غزة/ دعاء الحطاب:
تعالت أصوات الأهالي في قطاع غزة؛ للتعبير عن معاناتهم من انعدام الحليب الخاص بأطفالهم الرُّضَع، وعجزهم التام عن إيجاد بدائل صحية وآمنه لهم؛ ممّا يُشكل خطراً كبيراً على حياتهم وصحتهم، خاصة في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع لليوم 440 على التوالي، وقلة المساعدات الإنسانية المُدخَلَة إلى القطاع والتي لا تُلبّي الحاجات الأساسية للأطفال.
وتعجز بعض الأمهات عن إتمام الرضاعة الطبيعية لأطفالهن؛ نتيجة ظروف صحية كـ"سرطان الثدي، وسوء التغذية، وبعض الأمراض المزمنة"؛ وبسبب استشهاد الأمّ في بعض الحالات فإن هؤلاء الأطفال بحاجة ماسّة للحليب، إلّا أن الاحتلال يمنع دخوله للقطاع.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، الإثنين الماضي، إن إمدادات حليب الأطفال لديها تكاد تنتهي في قطاع غزة، ما يُعرِّض حياة أكثر من 8500 رضيع للخطر.
وبيّنت الوكالة في منشور على منصة "إكس"، أن 6 صناديق من حليب الأطفال هي فقط ما تبقّى، في حين يعتمد عليها نحو 8500 رضيع في القطاع للحصول على الحليب.
وحذرت من أن نقص الإمدادات يُعرِّض حياة الرُّضَع وأكثر من 200 ألف شخص يعتمدون على خدماتها للخطر في قطاع غزة.
وقالت: "إن نحو 19 ألف طفل في القطاع دخلوا المستشفى بسبب سوء التغذية الحاد خلال الشهور الأربعة الماضية"، مشددة على أن العدد تضاعف عما كان عليه مطلع العام الحالي.
مياه وسكّر
بين خيام النازحين المكتظّة في منطقة المواصي الساحلية غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يعلو صوت بكاء الطفل عبد الرحمن سعد (9 شهور) ليلاً ونهاراً من شدة الجوع، فمنذ ثلاثة شهور يعيش على الرضاعة الطبيعية التي لا تُغني ولا تُسمِن من جوع، وعلى رضعاتٍ من "المياه والسكّر"؛ نتيجة فُقدان حليب "LF" الخاص به من الصيدليات والأسواق.
وتقول سعد خلال حديثها لـ"الاستقلال": "إن عبد الرحمن يعاني من سوء الامتصاص في المعدة، ويحتاج إلى حليب خاص غير متوفر بالصيدليات والأسواق من شهورٍ طويلة، وفي حال توفر يكون غالياً جداً، إذ يتراوح ثمن العبوة ٤٠٠ غرام ما بين 80-120 شيكلاً".
وتُضيف بحسرةٍ وألم: "ابني للشهر الثالث بدون حليب، عايش على المياه والسكر كبديل لإسكات جوعه، وأوقات لا نجد السكّر بالأسواق ونُضطرّ لإعطائه مياهاً فقط"، مستدركة: "أغلب المُرضِعات ما بياكلوا وبيعانوا من سوء التغذية، كيف بدهم يرضّعوا، ما في شيء يرضعه الطفل ليشبع".
وتتابع والدموع تملأ عينيها: "عبد الرحمن يحتاج طعاماً خاصاً؛ لأنه يعاني من حساسية قمح، وللأسف لما بياكُل بيصير معه استفراغ وإسهال وجفاف، وبنام بالمستشفى"، مُضيفة: "ابني بموت أمام عيني وأنا مش قادرة أعمل شِيء، لا حليب ولا طعام ولا حتى فيتامينات تساعده".
وتخشي "سعد" من التأثيرات السلبية التي قد تنعكس على صحة طفلها؛ بسبب عدم توفر الحليب العلاجي الخاص به، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف شديد بالتغذية ونقص في جهاز المناعة لديه، واختلال النمو العصبي والإدراكي له، وفقاً لتحذيرات الأطباء لها.
وطالبت وزارة الصحة العالمية والجهات المختصة والمجتمع الدولي بالوقوف أمام مسؤولياتهم، وإجبار الاحتلال على إدخال كمياتٍ كبيرة من مستلزمات الأطفال الضرورية كـ"الحليب والسيريلاك، والبامبرز"، والعمل على وقف حرب الإبادة التي طالت مناحي الحياة كافة، وآلمَت فئات المجتمع الغزيّ خاصة الأطفال.
صعب المنال
ولا يختلف حال المواطن أبو عليّ سالم كثيراً عن سابقته، فهو الآخر يعيش المعاناة ذاتها في البحث عن حليب لطفلته الرضيعة أمل "ثمانية أشهُر"، خاصةً عَقبَ حرمانها من الرضاعة الطبيعية؛ بسبب إصابة والدتها بسوء تغذية حاد، وفق قوله.
ويُضيف أبو سالم خلال حديثه لـ"الاستقلال": "أطفالنا يتغذّون بشكلٍ أساسٍ على الحليب الصناعي؛ ليساعدهم في النمو ويمنحهم جزءًا من الفيتامينات والكالسيوم الذي حُرِموا منه عبر الرضاعة الطبيعية، فالأمهات المرضعات يعانون من الضعف لقلّة الطعام، فهنّ لا يتناولن اللحوم والخضراوات والفواكه التي تُعينُهن على الرضاعة وتُكسِب الطفلَ حليباً يُشبعه".
ويُتابع: "المفترض بنتي الآن سنّنَت وبتزحف، لكن أغلب الأطفال الذين وُلِدوا بالحرب يعانون من سوء التغذية وضعف بالنمو الجسدي والحركي؛ نتيجة انعدام حليب الأطفال من الأسواق، وعدم توفر الغذاء الصحي لهم".
وأوضح أن وضع غزة بالنسبة للحليب والبامبرز مأساة، فالحصول عليهم أصبح صعبَ المنال؛ بسبب عدم توفّرهم وغلاء أسعارهم بشكلٍ جنونيّ في الأسواق، فسعر عبوة الحليب يتراوح من70-90 شيكلًا، وسعر باكيت البامبرز 26حبة بـ90شيكلاً، مشيراً إلى أن ثمن باكيت البامبرز 40 قطعة وصل الفترة الماضية لـ 250شيكلًا، فيما كان ثمن الحبة الواحدة عشرة شواكل.
وبيّن أن معظم الأهالي لجأوا إلى منصات التواصل؛ من أجل البحث تأميناً لحاجة أطفالهم من الحليب والحفاظات، الأمر الذي فتح المجال أمام الكثيرين لرفع الأسعار بشكلٍ جنونيّ واستغلال حاجة المُضّطرّين.
التعليقات : 0