مثَّل نقطة فارقة في الصِّراع مع العدو

تحليل: نفق الحريَّة من "جلبوع" شَقَّ "مسار" المقاومة المسلَّحة بالضفَّة

تحليل: نفق الحريَّة من
تقارير وحوارات

الضفة المحتلة – غزة/ قاسم الأغا:

رأى محلِّلون سياسيون فلسطينيون أنَّ عمليَّة تحرُّر أبطال "كتيبة جنين" الستَّة من زنزانتهم عبر نفقٍ حفروه قبل سنتين من سجن "جلبوع" الاحتلاليّ المعروف بـ "الخزنة" لشدَّة تحصينه؛ شكَّلت نُقطة تحوَّل استثنائيَّة في مسار حالة المشاغلة والثَّورة المشتعلة، التي تشهدها الضفَّة الفلسطينية المحتلة.

 

واتَّفق المحلِّلون في مقابلات منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الثلاثاء، أنَّ عمليَّة "نفق الحريَّة" أسَّست لمرحلة مفصليَّة في الصراع مع الاحتلال "الإسرائيلي"، موضحين أنَّ تنامي الانتفاضة المسلَّحة ونوعيَّة الأداء البطوليّ لـ "كتيبة جنين" في "سرايا القُدس" وكتائبها الممتدَّة من شمال الضفَّة المحتلة إلى وسطها وليس انتهاءً بجنوبها، يُعدُّ شاهدًا جليًّا على ما أحدثه أبطال الكتيبة الستَّة في "جلبوع".

جلبوع البداية

وقال المحلِّل السياسي محمد جرادات أنَّه ومنذ عملية نفق الحريَّة في سجن جلبوع قبل عامين، والأفعال البطولية النوعيَّة لكتيبة جنين بـ سرايا القدس، أخذت العمليات الفدائية منحىً تصاعديًّا مختلفًا، يقابله فشل للاحتلال ومنظومته الأمنية والعسكريَّة والاستخبارية في إحباطها ومواجهتها.

 

وقال جرادات من جنين المحتلَّة لـ "الاستقلال"، إنَّ العمليات الفدائيَّة النوعيَّة والقاتلة لكتيبة جنين وغيرها من كتائب سرايا القدس ومجموعات المقاومة الأخرى، أغرقت كيان الاحتلال في أزمة عميقة، وعزَّزت من معادلة الرَّدع تزامنًا مع تشكل جبهات مقاومة على مستوى المنطقة قد تُفتح في وجه الكيان على المستوى القريب في حال أقدم العدو على مغامرة عدوانية غير محسوبة.

 

وأضاف: "هنا يجد (بنيامين نتنياهو) وحكومته الأكثر عدوانية وتطرّفًا أمام مأزق أمنيّ وداخلي يتعاظم، واحتمالات تفكّك ائتلافه اليمينيّ؛ ما يشير إلى احتمالات أن تشهد الأيام أو الأسابيع القادمة الكثير من السيناريوهات المرجَّحة، منها اندفاع (نتنياهو) نحو الاغتيالات على مستوى واسع في الضفة أو قطاع غزة أو لبنان أو سوريا أو غيرها، أو الاكتفاء بالألاعيب الأمنيَّة، التي يشابهها ما حاول فعله في طهران عبر محاولة التَّلاعب بمنظومة الدفاع الصاروخية الإيرانيَّة".  

 

وأشار إلى أنَّ السيناريو الأكثر احتماليَّة "لجوء الاحتلال لاغتيال شخصيات ليست من المستوى الأول في العمل المقاوم، عبر متخابرين، وليس عبر الأساليب التقليدية، كالاغتيالات من الجوّ أو من خلال الصواريخ والقنابل الذكيّة"؛ مستدركًا: "لكن استهداف الاحتلال قطاع غزة يعدُّ الاحتمال المباشر والأكبر".

 

وقبل نحو أسبوعَيْن، خوَّل "كابينت" الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، ووزير حربه "يوآف غالانت"، اتِّخاذ خطوات تستهدف المقاومين و"مرسليهم"؛ ردًّا على تصاعد العمليَّات الفدائية بالضفَّة المحتلَّة، فيما يرجِّح سياسيون ومراقبون فلسطينيون أنَّ القرار بمثابة "ضوء أخضر"؛ للبدء بتنفيذ اغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينيَّة في فلسطين المحتلة وخارجها.

 

يأتي ذلك بينما تتجهَّز المنظومة الأمنية والعسكريَّة بالكيان لموجة واسعة العمليات النوعيَّة والقاتلة ضد أهداف لقُوَّات الاحتلال والمستوطنين، في مختلف مدن وبلدات وقرى ومخيَّمات الضفَّة المحتلة.

نقطة فارقة

واتفَّق المحلِّل السياسي خليل القصَّاص مع سابقه بأنَّ عملية نفق الحريَّة بقيادة مهندسها الأسير القائد محمود العارضة مثَّلت نقطة فارقة في الصِّراع مع كيان الاحتلال، خصوصًا في الوقت الذي كانت فيه الضفَّة المحتلة تعاني مما وصفها بـ "الرُّكود الكبير" في الحالة الثَّوريَّة، وقرب "فقدان الأمل" بإعادة روح المقاومة المسلَّحة هناك.

 

وقال القصَّاص من غزة لـ "الاستقلال": إن "عمليَّة التَّحرَّر لأبطال كتيبة جنين الستَّة من جلبوع شكَّلت انطلاقة العمل الثوريّ، ولا سيَّما المسلَّح في الضفَّة المحتلَّة"، لافتًا إلى أنَّه "ومنذ عمليَّة التحرَّر التقط الشَّهيد القائد جميل العمُّوري عبارة "كتيبة جنين" التي أطلقها القائد زياد النَّخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي على هؤلاء الأبطال، وهَمَّ بتأسيس وتشكيل كتيبة جنين بالميدان". 

 

وتابع: "منذ تأسيس الشَّهيد العمُّوري كتيبة جنين؛ بدأ ينطلق الفعل الجهادي والثَّوري في كل ساحة الضّفة المحتلة، ولذلك تعدُّ عمليَّة انتزاع الحريَّة من سجن جلبوع نقطة البداية لامتداد ذلك الفعل".

 

وبيَّن أنَّ "كتيبة جنين، وكل كتائب سرايا القُدس المنتشرة في الضفَّة كافَّة، استطاعت فرض معادلات سياسيَّة وأمنيَّة على الكيان، وهذا ما عكسته معركة بأس جنين، التي قادتها سرايا القدس بكل بسالة وعنفوان، إبَّان عدوان الاحتلال الموسَّع على جنين ومخيَّمها في يوليو/ تمُّوز الماضي".

 

ونوَّه إلى أنَّ "من أبرز المعادلات التي فرضتها كتائب السَّرايا بالضفَّة معادلة (وَحدة السَّاحات)، إذ أثبتت معركة جنين الأخيرة أنَّ ساحة الضفَّة المحتلة ليست منفصلة عن ساحات فلسطين التاريخيَّة المحتلة وخارجها"، مشيرًا إلى أنَّ "قمَّة المقاومة الثلاثيَّة المنعقدة مؤخَّرًّا في بيروت جاءت لتكريس تلك المعادلة التي أسَّستها الجهاد الإسلامي، ودفعت في سبيل صَوْنها تضحيات كبيرة من دماء قادتها ومقاتليها بمختلف ساحات المواجهة".

 

ونبَّة المُحلِّل السياسي إلى أنَّ المقاومة وتوالي ضرباتها تعمِّق المأزق الداخلي في كيان الاحتلال، وخصوصًا من الناحية الأمنيَّة، مقابل فشل كل خيارات الكيان؛ لجهة إنهاء العمليات الفدائيَّة أو كسر أمواجها بالضفَّة المحتلَّة.

 

ويوم 6 سبتمبر (أيلول) 2021، تمكّن ستة أسرى فلسطينيين من انتزاع حريتهم من سجن "جلبوع" الاحتلاليّ، الأكثر تشديدًا وتحصينًا، عبر نفق ممتد حفروه من غرفة زنزانتهم، قبل أن يعيد الاحتلال اعتقالهم على دفعات، بعد أيام من المطاردة امتدت لنحو أسبوعين.

 

وأبطال كتيبة جنين أو كتيبة "الحرية"، هم الأسرى القادة: محمود عارضة (46 عامًا)، أمير أسرى حركة الجهاد الإسلامي في "جلبوع"، والمحكوم مدى الحياة، ومحمد عارضة (39 عامًا)، محكوم مدى الحياة، ويعقوب قادري (49 عامًا)، محكوم مدى الحياة، وأيهم كممجي (35 عامًا)، محكوم مدى الحياة، ومناضل نفيعات (26 عامًا)، معتقل منذ عام 2019، وخمستهم ينتمون للجهاد، فيما زكريا الزبيدي (46 عاماً) معتقل منذ عام 2019، ينتمي لحركة "فتح"، وجميعهم من جنين المحتلَّة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق