خطة المساعدات الأمريكية لغزة… بين التلميع السياسي وتثبيت الحصار بغطاء انساني

خطة المساعدات الأمريكية لغزة… بين التلميع السياسي وتثبيت الحصار بغطاء انساني
تقارير وحوارات

غزة / معتز شاهين:
في الوقت الذي تروّج فيه واشنطن لمبادرتها الإنسانية الجديدة لتوزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة، يرى محللون سياسيون أن هذه الخطوة لا تنفصل عن المسار السياسي والعسكري القائم، بل تُستخدم كأداة لشرعنة الحصار، وتلميع صورة الولايات المتحدة في المنطقة، على حساب معاناة الفلسطينيين.
وبينما تؤكد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهدف هو "إيصال الغذاء بأمان"، حذر مراقبون، خلال أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، من أن المبادرة تحمل أبعاداً سياسية تخدم الاحتلال الإسرائيلي، وتُستخدم كوسيلة للضغط على المقاومة، وتكريس واقع ميداني جديد يعمّق الانقسام ويقوّض المشروع الوطني الفلسطيني.
وجدّد السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال، مايك هاكابي، دفاعه عن المبادرة الأمريكية لتوزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة.
وفي مؤتمر صحفي عقده الجمعة في السفارة الأمريكية بالقدس المحتلة، زعم هاكابي أن "الرئيس ترامب يسعى لتوزيع المساعدات في غزة بأمان وكفاءة"، نافياً أن تكون المبادرة مشتركة مع إسرائيل، رغم تأكيده أن تل أبيب "تؤمّن مناطق التوزيع" لأسباب وصفها بالأمنية، بذريعة منع وصول المساعدات إلى المقاومة.
ورغم تأكيدات السفير بأن إسرائيل لا تقوم بتوزيع الغذاء، فإن اقتصار عمليات التوزيع على مناطق تخضع لرقابة الاحتلال وتدخّله الأمني، يثير تساؤلات جدّية حول مدى استقلالية العمل الإنساني، ويعزز الرواية الفلسطينية بأن المساعدات تُستخدم أداةً لتكريس وقائع سياسية على الأرض تحت مظلة إنسانية مضللة.
وادّعى هاكابي، أن "المبادرة مستمرة بغضّ النظر عن وقف إطلاق النار"، مشدداً على أن "الأمن سيبقى أولوية"، في إشارة واضحة إلى أن العملية لا تهدف إلى تخفيف المعاناة بقدر ما تخدم حسابات أمنية وسياسية تتقاطع مع استراتيجية الاحتلال في إبقاء السيطرة على غزة.
ووصف السفير الأمريكي ما تم تداوله بشأن وجود دور إسرائيلي مباشر في توزيع المساعدات بأنه "غير دقيق ومضلل"، مؤكداً أن مشاركة الاحتلال تنحصر – وفق قوله – في "تأمين التوزيع فقط"، وأن "إسرائيل لا تجلب الطعام ولا توزعه، لكنها تدعم الخطة بقوة".

أداة ابتزاز

وصف الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور المبادرة الأمريكية لتوزيع المساعدات الغذائية في غزة بأنها "امتداد وتكامل" مع استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي، وليست مبادرة إنسانية بحتة كما تُصوَّر.
وقال منصور، خلال حديثه مع "الاستقلال"، أمس الأحد، إن هذه الخطة "تستخدم المساعدات كأداة ابتزاز وحصار، وليس كجهد إنساني مستقل"، موضحاً أن قصر عملية التوزيع على جهات بإشراف الاحتلال "يجعلها مشبوهة ويُقصي الجهات الدولية والإنسانية المخوّلة قانونياً بإيصال الدعم".
وأضاف: أن "حصر المساعدات في مناطق عازلة وبعيداً عن وقف إطلاق النار يُشير إلى نية مبيتة لفرض وقائع جديدة على الأرض".
واعتبر منصور أن هذه الخطوة تُشكل خطراً حقيقياً على المشروع الوطني الفلسطيني، مردفاً: إن "ما يجري قد يكون تمهيداً لخلق جسم بديل يتحكم بحياة الفلسطينيين في غزة من خلال لقمة العيش، في ظل غياب أي مؤشرات جدية على نية الاحتلال أو الولايات المتحدة لإنهاء الحرب".
وحول التوتر المعلن بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أشار منصور إلى أن "العلاقة بين الطرفين تمر بمرحلة تغيّر في الأولويات، حيث يبدو أن ترامب بات يفضّل الاستقرار ووقف الحرب بما يخدم مصالحه الانتخابية، في حين يظل نتنياهو رهينة لتحالفاته المتطرفة، ما قد يخلق توتراً، لكنه لن يصل حد القطيعة أو الصدام المباشر".
ولفت المحلل السياسي إلى أن الموقف الأمريكي بدأ يتغير فعلاً، وربما يشكّل عامل ضغط على حكومة نتنياهو، لكن حتى الآن لم يُسمع أي موقف صريح من واشنطن يدين الحرب أو يدعو صراحة إلى وقفها.

توزيع أدوار

بدوره، يرى المحلل السياسي د. عمر جعارة أن المبادرة الأمريكية لتوزيع المساعدات الغذائية في غزة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز البعد الإنساني المعلن، وتأتي في إطار محاولات الولايات المتحدة لتجميل صورتها في الشرق الأوسط، في وقت باتت فيه ممارسات إسرائيل، بقيادة نتنياهو، تقترب من وصف "الإجرام الجماعي" المشابه لما جرى في البوسنة والهرسك.
وقال جعارة لـ "الاستقلال"، أمس الأحد، إن "الولايات المتحدة أدركت أن استمرار الحصار الغذائي في غزة يُظهر ضعفاً أمنياً في إسرائيل، وهو ما ينعكس سلباً على سمعتها، لذلك تحاول من خلال توزيع المساعدات ترميم هذه الصورة، كما فعلت سابقاً في صراعات دولية أخرى".
وأضاف أن نتنياهو "بات عاجزاً عن تحقيق أي انتصار عسكري على المقاومة الفلسطينية رغم مرور نحو عامين على بدء العدوان"، مشيراً إلى أن تصريحات قادة جيش الاحتلال وبعض السياسيين، ومنهم أفيغدور ليبرمان، تعكس إدراكاً بأن الحرب في غزة باتت عبئاً استراتيجياً، وأن استمرارها قد يحتاج إلى عشر سنوات دون جدوى ملموسة.
وأوضح جعارة أن المساعدات الأمريكية تأتي في هذا السياق "كمحاولة لتوزيع الحرب وليس وقفها"، مستدلاً بأن جيش الاحتلال نفسه لا يرى في توزيع الغذاء مهمة عسكرية، بل محاولة لإبقاء سيطرة رمزية في ظل خسائر بشرية ومادية كبيرة يتكبدها الاحتلال في القطاع.
وفي ما يتعلق بتوتر العلاقات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، اعتبر جعارة أن "الولايات المتحدة تحاول فرض إدارة مؤقتة على غزة تحت غطاء إنساني، وهو ما يرفضه الفلسطيني، خشية أن يشكّل ذلك تمهيداً لحكم أمريكي مباشر في القطاع".
وبيّن المحلل السياسي أن المقاومة الفلسطينية فرضت وقائع جديدة على الأرض رغم الدمار، وأن الإسرائيليين أنفسهم يعترفون بأنه لا سبيل لتحرير الأسرى إلا من خلال صفقة تبادل، تشمل انسحاباً كاملاً من غزة، ووقفاً دائماً للحرب، وبدء إعادة الإعمار.
واعتبر أن معركة "طوفان الأقصى" قد تمثل بداية النهاية لحياة نتنياهو السياسية، إلى جانب شركائه في اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.

التعليقات : 0

إضافة تعليق