلسطينية المحتلة، وعرقلة عملها ضمن مخططات تهدف الي تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وطالب محكمة العدل الدولية بالتصدي لقرارات إسرائيل بحظر وتعطيل عمل وكالة الأونروا، وتجريم الاعتداء علي موظفيها ومقراتها والحكم بتعويض الوكالة، ووقف أي انتهاكات لحصانتها وامتيازتها، اعتبار القرار الأمريكي برفع الحصانة عن "الأونروا" انتهاكاً للقانون الدولي وانحيازاً فجاً للاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.
كما دعا المجتمع الدولي للتحرك العاجل لتطبيق قواعد القانون الدولي ومبادئ العدالة والمواثيق الدولية، ومواجهة الجرائم الإسرائيلية والسياسات الأمريكية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وتثبيت شريعة الغاب .
وناشد المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية وأحرار العالم لتعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني، والتحرك الفوري لإنهاء جرائم الإبادة وضمان تدفق المساعدات الانسانية، ودعم استمرار عمل وكالة الغوث الدولية وتمويلها ودعم باقي الوكالات الإغاثية داخل القطاع بما يساهم في إنقاذ أرواح المدنيين وتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين.
التعليقات : 0