أصحاب مهن بغزة.. يطرقون أبواب العمل اليومي بعد تدمير الحرب مستقبلهم

أصحاب مهن بغزة.. يطرقون أبواب العمل اليومي بعد تدمير الحرب مستقبلهم
تقارير وحوارات

 

                       مدرسون وممرضون ومهندسون

أصحاب مهن بغزة.. يطرقون أبواب العمل اليومي بعد تدمير الحرب مستقبلهم

غزة/ إيناس الزرد:

سلبت الحرب الإسرائيلية المندلعة منذ عام وثلاثة أشهر خبرة الكثير من الأيام والسنين، وضاعت الإنجازات والأحلام وأهدرت أوقات الجد والعمل والابتكار، بعدما توقفت معظم المجالات المهنية في قطاع غزة عن العمل كالتعليم والهندسة والطب وغيرها، ليجد الكثير من الشباب أنفسهم أمام مجالات عمل جديدة بعيدة عن واقعهم كبائع بسطات وخباز على أفران الطين، والكثير من المهن التي استحدثتها الحرب، في محاولة لسد احتياجاتهم الأساسية في ظل الظروف الصعبة والنزوح ومكافحة للبقاء.

بجانب خيمته الصغيرة في مدينة أصداء، يجلس الشاب أبو بسام البالغ من العمر ٣٥ عامًا، بملابس متسخة ببقع دخان النار، على فرن الطين المخصص للخبز، في محاولة لتوفير قوت يوم أولاده، بعدما كان يعمل قبل الحرب الإسرائيلية على غزة ممرضًا في مستشفى الخدمة العامة، حيث لم تترك الحرب شيئًا في حياته إلا ودمرته وبدلته.

يقول أبو بسام لـ"الاستقلال" بحُرقة: "درست التمريض لأكون قامة ملهمة للمجتمع ولأطفالي، ولأكون عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا إلى جانب الماديات، أما الآن فأعمل فقط من أجل توفير احتياجات الحياة الأساسية من مأكل ومشرب، لا سيما في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وارتفاع أسعار السلع والمنتجات الغذائية".

ويضيف: كنت أهتم بمظهري الخارجي وشكلي وملابسي، لأخرج إلى عملي بطريقة أنيقة ومرتبة تعكس شخصيتي العاملة بمجال الطب، أما الآن أعمل وملابسي مهترئة وممتلئة بالغبار والطين، كنت أخجل من نظرات الناس في بداية الأمر، والآن اعتدت ذلك ليس تأقلماً إنما مجبراً على ذلك".

 

بائع متجول

أما أبو يزن البالغ من العمر 32 عاماً، والذي أخذت الحرب منه خبرة الأيام والسنين وغيرت أحلامه، ورسمت له واقعًا جديدًا مؤلماً، فبعدما كان يعمل أستاذًا للغة العربية في إحدى المدارس بشمال قطاع غزة، ويعطي الدروس الخصوصية للطلاب، بات اليوم يفتح الكتاب والدفتر، ويضع بين أوراقه حبات حلوى العوامة والحلب، بعدما فتح بسطة صغيرة ويعمل بها كبائع متجول.

يقول - والألم يعتصره - لـ"الاستقلال": "الحرب سرقت كل الأحلام والآمال بعدما كنا أعمدة وأفضالًا لجيل نحاول أن نبنيه في هذه المدينة المسقوفة بالمحن، حتى أصبحنا الآن نملأ أروقتها المنكوبة بالنزوح والتشريد والموت"، مبينًا أنه كان يشعر بصعوبة بالغة تجاه نفسه عندما يقف أمام بسطته الصغيرة يجابه الأرق والتعب ونظرات الناس لتوفير قوت يوم ذويه.

ويضيف: "تساقطت أحلامنا بفعل الحرب المسعورة، حيث لم يكن سهلًا أن أعمل بائع حلوى على بسطة صغيرة، إلا أن الحاجة للعمل والحياة الصعبة التي نعيشها أجبرتني على ذلك، كل ما نعيشه لا يستطيع أي شيء أن يظهر حجم المعاناة التي نعانيها، مشيرًا إلى أن الحرب لن تبقى للأبد وستنتهي معها كل الصعاب والآلام المريرة ولحظات اليأس التي أصابت الجميع".

معاناة مستمرة

أما أبو إبراهيم، الذي يجلس أمام خيمته بجانب ألواح الطاقة الشمسية التي استغلها بعد نزوحه كمشروع للعمل لشحن أجهزة الجوالات والبطاريات واللابتوبات؛ بسبب انقطاع التيار الكهربائي منذ بداية الحرب، بعدما كان يجلس قبل الحرب في مكتبه الهندسي بين المخططات الهندسية وزملائه، حيث كان يمارس مهنته التي يحب.

يوضح لـ"الاستقلال" -بعد تنهيدة طويلة- أنه كان يعيش حياة ممتلئة بالإنجاز والعمل، أما الآن، فأكبر إنجاز أن يستطيع توفير لقمة عيش لأولاده الأربعة وزوجته ووالدته، الذين نزحوا معه من مدينة رفح منذ شهر مايو الماضي، بعدما شن الاحتلال حملته العسكرية على المدينة وشرّد أهلها ونازحيها في ذلك الوقت إلى مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

ويشير إلى أن سنوات الدراسة في الهندسة المعمارية، والعمل لأكثر من ٧ سنوات في المجال الهندسي حيث الإنجاز والتفوق والإبداع، توقف كل ذلك بلحظة وتبددت الآمال والميول، فكل شيء تغير، لم تعُد هناك مخططات هندسية، ولم تعُد هناك مبانٍ على أرض الواقع لهذه المخططات بعدما دمر الاحتلال الشجر والحجر ومعها كل الأحلام والأمنيات، على حد تعبيره.

وزادت الحرب الإسرائيلية على غزة، منذ 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي، من معدلات البطالة في القطاع، حيث وصلت إلى حوالي 80٪ وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 83.5٪ بحسب منظمة العمل الدولية، وهي نسب مرتفعة تدلل على حجم الخسارة التي لحقت بالقطاعات المهنية والسوق والحياة المدنية في قطاع غزة، فقد خسر آلاف الموظفين وظائفهم بعد أن تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدمير البُنى التحتية والمباني الخدماتية والأبراج وغيرها من المقدرات التي كانت توفر فرص العمل للسكان.

 

 

 

التعليقات : 0

إضافة تعليق