غزة/ دعاء الحطاب:
على شاطئ بحر الزوايدة وسط القطاع، كانت يداهما الصغيرتان مثقلتين بحمل يفوق قدرتهما واحتمالهما، وعلامات التعب واضحة على ملامحهما البريئة، والشمس الحارقة تخطّ لونها الأحمر على وجنتيهما، وقدماهما تغوصان في الرمال كلما واصلا السير. الطفلان الشقيقان أحمد وخالد سلامة، اتخذا من شاطئ البحر المزدحم بخيام النازحين مكاناً ليلتقطا فيه رزقيهما، من أجل مساعدة أسرتهما على تدبير أمورهم وتوفير احتياجاتهم، لا سيما في ظل اشتداد المجاعة واستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية للعالم الثاني على التوالي.
وأجبرت الحرب الإسرائيلية والأوضاع الاقتصادية والمعيشية المأساوية، ومعاناة التشرد والنزوح المتكرر، الأطفال الغزيين على الانخراط ببعض الأعمال التي تفوق قدراتهم وأعمارهم، بهدف إعالة أسرهم.
فبعد أن هجروا مدارسهم التي تحولت إلى مراكز إيواء، أو خرائب بعد أن دمرها جيش الاحتلال، تحوّل كثير من الأطفال إلى «تجار صغار» يجوبون الشوارع، عارضين بضائعهم البسيطة، على أمل الحصول على بعض النقود لسد حاجات عائلاتهم.
«حياتنا صعبة «
ويقول أحمد (١٢عاماً) لـ «الاستقلال»:» منذ ساعات الصباح نقصد شاطئ البحر لبيع الشراب المثلج، وبعض المسليات التى تُعدها والدتي في المنزل كـ» معكرونة شبسي، بازيلاء مُحمصة، حمص مقلي وغيرها»، لنعود الى عائلتي ببعض الشواكل التي تُمكننا من توفير الطعام وبعض الاحتياجات لنا».
ويتابع بصوت حزين:» حياتنا صعبة، كنا قبل الحرب نذهب إلى المدارس، الآن فقط نعمل طوال النهار، إذا لم نعمل لا نستطيع أن نعيش وأن نوفر الأكل والشرب»، مستدركاً: «إن شاء الله تنتهي الحرب قريباً».
بينما لم يخف الشقيق الأصغر خالد (8 أعوام)، كرهه لشاطئ البحر الذي يتمني الاطفال زيارته دائماً، فكما يقول أنه لم يجد في هذا المكان سوى التعب والإرهاق.
وانهي حديثه:» الحرب دمرت كل شيء حلو بحياتنا، وحرمتنا من مدارسنا وألعابنا حتى من البحر الذي كان أجمل رحلاتنا، وأجبرتنا نشتغل عشان نقدر نأكل».
« الحياة بدها تضحية»
وبين أزقة وشوارع مدينة غزة المليئة بالركام، يُنادي الطفل ياسين السكني (14 عام)، بأعلى صوته «مياه مثلجة، شراب ساقع، برد على روحك بشكل»، على أمل أن يبيع ما لديه كي يُساند عائلته المكلومة.
وقصف الاحتلال منزل السكني بحي الشجاعية شرقي المدينة، فاستشهد والده وشقيقه الأكبر بالقصف، ونزح ياسين برفقة والدته وشقيقاته الثلاثه إلى حي الرمال غرب غزة.
وتعاني أسرة «ياسين» من صعوبات كثيرة في تلبية احتياجاتها اليومية من طعام وشراب، وهو ما دفعه إلى بيع الماء المثلج للمارة، حيث يشتري أكياس نايلون ويعبئها ماءً عذبا ثم يثلجها ويبيعها بالطرقات. وفق قوله.
ويُضيف ياسين خلال حديثه لـ» الاستقلال»:» أبيع المياه والشراب حتى أحصل على لقمة العيش لي ولأسرتي، وكي اصرف على البيت بعد استشهاد والدي وشقيقي الكبير».
ويوضح إنه يتعب كثيراً خلال عمله، خاصة أنه يضطر إلى حمل ثلاجة مياه كبيرة تتسع لـ 16 لتر والسير بها تحت الشمس الحارقة طوال النهار، معبراً عن خوفه الشديد من الموت بأحدى الغارات الاسرائيلية التي لا تتوقف على القطاع.
وأكد أن هناك الكثير من زملائه وأقاربه الاطفال يساعدون آباءهم وعائلاتهم بسبب ضيق الحال، في ظل الأوضاع العصبة التي يعيشها القطاع، مضيفاً بلغة الكبار:» الحياة بدها تضحية».
«مصدر الرزق الوحيد»
ومع بزوغ شمس الصباح وتسلل أشعتها لخيمتهم المهترئة في سوق مخيم النصيرات وسط القطاع، تبدأ الطفلة سوار سالم (10 أعوام) بترتيب بضائعها المكونة من (الصابون، وسائل الكلور ومنظفات الجلي والغسيل) على طاولة صغيرة أمام الخيمة.
وتعد البسطة الصغيرة مصدر الرزق الوحيد لعائلة «سوار»، لسد جزء من الأعباء المالية الملقاة على كاهلهم، لا سيما في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية المأساوية التي يعيشها القطاع، بحسب قولها.
وتقول سوار وهي تمسح قطرات العرق عن جبينها: «أنا هنا طول النهار من أجل رزقتنا ورزقة إخوتي، الظروف المادية صعبة جدا وما بنقدر نوفر أبسط احتياجاتنا، وكل شيء ناقصنا هنا في الخيمة».
وتتابع بحزن» نتقاسم أنا واخواني الأعمال لمساعدة والدي، فأنا أعمل بالبسطة حتي نستطيع العيش والحصول على المال، وأخي الكبير ينتظر في طابور مياه الشرب، والأخر ينتظر بالتكية كي يجلب لنا الطعام»، مضيفة :» أما أبي يجوب الشوارع ويبحث بين ركام المنازل عن قطع القماش والنايلون الأخشاب وكل ما يلزم لإشعال النار».
وتتمني سوار انتهاء الحرب فوراً، والعودة المدرسة، خاصة أنها تقول، إن مستواها التعليمي ضعف جدا، وإذا استمر هذا الوضع فسوف تنسى القراءة والكتابة.
ولم تدرس سوار منذ بداية الحرب ولم تستطع أن تتعلم عبر الإنترنت من خلال المنصات التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم لصعوبة الوصول إلى الإنترنت والتكلفة العالية لذلك، إضافة لعدم امتلاك أسرتها جهاز لابتوب أو هاتف زكي يساعدها بالدراسة.
التعليقات : 0