غزة/ دعاء الحطاب:
وسط الجحيم المستمر الذي يعيشه أهالي قطاع غزة منذ 19 شهراً، لم ينفك جيش الاحتلال الاسرائيلي عن استخدام شتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا لحصد أرواح الأبرياء والمدنيين العزل، فمن الطائرات والصواريخ والمدافع الى ابتكار أدوات قتل صامتة ومخيفة، تغزو الأحياء وتزرع الموت في تفاصيل الحياة اليومية.
ومع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية وتصاعد العمليات العسكرية بالقطاع، تكشف نوع جديد من الأسلحة الفتاكة بشوارع غزة وأزقتها، تتحرك بصمت وتدمر وتقتل بشكلٍ مُفاجأ، وباتت تعرف بين الأهالي بـ "الروبوت المتفجر".
ويذكر أن الروبوت المتفجر عبارة عن مدرعة قديمة أعادت "إسرائيل" استخدامها بعدما خرجت من الخدمة عام 2014، لكن بصيغة أكثر فتكاً ورعباً، حيث تُركت وسط أحد الأحياء السكنية المدنية لساعات وربما أيام، قبل أن يتم تفجيرها عن بعد بشكل مفاجئ، مخلفة دمارا هائلاً وهلعاً لا يوصف.
ومنذ إعلان الاحتلال عن توسيع عملياته ضمن ما يعرف بـ "عملية عربات جدعون" مؤخراً، اشتكى سكان غزة، وخاصة في شمال القطاع، من الانتشار المتزايد لاستخدام هذه الروبوتات المتفجرة بشكل شبه يومي.
وتشهد معظم مناطق القطاع عمليات نسف واسعة، يُسمع صداها من محافظة لمحافظة، من شدة الاهتزازات والتفجيرات التي تُحدثها.
ومن المناطق التي تتعرض لنسف الروبوتات، شمال القطاع خاصة بيت لاهيا وجباليا وبلدة خزاعة شرقي خانيونس، كما تعرضت رفح لتفجيرات واسعة من هذا النوع، تسببت بمحو معظم معالمها.
تكنولوجيا قتل باردة
"كنا قاعدين أمنيين في بيوتنا، فجأة سمعنا صوت غريب لم نسمعه من قبل، لا هو صوت طيران ولا قصف، تسللت للنافذة بهدوء لأرى ما يحدث حولنا، لأتفاجأ بوجود دبابة صغيرة على رأس الشارع، حينها حُبست أنفاسنا من شدة الرعب، وبقينا نترقب مصيرنا"، هكذا بدأ المواطن أبو محمد جندية (50عاما) حديثه لـ "الاستقلال"، مُعرباً عن حالة الرعب التي سيطرت عليه وعائلته أثناء مُحاصرتهم بحي التركمان شرقي مدينة غزة.
ويُتابع جندية بصوتٍ مُرتجف: "أمضينا الليل بطوله ننتظر ماذا ستفعل الدبابة، لكنها لم تُحرك ساكن، مع الساعة الثالثة فجراً بدأت بالتحرك بشوارع المُخيم، وفجأة وبدون انذار حدث انفجار ضخم جداً، دُمر على إثره خمسة بيوت دفعة واحدة، وأوقع عشرات الشهداء والجرحى"، مستدركاً:" نجونا من الموت بأعجوبة بعد انهيار نصف المنزل على رؤوسنا".
وأضاف خلال حديثه لـ "الاستقلال":" كنا نظنه دبابة صغيرة، لكن تبين لاحقاً انه روبوتاً يحمل براميل من المتفجرات"، وبعد لحظات من الصمت يُكمل:" فجروه وسط البيوت بدون رحمة، دون التميز بين المدانين والمُقاومين، فجروا المنطقة عن بعد كأنها لعبة!!، هاي مش حرب هاي تكنولوجيا قتل باردة".
وأردف بألم:" وقتها ما كان في تحذير ولا صاروخ ولا حتى صوت زنانة، صرنا نخاف من الهدوء، لأنه وراء كُل هدوء في شيء مُفجع".
وأكد أن جيش الاحتلال يتعمّد تفجير الروبوتات ليلًا، حين يكون الناس نيامًا، لإحداث أقصى درجات الذعر وحصد أرواح أكثر في وقت أقل.
قنبلة نووية صغيرة
ومع حلول ساعات المساء من كُل يوم، تعيش المواطنة أم أكرم أبو رزق (29عاماً)، حالة من الخوف والذعر الشديد من أصوات الانفجارات العنيفة الناجمة عن تفجير الروبوتات الإسرائيلية المُفخخة بمدينة رفح جنوب القطاع.
وتقول أبو رزق النازحة بمنطقة مواصي خانيونس:" سمعت كثيراً عن تفجير الاحتلال روبوتات مفخخة، لكنني لم أتخيل للحظة حجم الرعب الناجم عنه الا حينما حصرنا الاحتلال بمنطقة تل السلطان قبل ثلاثة أشهر".
بعيونٍ خائفة، أضافت خلال حديثها لـ"الاستقلال":" حينما حاصر الاحتلال حي السلطان فجأة رأينا الروبوت يتحرك في المنطقة، وكنا نظنه دبابة صغيرة او ناقلة جند، كنا نهرب منه وهو يتحرك ببطء في المكان، وبعد ساعة من ابتعادنا عن المنطقة حدث الانفجار".
وتتابع: "كان الانفجار قوي جداً، لم أسمع مثله منذ بدأ حرب الابادة بالسابع من اكتوبر 2023"، واصفةً إياه بـ "قنبلة نووية مُصغرة"، بفعل شدة الانفجار والقوة التدميرية الهائلة التي أحدثها.
وأوضحت أبو رزق، أن الاحتلال يتعمد تفجير عشرات الروبوتات المفخخة في مدينة رفح بشكلٍ يومي، خاصة بساعات الليل ليزرع الرعب والذعر بقلوب النازحين والمواطنين بمنطقة مواصي خانيونس.
وأشارت الى أن أكثر ما يؤلمها هي حالة الهلع التي تُصيب أطفالها بعد كل انفجار، خاصة مع تكرار هذه الانفجارات ليلًا، بأوقات نومهم.
وانهت حديثها قائلة: "حين يكون الروبوت في محيطك، تشعر وكأنك تعيش بجوار الموت مباشرة. تنتظر لحظة التفجير التي قد تأتي بعد يوم أو أسبوع، فيما تخوض حربًا نفسية طاحنة لا يمكن وصفها".
جريمة إبادة جماعية
وبدوره، أكد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أن الاحتلال الإسرائيلي يُوظّف "روبوتات" مُتفجرة، من أجل استهداف المدنيين والمرافق الحيوية، في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي.
وشدد المكتب الإعلامي في تصريح له، على أن هذا الاستخدام يمثل جريمة حرب وفقًا للمادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبر "تعمُّد شنّ هجوم مع العلم بأنه سيسبب خسائر مفرطة في الأرواح أو الممتلكات المدنية" جريمة يُحاسب عليها القانون الدولي.
وبيّن أن استخدام الروبوتات المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان يُشكّل جريمة إبادة جماعية بموجب المادة (6) من نظام روما الأساسي، التي تدرج "إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد جماعة معينة بقصد تدميرها كليًا أو جزئيًا" ضمن جرائم الإبادة.
وأضاف أن تقارير موثقة أكدت استخدام هذه الروبوتات بشكل متعمد لإحداث قتل جماعي وتدمير واسع في مناطق محددة، من بينها جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون ورفح، في سياق حملة منظمة تستهدف المدنيين.
وحمّل المكتب الإعلامي الاحتلال والدول الداعمة له، المسؤولية الكاملة عن الجرائم المرتكبة باستخدام الروبوتات المفخخة، داعياً إلى فتح تحقيق دولي عاجل وشامل في هذه الانتهاكات، وفرض عقوبات قانونية وسياسية على المسؤولين عنها وداعميهم.
كما طالب المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لحماية المدنيين الفلسطينيين من أدوات القتل الجماعي التي يُجرّبها الاحتلال في قطاع غزة، في ظل صمت عالمي مستمر.
قتل بلا تمييز
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن جيش الاحتلال يستخدم الروبوتات المفخخة، المحمّلة بأطنان من المتفجرات، في عمليات قتل وتدمير واسعة بالقطاع، ضمن تصعيد متعمّد لجريمة الإبادة الجماعية بحق السكان الفلسطينيين، من خلال المجازر، والقتل العمد، والتجويع، والتهجير القسري واسع النطاق.
وأوضح أن هذا النوع من الأسلحة محظور بموجب القانون الدولي، إذ يُصنّف ضمن الأسلحة العشوائية التي لا يمكن حصر تأثيرها في أهداف عسكرية فقط. وبسبب طبيعتها، تصيب هذه الروبوتات المدنيين بشكل مباشر، أو تستهدفهم إلى جانب الأعيان المدنية دون تمييز.
وطالب المرصد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لإنقاذ مئات الآلاف من المدنيين بالقطاع خاصة شماله، ووقف مجازر الإبادة التي ترتكبها إسرائيل للعام الثاني على التوالي، إلى جانب فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة لها، ومساءلتها قانونيًا، واتخاذ إجراءات عملية لحماية المدنيين الفلسطينيين.
التعليقات : 0