الاحتلال المستفيد الأكبر
عملية السُلطة في مخيم جنين.. "حُماةُ وطنٍ" أَم "حُماةُ إسرائيل"؟
غزة/ سماح المبحوح:
لليوم الثالث عشر على التوالي، تواصل أجهزة الأمن الفلسطينية تنفيذ عملية أمنية أطلقت عليها اسم "حُماة وطن" في مخيم جنين للّاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية؛ لملاحقة مسلّحين ينتمون لكتيبة جنين، تقول إنهم "خارجون عن القانون".
وتندلع في المخيم اشتباكاتٌ متقطّعة أسفرت عنها مقتل القيادي في الكتيبة يزيد جعايصة المطارد من الاحتلال الإسرائيلي، ومقتل عدة مدنيين برصاص رجال أمن السلطة.
وبدأت أحداث مخيم جنين باعتقال أجهزة السلطة (إبراهيم طوباسي وعماد أبو الهيجا) في أوائل الشهر الجاري؛ ممّا أثار غضب "كتيبة جنين" التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة كرهينة للمطالبة بالإفراج عنهما.
وقال الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب إن: "الحملة تستهدف خارجين عن القانون"، متعهداً بملاحقتهم "في جميع أنحاء الضفة الغربية بكافة عناوينهم ومسمياتهم".
في حين قالت كتيبة جنين في تصريحات متلفزة، "إن السلطة الفلسطينية تريد جنين بلا سلاح مقاومة، وبوصلتنا واضحة وهي ضد الاحتلال فقط، وتبنّينا المقاومة عن الضفة كاملة".
وأثارت الحملة ردود فعل غاضبة من الفصائل الفلسطينية وسكّان المخيم، حيث اتهمت الفصائل، وعلى رأسها حركة "الجهاد الإسلامي" السلطةَ الفلسطينية بتنفيذ "استهداف ممنهج للمقاومين"، بعدما قُتِلَ جعايصة، أحد قادة "كتيبة جنين" خلال الاشتباكات.
وأكد نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الدكتور محمد الهندي، أن ما يحدث في مخيم جنين من اعتداءات وحصار للمقاومين أمرٌ غير مقبول.
وقال الهندي: "إن حركة الجهاد الإسلامي معنية بإنهاء الصِدَام المفتعَل في جنين، والحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني، داعياً إلى تدخُّل العقلاء؛ لوقف ما يحدث في المخيم".
من جانبها، أكدت حركة حماس على لسان القيادي فيها محمود مرداوي، أن عمليات المقاومة في الضفة لن تتوقف رغم عدوان الاحتلال وملاحقة أجهزة السلطة الأمنية للمقاومين، موضِحاً أن ما تقوم به أجهزة أمن السلطة في جنين هو محاولة لإنهاء حالة المقاومة عبر تصفية واغتيال المقاومين الذين يواجهون الاحتلال.
أمّا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أكّدت في بيان لها أن الحملة الأمنية الواسعة التي تشنها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ضد أفراد المقاومة تشكِّل تجاوزاً خطيراً للخطوط الحمراء، مطالِباً بتشكيل لجنة وطنية لمحاصرة الفتنة وتداعياتها بما يحفظ السِلمَ الأهليّ والمجتمعي.
الاحتلال المستفيد الأكبر
فريد أبو ظهير المحلّل السياسيّ وأستاذ الإعلام في جامعة النجاح بمدينة نابلس، رأى أن السلطة الفلسطينية من خلال قيامها بالحملة في مخيم جنين تحاول كسبَ المرحلة المقبلة بوجودها وضمان بقائها دون اندثارها.
وقال أبو ظهير خلال حديثه لـ"الاستقلال" إن: "السلطة الفلسطينية تتعرّض لضغوطٍ إقليمية وعربية ودولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ لإثبات قدرتها على ضبط الأمن في الضفة وإثبات قدرتها على إدارة قطاع غزة مقابل وجودها".
وأضاف: "لم يعُد أمام السلطة سوى خيار الذهاب إلى تحدٍّ؛ لإثبات قدرتها على إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني وفرض حضورها والسيطرة الكاملة على الضفة وغزة، وفقَ الرؤيا الأمريكية والإسرائيلية".
وشدّد على أن ما تقوم به السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن، هو مخطّط إسرائيليّ أمريكيّ قديم، حيث وضع شرطًا في اتفاق أوسلو بأن تقوم السلطة بضبط الأمن في الضفة وغزة مقابل وجودها".
ووفقَ المحلّل، فإنه ليس من الحِكمة قيام السلطة الفلسطينية بحملةٍ في مخيم جنين ومواجهة مسلّحة، خاصة في ظلّ هجمة شرسة يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولا يستبعد حدوث منعطفات خطيرة من شأنها تعزيز الانقسام السياسي، وإحداث انقسام مجتمعي عميق جداً، على غِرار انهيار كثير من الأنظمة السياسية العربية التي استخدمَت لغة القوة وليس الاحتضان في التعامُل مع أيّة متناقضات داخلية.
وأكد أن الاحتلال هو المستفيد الأكبر ممّا يجري في مخيم جنين، من خلال تحقيقه مكاسبَ تتجلّى في وأد المقاومة ونزع سلاحها.
وأْدُ المقاومة
الكاتب والمحلّل السياسيّ سامر عنبتاوي، أكد أن تخلّي السلطة الفلسطينية عن فكرة الحوار والوحدة الوطنية مع المجموعات المسلّحة في جنين وانتقالها لفكرة الصِدام كخيارٍ أساسيّ؛ سيولِّد إشكاليات كبيرة لا تُحمَد عُقباها.
ورأى عنبتاوي، في حديثه لـ"الاستقلال" أن المشكلة في الوضع الفلسطيني تتركّز في قضيتين أساسيتين، هي غياب القيادة الموحدة للشعب الفلسطيني التي تستطيع تحديد خياره من حيث متى يقاوم بالسلاح أو يلجأ للمقاومة الشعبية، وغياب الرؤيا الفلسطينية للمستقبل، ما يُولِّد صِداماً واضحاً في الداخل الفلسطيني بين اتجاهين.
وأشار إلى أن الاتجاهات هي شعبٌ يريد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وسلطةٌ تريد تهدئة الأمور والاتفاق مع "إسرائيل" لعدم وصول الأمور لصِدامات، مشدداً أنه في ذلك الوضع فإن السلطة تقع في فخ، بتحويل الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال إلى صراع فلسطيني داخلي، بخلق فجوة بينها وبين المقاومة والشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن الخاسر من الصدامات الداخلية هو الفلسطيني، والمستفيد هو الاحتلال، حيث يريد تكريس سياسات جديدة في الضفة ووأْد المقاومة بأيدٍ فلسطينية، مؤكداً على أن خطورة ما يحصل أن هذه التوجهات تأتي بعد محاولة تدمير مشاريع مقاومة الاحتلال في الدول العربية، واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولفت إلى أن كلّ الخلافات الداخلية والانقسام الفلسطيني وغياب رؤية واضحة يُنتِج خللًا في التركيبة الداخلية بين أطراف مختلفة.
وأشار إلى الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لأحداث مخيم جنين، قائلًا: "مَنْ يتقاتلون هم أبناءُ شعبٍ واحدٍ وبلدٍ واحد، لذلك سيحدث شيءٌ لا تُحمَد عُقباه؛ يؤثر على النسيج المجتمعيّ وعلى الثقة بالقيادات ويدهور الوضعَ الاقتصادي، لذا تجب معالجة الأمور برصِّ الصفوف والتوقف عن المواجهات والذهاب إلى حوارٍ وطنيّ بشكلٍ فوريّ للخروج من المأزق".
التعليقات : 0