تصريحاتُ "سموتريتش".. كشْفٌ للسُعَارِ والتحريضِ "الإسرائيليّ" على الضفة

تصريحاتُ
تقارير وحوارات

الضفة المحتلة/ معتز شاهين:

تعكس التصريحات الإسرائيلية المتصاعدة، وخصوصاً الصادرة من وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموتريتش"، المنتمي لتيار أقصى اليمين الداعية إلى التشجيع على سياسة "الإبادة الجماعية" في الضفة كما يحدث في قطاع غزة، حالة السُعَار والتحريض الكبيرة التي تتعرّض لها مُدن الضفة الغربية المحتلة؛ الأمر الذي يُثير تخوّفات الفلسطينيين من إقدام الاحتلال على ارتكاب إبادة جماعية فيها على غِرار ما يحدث في غزة منذ أكثر من عام.

 


هذه التصريحات ليست الأولى من نوعها، وإنْ كانت تتصاعد مع كلّ عملية تنجح فيها مجموعات المقاومة بتنفيذها، وكان آخرها عملية «الفندق» التي قُتِلَ فيها ثلاثةُ مستوطنين، فإنها هذه المرة فاقت المُتوقَع، فحجمها وطبيعة الجهات التي تصدر عنها وكثافتها وما تلاها من لقاءات واجتماعات أمنية إسرائيلية واستيطانية جعلت المواطنين يشعرون بالقلق الشديد.


ويرى مراقبون في أحاديثهم مع "الاستقلال"، أن ما جرى بعد السابع من أكتوبر في قطاع غزة من قتلٍ وتدميرٍ عزّز من اندفاع حكومة الاحتلال نحو تبنِّي مواقف أكثر تطرُّفاً تجاه الفلسطينيين، في ظلّ حالة من الصمت الدوليّ وعدم اتخاذ إجراءات رادِعة.


وفي تصريحاتٍ سابقة، دعا "سموتريتش" إلى تنفيذ الإبادة الجماعية والتطهير العِرقي بحقّ الفلسطينيين في مدينتَي نابلس وجنين شمالي الضفة الغربية، على غِرار ما تقوم به "تل أبيب" في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.


وقال "سموتريتش" في تصريحاته: "يجب أن تكون بندق (بلدة فلسطينية) ونابلس وجنين مثل جباليا، حتى لا تصبح كفار سابا مثل كفار غزة".


في حين، دعا رئيس جهاز الأمن الإسرائيليّ العامّ (الشاباك) رونين بار، إلى شنّ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما أورد تقرير، الخميس.


وذكرت القناة الإسرائيلية (12) أن بار قال في اجتماعٍ للمجلس الوزاريّ الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت)، عُقِدَ مؤخّراً، إن "الانخفاض الكبير في العمليات المُنفَّذَة في الضفة الغربية مُخادِع".


وأضاف بار أن المعطيات التي تُفيد بانخفاض العمليات، "لا تعكس حجمها على الأرض"، على حدِّ وصفِه.

 

وتأتي هذه التصريحات في وقتٍ يكثف فيه جيش الاحتلال هجماته على مخيم جباليا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث يشنّ قصفاً دمويّاً متواصلاً وحصاراً مشدّداً يتسبّب بمنع إدخال الغذاء والماء والدواء؛ بهدف إجبار سكان المخيم على النزوح جنوبًا.


وفي السياق، أكّد تقرير دوري للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن ما تُسمَّى بـ "دولة سموتريتش" اكتملت في الضفة الغربية المحتلة، بعد سلسلة من التحوّلات الواسعة التي شهدتها المنطقة منذ تشكيل حكومة الاحتلال الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، بالشراكة مع المتطرفَيْن بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.


وأشار التقرير إلى أن حكومة الاحتلال تعمل على رسْمِ مشهدٍ جديدٍ في الضفة الغربية، حيث تسعى إلى حشر الفلسطينيين في معازلَ مُحاطَة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية من جميع الاتجاهات؛ ممّا يعكس تصعيداً في سياسات الاستيطان والاستهداف الممنهج لوجود الفلسطينيين في المنطقة.


تزايُد المخاوف


بدوره، أكّد الكاتب والمحلِّل السياسي عدنان الصباح أن تصريحات "سموتريتش" ليست جديدة، حيث سبق له أن دعا إلى إحراق بلدة حوّارة، والتحريض على إبادة الفلسطينيين في جنين.


وقال الصباح لـ"الاستقلال": "إن هذه التصريحات تأتي في وقتٍ حسّاس بعد أحداث السابع من أكتوبر، في ظلّ التصعيد العسكري في قطاع غزة؛ ممّا شجّع حكومة الاحتلال على تبنّي سياسات أكثر تطرّفاً تجاه الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية".


وشدّد على أن الترويج لـ"سابع أكتوبر" في الضفة الغربية؛ يأتي بهدف خلْقِ مبرّرات لتكثيف وتوسيع العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية بشكلٍ عام، وشمال الضفة الغربية بشكلٍ خاص.


وأعرب الصباح، عن قلقه من تصاعُد العنف ضدّ الفلسطينيين، مشيراً إلى هدْمِ أكثر من 3,000 منزل واستشهاد 800 فلسطيني واعتقال 12,000 آخرين في الضفة المحتلة منذ معركة "طوفان الأقصى".


وشدّد على أن الفلسطينيين لا خيار لهم سوى المقاومة؛ ممّا سيؤدّي إلى توسيع حرب "طوفان الأقصى" وتحوُّلها إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.


وأوضح أن تصعيد الاحتلال في مناطق شمال الضفة الغربية، التي تضمّ مساحاتٍ زراعية خصبة، وتُعدُّ من أكبر المناطق الفلسطينية؛ يهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها الفلسطينيين، مُحذّراً من أن الاحتلال يزرع الخوف في نفوس المواطنين في محاولة لإجبارهم على ترْكِ أرضهم والبحث عن ملاذاتٍ آمنة خارج فلسطين.

 

وأشار الصباح إلى أن الاحتلال يعمد إلى إطلاق "بالونات اختبار" عبر التصريحات والتسريبات التي تتطوّر من آراء شخصية إلى سياسات رسمية، كما حدث في شمال قطاع غزة عندما تحوّل اقتراح "خطة الجنرالات" إلى فعلٍ عسكريّ رسميّ.


وتوقّع الصباح أن تتحوّل تصريحات سموتريتش إلى واقعٍ عمليّ على الأرض في المستقبل القريب، في ظلّ الرغبة الإسرائيلية الكبيرة في السيطرة بشكلٍ كاملٍ على الضفة، خصوصاً مع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي يدعم سياسة الاحتلال في ذلك.


نهجٌ "إسرائيليّ"


من جهته، أكّد الكاتب والمحلِّل السياسي عصمت منصور أن تصريحات سموتريتش الأخيرة ليست جديدة، بل تعكس استمراراً في نهج إسرائيليّ يسعى إلى القضاء على الوجود الفلسطيني ماديّاً وبشريّاً.


وأضاف منصور لـ"الاستقلال" أن سموتريتش يتبنّى رؤية تقضي بالسيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية مع تقليص حقوق الفلسطينيين إلى مستوىً دونيّ.


وأشار منصور إلى أن سموتريتش يستغل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، خاصة مع دعم الرئيس الأمريكي القادم ترامب للسياسات الإسرائيلية؛ لتعزيز مخططاته عبر أيِّ تصعيد أمني أو عمليات فدائية، لافتاً إلى أن المؤسّسات الحقوقية والمنظمات الدولية لم تتمكّن من التأثير بشكلٍ فعّال على سلوك حكومة الاحتلال؛ ممّا يزيد ذلك من تصعيد الاحتلال في المنطقة.


أمّا عن الآثار القانونية لهذه التصريحات، فقد أكّد منصور أن هذه الدعوات قد تُعدُّ تحريضاً على ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، بما في ذلك التحريض على الإبادة الجماعية، وهو ما يعاقب عليه القانون الدولي، مذكِّراً بأن "إسرائيل" تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة الجنائية الدولية، مع دعوات لمحاكمة قادتها.

التعليقات : 0

إضافة تعليق