غزة/ سماح المبحوح:
بعد رحلة طويلة وشاقة سيراً على الأقدام من مخيم البريج وسط قطاع غزة إلى شماله، وبعدما بقي شبح النزوح القسري يلاحقه منذ أكـثر من 400 يوم؛ حط الستيني أبو العبد رحال جسده المنهك فوق ركام منزله الذي دمرته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، وجلس يردد مقطعاً من أغنية «راجعين مفتاح البيت بقلبي وأنا راجع وبيدي ولدي، ولو كل العالم كان ضدي وأنا راجع يا بلادي راجع».
في مخيم جباليا شمال القطاع والذي تحول من مخيم مفعم بالحياة إلى مدينة أشباح بفعل أطنان من ركام المنازل المدمرة، يصف أبو العبد الذي تحمل عبء المسير على الأقدام لأكثر من 7 كيلو مترات عودته إلى بيته الذي تهاوت جدرانه وأسقفه الثلاثة بالحلم الذي طال انتظاره.
وبعد أكثر من 15 شهراً، شرع آلاف النازحين صباح الاثنين الماضي في العودة إلى شمال قطاع غزة وفقا للاتفاق بين فصائل المقاومة الفلسطينية و «إسرائيل»، حيث سلك النازحون حاملين معهم آمالهم وآلامهم شارع صلاح الدين بمركباتهم بعد المرور بنقاط التفتيش الدولية، وتابع آخرون العودة سيرا على الأقدام من شارع الرشيد إلى المناطق الشمالية التي نزحوا عنها سابقا.
عودة الروح للجسد
وبينما يحاول أبو العبد جمع شتات نفسه وما تبقى له ولأفراد عائلته من ذكريات بمنزله المدمر، تدفقت الدموع من مقلتيه ندما لتركه منزله والمخيم الذي عاش فيه مراحل الطفولة والشباب حتى أصبح كهلا قائلا:» يا محلا ريحة الدار والمخيم من غيرهم حسيت بغربة، يا ريتني ما نزحت، ندمان كتير أني تركت المخيم 15 شهر».
وأضاف:» رغم أطنان الحجارة المرصوصة فوق بعضها في المخيم إلا إنني فرحان كتير أني رجعت ورجعوا جيراني من الجنوب، حسيت أنه رجعت روحي لجسدي من جديد».
وما أن وصلت العائلات الفلسطينية إلى شمال القطاع حتى بدأت بالبحث عن مأوى واستصلاح أي جزء يسير من منازلهم المدمرة للعيش فيه، مع إصرارهم الشديد على عدم تركها مرة أخرى حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
ولجأ عدد من سكان شمال غزة إلى مراكز الإيواء «المدارس والمؤسسات الخاصة والحكومية وأونروا» التي دمرتها قوات الاحتلال مؤخرا، وحاولوا استصلاح بعض الغرف والخيام التي أحرقها الجيش الإسرائيلي، بعدما غابت البدائل وعم الدمار كل مكان.
أمل العودة تحقق
وفي مكان غير بعيد أخذت الثلاتينية أحلام عودة تعانق حجارة منزلها المتناثرة في الأزقة بعدما انتهت من عناق أفراد عائلتها الذين افترقت عنهم واضطرت للنزوح قسرا من شمال القطاع لجنوبه لعلها تحمي أطفالها الصغار من آلة القتل والتجويع الإسرائيلية.
ووضعت عودة كغيرها من العائدين للشمال أمتعتها التي أثقلت جسدها النحيل بعد رحلة محفوفة بالمشقة، وبدأت بمساعدة أفراد عائلتها بدق الأعمدة الخشبية بالمسامير وتغطيتها بالنايلون لتحولها إلى خيمة تقطن بها مع صغارها.
والإصرار على المكوث وسط كومة من الحجارة مفترشين الأرض وملتحفين السماء في مسقط رأسهم شمال القطاع، هي الأماني والآمال التي طالما تشبثت بها «عودة» وصغارها وتحققت لهم أخيرا، وفق قولها.
وشددت على أن الخيمة الصغيرة التي أصبحت بديلا عن منزلها الكبير والجميل، باتت المكان الأنسب والمريح لها، بعد ما عانته في رحلة النزوح قسرا، متنقلة بين أحياء مدينة رفح جنوبا وصولا إلى مخيمات وسط القطاع.
وتحتاج محافظتا غزة والشمال إلى 135 ألف خيمة وكرفان بشكل فوري وعاجل، حسبما قال المكتب الإعلامي الحكومي، وذلك بعدما بلغت نسبة الدمار فيهما أكثر من 90%.
وطالب المكتب الحكومي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية والدول العربية بفتح المعابر وإدخال المستلزمات الأساسية لإيواء الشعب الفلسطيني.
وفي السابع من أكتوبر 2023 شنّت «إسرائيل» حرباً دامية على قطاع غزة استمرت لأكثر من 15 شهرا، قصفت خلالها المنازل فوق رؤوس ساكنيها، واستهدفت البُنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد، وقصفت التجمعات والأسواق ونقاط توزيع المساعدات والمياه، أسفرت عن أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود، مع حصار خانق لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني باتوا نازحين في خيام ومراكز إيواء بعد تدمير منازلهم.
بعد العودة لديارهم
نازحو شمال غزة.. عندما عادت الروح للجسد واختلطت دموع الفرح بركام منازلهم

تقارير وحوارات
التعليقات : 0