"التعذيبُ والتصفيَة" في السجون.. سياسةٌ "إسرائيليةٌ" مُمنهَجَةٌ للنَيْلِ من الأسرى
غزة/ خالد اشتيوي:
تحقيقٌ، تنكيلٌ، تعذيبٌ وضربٌ وتحرُّشٌ جنسيٌّ وشَبْح، معاملةٌ حاطَّةٌ بالكرامة، إخفاءٌ قسريّ ودروعٌ بشرية، إهمالٌ طبيٌّ وقتْلٌ متعمَّد، هكذا يتعامل جيش الاحتلال مع المعتقلين من قطاع غزة، في انتهاك صارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، حيث يواصل الاحتلال ارتكاب أبشع وأفظع الجرائم بحقّ الأسرى الفلسطينيين؛ الأمر الذي أدّى لارتقاء عددٍ كبيرٍ منهم شهداء بفعل تلك الممارسات الوحشية.
وتعكس هذه الممارسات خطّة الاحتلال الممنهجة ونيته المُبيَّتَة في التنكيل بالأسرى وتصفيتهم، والتي تشهد تصاعُداً كبيراً مع استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة.
وأعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، ونادي الأسير الفلسطيني، يوم الإثنين من هذا الأسبوع، عن استشهاد أربعة معتقلين من غزة، هم: محمد رشيد عكّة (44 عاماً) وسمير محمود الكحلوت (52 عاماً) وزهير عمر الشريف (58 عاماً) ومحمد أنور لبّد (57 عاماً)؛ ليرتفع عدد الشهداء المُعلَن عنهم خلال 24 ساعة فقط إلى 5 شهداء.
فيما وصل عدد الأسرى الذين تمّت تصفيتهم جرّاء سياسات الاحتلال الإجرامية المتعمّدَة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 54 أسيرًا.
كارثةٌ مُتصاعِدَة
وجاء في بيان هيئة الأسرى ونادي الأسير، إنّ ما يجري من ارتفاع في أعداد الشهداء الأسرى هو كارثة إنسانية متصاعدة، وتأكيد جديد على ما تمَّ التحذير بشأنه، من أن الاحتلال يعمل على تصفية الأسرى بشكلٍ ممنهَج وعلنيّ.
وشدّدت الهيئة والنادي، على أنّ عامل الزمن اليوم يشكِّل الحاسم الأساس لمصير الأسرى، مع استمرار الجرائم الممنهَجَة وعلى رأسها جرائم التعذيب -غير المسبوقة- بمستواها وكثافتها، والتي ستؤدّي إلى نتيجة واحدة فقط هو استشهاد المزيد من الأسرى والمعتقلين.
قتْلٌ مُتعمَّد
من جهته، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، إن ذوي الأسرى الخمسة الذين تمّ الإعلان عن استشهادهم يومَيْ الأحد والإثنين، أكّدوا جميعًا أن ذويهم كانوا بصحةٍ "ممتازة"، ممّا يدلِّل بشكل واضح على أن استشهادهم جاء نتيجة ما يمارسه الاحتلال بحقهم من ضربٍ وتعذيبٍ وتجويعٍ وقتْلٍ مُتعمَّد.
وأضاف فارس لـ "الاستقلال" أن الدليل على صحة الاستنتاج بأن استشهاد الأسرى يكون بسبب التعذيب والتنكيل في سجون الاحتلال، هو ما جرى لشهداء الضفة الغربية من الأسرى؛ حيث أثبتت نتيجة التحقيقات بعد تشريح جثامينهم أن استشهادهم كان لسببٍ من اثنين، إمّا التعذيب والضرب، أو الإهمال الطبيّ.
وأشار فارس إلى أن 54 أسيراً ارتقوا شهداء داخل السجون منذ شَنّ الاحتلال لحرب الإبادة في السابع من أكتوبر 2023 وهو عدد كبير جدًّا.
وأضاف أن هذا العدد فقط من المعلومة هُويّاتهم في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري بحقِّ المئات من معتقلي من غزة، وليشكِّل هذا العدد لشهداء الحركة الأسيرة الأعلى تاريخياً في مرحلة هي الأكثر دموية، وليرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 المعلومة هُويّاتهم، إلى 291 شهيداً.
ودعا فارس جميع أبناء الشعب الفلسطيني إلى هَبّة؛ لنجدة الأسرى والأسيرات، وإطلاق حركة شعبية ينخرط فيها الجميع من أجل وقف المجزرة في قطاع غزة، والجرائم التي تُرتكَب بحقّ الأسرى.
إخفاءٌ قسريّ
في السياق، كشف رئيس نادي الأسير عبد الله زغاري عن أن الاحتلال يُنفِّذ سياسة حجب المعلومات عن أسرى غزة، في ظل الردود السلبية من مصلحة السجون عندما تتوجّه الطواقم القانونية للاستفسار عن المعتقلين.
وبيّن زغاري أن المعتقلين يواجهون سياسة الإخفاء القسري؛ ممّا يزيد من صعوبة الحصول على معلومات حولهم، مؤكِّداً على أن الاحتلال لم يُفصِح عن أيّةِ معلوماتٍ دقيقة بشأن أسرى غزة حتى الآن.
وأشار إلى أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال الذين اعترفت بهم إدارة السّجون حتى نهاية عام 2024 بلغ ما يُقارب عشرة آلاف و300 أسير، فيما تواصل فرض جريمة الإخفاء القسري بحقّ المئات من مُعتقلِي غزة في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
ولفت إلى أنه من بين الأسرى هناك (89) أسيرة، وما لا يقل عن (345) طفلًا، و(3428) معتقلًا إداريًّا.
انتهاكٌ صارِخ
بدوره، أكّد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي أن هناك انتهاكاتٍ عديدةً يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيّون داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ لحظة اعتقالهم، حيث يتعرّضون للتنكيل والتحرُّش والضرب والاعتداء والتعذيب والمعاملة المُهينة والحاطّة بالكرامة، واستخدامهم كدروعٍ بشرية، عدا عن اقتيادهم إلى أماكنَ مجهولة وحرمانهم من المحاكمة العادلة والتمثيل القانونيّ، وعدم التمتُّع بأبسط حقوقهم الإنسانية، في تكريس لجرائم الاختفاء القسريّ.
وبيّن عبد العاطي في حديثه لـ"الاستقلال" أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة جرائم التعذيب والإهمال الطبيّ تسبّبت في تصاعُد جرائم القتل داخل السجون الإسرائيلية، والتي كان آخرها استشهاد 5 معتقلين من غزة جرّاء تعرّضهم للتعذيب والتنكيل.
وأشار إلى أن استمرار الجرائم الإسرائيلية بحقِّ المعتقلين الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال تمثِّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيّما أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيّين وقت الحرب، واتفاقية جنيف الثالثة لحماية أسرى الحرب، ومعايير ومواثيق حقوق الإنسان.
ضوءٌ أخضَر!
وأكّد عبد العاطي على أن استمرار العجز والتقاعُس الدوليّ لوقف جرائم حرب الإبادة الجماعية بحقِّ المدنيين الفلسطينيين للشهر الخامس عشر، وتعاميها عن جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب والحرمان من الحقوق وسوء المعاملة بحقِّ الأسرى، ما هو إلّا ضوءٌ أخضرٌ لـ"إسرائيل"؛ لاستكمال جرائمها وتصعيدها ضاربةً بذلك عرض الحائط القوانين والاتفاقيات الدولية.
وحمّل الاحتلال الإسرائيلي المسؤوليةَ الكاملة عن حياة الأسرى والمعتقلين، وخاصة المرضَى والجرحَى والكوادر الطبية الذين كانوا في مستشفى كمال عدوان بعد انقطاع التواصُل معهم واقتيادهم إلى أماكنَ مجهولة.
وأضاف إلى أن شهادات الأسرى المُفرَج عنهم تُثبت أنهم خضعوا للتحقيق والتنكيل والتعذيب والتحرُّش الجنسيّ والضرب والشبْح والمعاملة الحاطّة بالكرامة، ومن بينهم المرضَى والجرحَى والأطقم الطبية، ومنهم مدير مستشفى كمال عدوان الدكتور حسام أبو صفية.
وعبّر عن خشيته على حياة المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة معتقلِي قطاع غزة وحياة الدكتور حسام أبو صفية ومَنْ تمّ اعتقالهم في مستشفى كمال عدوان، مطالباً بضرورة توفير الحماية الدولية اللازمة لهم، ومتابعة مُجرَيات اعتقالهم، والكشف عن أوضاع المعتقلين من قطاع غزة في السجون الإسرائيلية، ومعرفة أماكن وجودهم، ومتابعة حالتهم الصحية وضمان التمثيل القانوني لهم.
وطالب عبد العاطي بإرسال لجنة تحقيق دولية؛ للتحقيق في جرائم الاختفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والقتل والإهمال الطبيّ داخل سجون الاحتلال ومعسكراته التي تعرّض فيها الأسرى
لأبشع أنواع التعذيب والإهانة والتنكيل والتحرُّش والاغتصاب والإهمال الطبيّ ومنْع الطعام والدواء والاعتداءات الجسدية المتكرِّرة.
التعليقات : 0