شمال غزة/ خالد اشتيوي:
يعيش أهالي شمال قطاع غزة تحت ضغط متزايد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تسعى لتهجيرهم من أراضيهم في إطار خططها العسكرية. ومع ذلك، يواصل السكان مقاومة هذه الإجراءات القاسية، مُعبرين عن تمسكهم بحقهم في البقاء ورفضهم التام لتلك الخطط الاحتلالية التي تتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية.
ويستخدم الاحتلال الاسرائيلي أشكال العقاب كافة منذ بداية الحرب التي مضى عليها أكثر من عام بحق الأهالي في شمال قطاع غزة من قتل وتعذيب واعتقال وتجويع في محاولة لإجبارهم على ترك بيوتهم والخضوع للنزوح جنوباً وفق أوامر الاحتلال التي يدعي في كل مرة بأنها مناطق آمنة، إلا أنه في الوقت ذاته يرتكب أبشع المجازر في الجنوب كما الشمال ويمارس وحشيته وغطرسته بحق الأطفال والنساء والشيوخ ويقصف مراكز الايواء التي سبق وأن دعا المواطنين بالنزوح إليها وأنها أماكن آمنة.
ويشن الاحتلال منذ عدة أيام عملية عسكرية في المناطق الشمالية من القطاع وتحديدا في مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون عملية عسكرية واسعة يسعى من خلالها لقتل الفلسطينيين وتجوعيهم وارتكاب أبشع المجازر بحقهم في محاولة لإجبارهم على النزوح جنوباً.
وتصاعد الحديث في الأوساط الإسرائيلية مؤخراً، عن "خطة الجنرالات" لاحتلال محافظتي غزة والشمال في القطاع، وإفراغهما من السكان، وشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف المقاومة الفلسطينية وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة يمنع الوصول إليها أو البقاء فيها.
فيما يُقدّر عدد السكان المتبقين في مدينة غزة وشمالها حالياً بنحو 400 ألف مواطن بعد أن رفضوا مغادرتها مراراً، على الرغم من ضراوة القصف الإسرائيلي والعمليات البرية التي طالت مختلف تلك المناطق منذ بداية حرب الإبادة على القطاع قبل عام، وما تبعه من عملية برية بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وعمليات التجويع والترهيب المستمرة.
"بنموت وما بنرحل"
المواطن عمر حمدان أحد سكان مخيم جباليا، يصف اللحظات الأولى لاقتحام قوات الاحتلال للمخيم، بالصعبة، حيث فوجئ وعائلته وكذلك الجيران وجميع سكان المخيم بانفجارات عنيفة وقصف جنوني من قبل طائرات الاحتلال على اختلاف أنواعها وكذلك الدبابات التي أسقطت جميع أنواع القذائف والرصاص طوال تلك الليلة التي مهدت للدخول البري إلى "جباليا" للمرة الثالثة منذ بداية الحرب.
ويضيف حمدان لـ"الاستقلال" العديد من العائلات في المخيم تم قصف بيوتهم على من فيهم حيث تم إخراج البعض فيما بقى العديد منهم مجهولي المصير نظراً لقلة الإمكانيات لدى طواقم الدفاع المدني وكذلك صعوبة تحرك الطواقم في ظل القصف المتواصل الذي يطال كل متحرك سواء مواطنين أو مسعفين وكذلك الصحفيين.
ويتابع، "طلعت شمس ذلك اليوم وبتنا نفكر بطريقة للنجاة من الجنون الصهيوني، والانتقال لمكان قد يكون فيه نسبة من الأمان"، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك مكان آمن في أنحاء القطاع كافة.
ولفت النظر إلى انه عمد على متابعة قنوات الأخبار لمعرفة وفهم ما الذي يجري وطبيعة تلك الغارات، ليتبين لاحقاً أن جيش الاحتلال أعلن عن عملية عسكرية بالمخيم مطالباً السكان بالتوجه والنزوح إلى جنوب القطاع مدعياً بأنه تلك المناطق آمنة.
وعلق حمدان على ذلك بالقول: "بنموت وما بنرحل، نموت مئة موتة على أرضنا في بيوتنا وما بننزح عالجنوب" لافتاً إلى أن رأى وسمع ما جرى ويجري مع من أجبرهم الاحتلال للنزوح جنوباً وما يعانوه من تشريد ومجازر حالهم كحال أهل الشمال وأن كل ما يروج الاحتلال له بأن تلك مناطق آمنة هو محض أكاذيب وادعاءات لها ما بعدها والهدف منها هو إفراغ الشمال من سكانه ومنعهم من العودة إليها".
"بنطلعش إلا عالجنة"
في السياق ذاته يعبر المواطن أحمد الأسود عما يجري في شمال قطاع غزة بالقول: "لو بدنا نموت ونتقطع ما بنطلع من الشمال، بنطلعش منها إلا عالجنة".
ويضيف الأسود لـ "الاستقلال" أن الاحتلال على مدار عام كامل يحاول تهجيرنا وتفريغ شمال قطاع غزة من السكان إلا أننا في كل مرة نصبر على الجوع ونصارع الموت ونخرج من حمم النيران ولا نترك بيوتنا وأرضنا".
وتابع، منذ الاجتياح البري لمنطقة جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا طالب الاحتلال من سكان تلك المناطق بالإخلاء الفوري والتوجه جنوباً ، إلا أن الأهالي لم يستجيبوا لذلك وبقوا صامدين على أرضهم فأتبع الاحتلال ذلك بإلقاء منشورات يطال فيها ذات الطلب من السكان ولم يستجب أحد لذلك".
وشدد على أن الاحتلال في الوقت ذاته يمارس أبشع الجرائم بحق المواطنين ويحاصرهم ويمنع دخول الطعام والشراب لهم ويستهدف المستشفيات والمرافق الصحية أو حتى التغطية الإعلامية عبر استهداف الصحفيين ومنعهم من الاقتراب إلى أماكن عملياته.
وأشار إلى أنه تلقى اتصالاً من رقم خاص، وعندما سمع للمتصل فإذ به أسطوانة من جيش الاحتلال يطالب فيها السكان مجدداً للنزوح جنوب القطاع، مبينا أنه لم يدع الأسطوانة تكتمل فأغلق الاتصال مؤكداً رفضه القاطع لهذه الخطوة التي يفضل الموت على أن يخطوها.
انتهاك صارخ
فيما حذر الحقوقي المختص في الشؤون الفلسطينية صلاح عبد العاطي من إفراغ الاحتلال لمحافظة شمال غزة من سكانها في إطار تطبيق المرحلة الثانية من حرب الإبادة على غزة في انتهاك فاضح لقواعد القانون الدولي الإنساني وأحكام اتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي، وميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية وباقي معايير حقوق الانسان.
ودعا عبد العاطي في حديثه لـ"الاستقلال" إلى موقف وتدخل دولي عاجل لمنع تطبيق خطة الجنرالات الهادفة إلى تهجير وإفراغ شمال غزة من السكان.
وأدان عبد العاطي حالة الصمت والعجز الدولي الانساني المتواصل عن وقف جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، مطالباً بالتدخل الانساني العاجل لمنع تهجير سكان شمال غزة، والعمل على وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل لأكثر من عام ، وإنفاذ تدابير محكمة العدل الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وضمان تدفق المساعدات الانسانية وتوفرها.
التعليقات : 0