بقلم رئيس التحرير / خالد صادق
تبعات معركة ثأر الاحرار البطولية كانت مفاجئة للاحتلال, وانعكاسها على الكيان الصهيوني كان سلبيا ممثلا بحكومة الصهيونية الدينية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو, «إسرائيل» لا زالت تبحث عن صورة نصر لتسوقها على المغفلين الصهاينة, ويقبل بها المستوطنون المتدينون, الذين دعموا نتنياهو واقاموا له حكومة لم يكن يحلم بها, وبقيت رقبته عالقة على حد السكين الذي تلوح به الصهيونية الدينية في وجه نتنياهو ليل نهار, كي يلتزم بوعوده التي قطعها على نفسه بأن يمكن للصهيونية الدينية من تحقيق أهدافها وغاياتها في القدس بالتهويد الكامل لها, وتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا بما يضمن لهم إقامة الهيكل المزعوم على انقاضه, وإعادة تشريع البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية المحتلة, والموافقة على بناء الاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة, التي لا تخفي الصهيونية الدينية نواياها تجاهها حيث تعتبرها جزءاً من ارض «إسرائيل» وان ارض «يهودا والسامرة» لهم, فيها قبر يوسف وقبة راحيل والحرم الابراهيمي ولا يمكن التخلي عنها, ويجب طرد الفلسطينيين والسلطة منها, وتهجير سكانها من خلال استهدافهم وقتلهم, والاستيلاء على ممتلكاتهم, ولم يجد نتنياهو الذي من المفترض ان يمارس الحنكة السياسية لانجاح سياسة التطبيع مع الدول العربية, وإقامة تحالف في المنطقة تقوده إسرائيل, لمواجهة محور المقاومة الذي تتزعمه ايران, لم يجد من بد للاستجابة للصهيونية الدينية وتلبية رغباتهم خوفا على نفسه وحكومته, فلم يستطع التخلص من العهود التي قطعها على نفسه امام أحزاب الصهيونية الدينية ابان معركته الانتخابية, وهدده ايتمار بن غفير بالانسحاب من حكومته واسقاطها في حال تنصل من التزاماته تجاههم, واضطر نتنياهو للاستجابة له ولرغبات الصهيونية الدينية, ففجر عدوان «السهم الواقي» على غزة, واقر انفاذ مسيرة الاعلام في القدس بكل استفزاز وصلافة, واستجاب لرغبة الصهيونية الدينية بعقد اجتماع للحكومة اسفل باحات المسجد الأقصى في تحدٍ صارخ للعالم العربي والإسلامي برمته, ثم سمح لما يسمى وزير الامن القومي الصهيوني ايتمار بن غفير باقتحام المسجد الأقصى المبارك عنوة.
هذه الاحداث المستفزة وان مرت لحظيا لكن لها تبعاتها, فالقدس تغلي على فوهة بركان, والمقدسيون الذين استطاعوا تفجير انتفاضة البوابات, وفتح مصلى باب الرحمة عنوة لا يمكن ان يصمتوا على استفزازات ابن غفير والصهيونية الدينية باقتحام الاقصى, وعقد اجتماع لحكومة نتنياهو المجرمة اسفل الأقصى, ولن يشفي غليلهم تلك الاستنكارات الرسمية العربية لما حدث في الأقصى, والتي صدرت جلها عن أنظمة تقيم علاقات تطبيعية مباشرة مع «إسرائيل» او الاستنكار والشجب الذي اطلقه الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة, فما يحدث اليوم يتطلب موقفا فلسطينيا موحدا لمواجهة حالة التغول التي جاءت لتسترد صورة نصر مفقودة سلبتها المقاومة الفلسطينية من بين انياب نتنياهو وحكومته, ابن غفير هذا الذي يستعرض قوته امام عدسات الكاميرا وهو يقتحم الأقصى, قبل أيام فقط كان يستجدي المقاومة الفلسطينية بوقف اطلاق الصواريخ تجاه المدن الصهيونية, كي تتوقف «إسرائيل» عن اطلاق الصواريخ على غزة, واستنجد بالوسطاء لإنقاذ «إسرائيل» من مغامرتها هناك, وسموتريتش قال ان المقاومة في غزة خدعتنا, فبينما كنا نفاوض على وقف المعركة كانت تقصف «تل ابيب» وطالب الوسطاء بالتدخل لوقف المعركة, علينا ان ندرك ان الوسيلة الوحيدة التي تجبر الاحتلال على التنازل وتوقف مخططاته العدوانية هي مقاومته, ولو ان صاروخا واحدا اطلق تجاه القدس خلال ما تسمى بمسيرة الاعلام, او خلال اجتماع حكومة الصهيونية الدينية اسفل الأقصى, او خلال اقتحام بن غفير للأقصى, لهربوا جميعا واختبأوا كما الجرذان في جحورهم, لكن المقاومة لها حساباتها ورؤيتها وكلنا ثقة بها وبتقديراتها, وعلى نتنياهو وحكومته ان يعلموا جيدا, ان الفلسطينيين لن يقفوا طويلا امام هذه الاستفزازات, وان القدس والضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 48م تقف على بركان يغلى قد ينفجر بأي لحظة.
يجب ان نعترف اننا كفلسطينيين امام واقع جديد, فالصهيونية الدينية لديها أطماع وغايات تسعى لتحقيقها مهما كلف ذلك من ثمن, وهى تراهن على الصمت العربي والضعف السلطوي والتواطؤ الدولي والدعم الأمريكي اللامحدود لها, لكننا لا زلنا نتذكر تلك الكلمات التي رددها الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين القائد زياد النخالة خلال مهرجان تكريم شهداء ثأر الاحرار, «بأن المقاومة الفلسطينية تستطيع أن تقاتل العدو، وتنتصر عليه، إذا وجدت الدعم القوي والدائم، وأن وحدة شعبنا وقوى المقاومة أمر بالغ الأهمية، يجب المحافظة عليها وتعزيزها» فقد حدد عوامل النصر بأمور ثلاثة قتال العدو والاشتباك الدائم معه ومشاغلته, والدعم اللوجستي العسكري والسياسي والمالي الدائم للمقاومة, ووحدة الشعب الفلسطيني, ووحدة الفصائل الفلسطينية المقاومة, وهذه ليست تعقيدات, انما هي الأمر الطبيعي والمفترض حدوثه بيسر, فكل الثورات العربية التي واجهت الاستعمار كانت تتلقى الدعم الخارجي العربي والإسلامي, حتى استطاعت ان تستقل وتنتصر, اليوم مطلوب من فصائل المقاومة الفلسطينية ان تتوحد في الأداء الميداني وتقاتل معا كتفا بكتف, بعيدا عن أي حسابات, لان هذا الامر هو الكفيل بإجبار «إسرائيل» على وقف مخططاتها واطماعها ليس في فلسطين فحسب, انما في المنطقة العربية والشرق أوسطية برمتها, «فإسرائيل» احلامها واطماعها اكبر من فلسطين بحدودها الجغرافية الضيقة.
التعليقات : 0