غزة/ معتز شاهين:
اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، خطوة تكشف الوجه الحقيقي لسياساته العنصرية التي تهدف لإنجاز مهمتها في تدمير النظام الصحي كلّيًا وإخراجه عن الخدمة، وفرض ظروف معيشية مُمِيتة تؤدّي إلى هلاك المواطنين وحرمانهم من الرعاية الطبية المُنقِذَة للحياة؛ ممّا يفضح ذلك الادّعاءات الزائفة التي يروّجها الاحتلال حول احترام حقوق الإنسان.
ولم يقتصِرِ العدوانُ على تدمير المنشآت، بل شمل أيضاً قتل واعتقال الكوادر الطبية، ممّا يكشف عن استراتيجية واضحة لضرب القطاع الصحي بشكلٍ كامل.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، السبت الماضي، أن مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة "صار خالياً"، عقب عملية عسكرية "إسرائيلية"؛ أدّت إلى خروج آخر مرفق صحيّ كبير في شمال قطاع غزة عن الخدمة.
وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة: "إن مستشفى كمال عدوان صار خالياً الآن، حيث نُقِلَ منه 15 مريضاً في حالةٍ حرِجَة، و50 من مُقدِّمِي الرعاية، و20 من العاملين في مجال الصحة إلى المستشفى الإندونيسي الذي يفتقر إلى المعدّات والإمدادات اللازمة لتوفير الرعاية الكافية."
والجمعة الماضي، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان، قبل أن يُضرِمَ النار فيه ويُخرجه تماماً عن الخدمة، ولم يكتفِ بذلك، بل احتجز أكثر من 350 شخصاً كانوا داخله، بينهم 180 من الكوادر الطبية و75 جريحاً ومريضاً ومرافقيهم، واقتادهم إلى جهة مجهولة، حسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
ولاحقاً، أفرجت قوات الاحتلال عن نحو 400 شخص، بينهم كوادر طبية كانت قد اعتقلتهم لدى اقتحامها للمستشفى، في حين أبقت مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية رهنَ الاحتجاز دون الإفصاح عن أيّةِ معلوماتٍ بشأنه.
ومنذ اجتياح جيش الاحتلال لشمال القطاع في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والمتزامن مع حصار عسكريّ مطبق، تعرّض المستشفى لعشراتٍ من عمليات الاستهداف بالصواريخ والنيران.
وتسبّبت هذه العملية في خروج المنظومة الصحية عن الخدمة بشكلٍ شبه كامل، فضلاً عن توقُّف عمل جهاز الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني؛ إذ يحاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات الثلاث الموجودة هناك، وهي: "الإندونيسي" و"العودة" بجباليا و"كمال عدوان" في منطقة مشروع بيت لاهيا، ويحُول دونَ وصول الأدوية والمستلزمات الطبية إليها.
شهاداتٌ قاسية
وأبرزت شهادات النازحين من المرضى والأطباء الذين كانوا موجودين في مستشفى كمال عدوان أثناء اقتحامه من قِبَل جيش الاحتلال، مشاهدَ الفوضى والدمار التي خلّفها استهداف المشافي.
وتحدّثوا عن معاناة المرضى الذين تُرِكوا بلا علاج، وعن الأطباء الذين وجدوا أنفسهم عاجزين أمام انهيار المنظومة الصحية، وافتقارها في تقديم الدعم اللازم في ظلّ القصف المتواصل.
وأكّد كادر المستشفى الميداني في مستشفى كمال عدوان أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شنَّ هجومًا واسعًا على المستشفى والمباني المحيطة به، حيث بدأ الهجوم في ساعات الفجر من يوم السبت.
وقالت شروق الرنتيسي، وهي إحدى أعضاء الكادر الطبي: "قام الجيش بحرق أرشيف المستشفى، ما أسفر عن امتداد النيران إلى باقي أقسام المستشفى."
وذكرت الرنتيسي في حديثها لصحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، أن قوات الاحتلال منعت النساء من مغادرة المستشفى إلّا بعد تفتيشهن قسرًا، حيث طلب الجنود منهن خلعَ الحجاب، وهو ما قُوبِلَ برفضٍ قاطعٍ من قِبَل الكادر الطبي، بالإضافة إلى مطالبة الجنود للأطفال تحت سن 15 عامًا بالتوجُّه معهم إلى مدرسة الفاخورة؛ للتحقيق معهم.
وتابعت: "رفضَ الأهالي السماح للأطفال بالمغادرة بمفردهم، وتمّ تنظيم خروج الأشخاص على دفعات، حيث تمّ نقل مجموعة من 20 شخصًا في البداية، مع استمرار رفض النساء خلعَ ملابسهن خلال التفتيش؛ ما أدّى إلى تعرّض بعضهن للضرب من قِبَل الجنود."
وأشارت الرنتيسي إلى أن الدكتور حسام أبو صفية، مدير المستشفى، تمّ استدعاؤه من قِبَل الجنود، وأبلغ الطاقم الطبي بقرار إخلاء المستشفى بسبب حصار الاحتلال له، مردفاً: "قمنا بإخلاء المستشفى بشكلٍ تدريجي، حيث غادر معظم الكادر الطبي وتوجهوا إلى المستشفى الإندونيسي؛ لكونه المرفق الأخير والقريب من المكان."
وتهدف ممارسات الاحتلال بحقّ المراكز الصحية والمستشفيات إلى إخلاء شمال قطاع غزة من معالم الحياة بالكامل، حيث يعمل على إجبار السكان على النزوح من مناطقهم باستخدام الترهيب والدمار الشامل.
وتصاعدت الدعوات لتصنيف هذه الممارسات كجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، خاصة في ظلّ الاستهداف المباشر للمنشآت الطبية والسكان المدنيين، ومع ذلك، يواصل المجتمع الدولي صمته المُريب تجاه هذه الانتهاكات التي تُرتكَب على مَرأَى ومسمَع من العالم.
تقويضٌ للمستشفيات
بدوره، أكّد رئيس شبكة المنظمات الأهلية، أمجد الشوّا، أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهداف المنظومة الصحية في شمال قطاع غزة؛ بهدف تدميرها وإخراجها عن الخدمة.
وقال الشوّا في حديثٍ خاص مع صحيفة "الاستقلال"، يوم الأحد، إن هجوم الاحتلال على مستشفيات شمال قطاع غزة يشكّل تهديدًا لحياة السكان في المنطقة، حيث يسعى الاحتلال لتحويل الشمال إلى منطقة عسكرية خالية من السكان، كما يحدث حاليًا في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا.
وأضاف أن الوضع في المستشفيات يتدهور بشكلٍ خطير، خاصة في ظلّ نقص الإمدادات الطبية والغذائية، مع وجود عشرات المرضى والجرحى الذين لا يتلقون العلاج، مشيرًا إلى أن مستشفى كمال عدوان تمّ إخلاؤه بالكامل وحرقه، فيما تتعرّض المستشفيات الأخرى لمخاطرَ مشابهة.
وطالب الشوّا المجتمعَ الدولي بتوفير حماية للمستشفيات والطواقم الطبية، كما دعا المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية، مؤكدًا أن الاعتداء على المستشفيات والطواقم الطبية يُعدُّ جريمة وانتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية.
في غضون ذلك، تواصلت الإدانات العربية لإحراق جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، وإجبار المرضى والكوادر الطبية على إخلائه، واعتبرته جريمة بشعة وتصعيداً خطيرًا.
وبدعمٍ أميركيّ ترتكب "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة خلّفَت أكثر من 153 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمارٍ هائلٍ ومجاعةٍ قتلت عشرات الأطفال والمسنِّين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
"إحراقُ المستشفيات".. استراتيجيّةٌ "إسرائيليّةٌ" لتقويضِ النّظامِ الصحِيِّ في شمالِ غزّة
![](https://alestqlal.ps/thumb.php?src=./admin-assets/uploads/imgnews/2025/01/01/a0bee485ba6ae91e0fade770c3b21ba2.jpg&size=750x400)
تقارير وحوارات
التعليقات : 0