خطيئة كبرى ..السلطة تكافئ الأسرى والمحررين عن صمودهم بقطع رواتبهم

خطيئة كبرى ..السلطة تكافئ الأسرى والمحررين عن صمودهم بقطع رواتبهم
تقارير وحوارات

غزة / دعاء الحطاب:


رغم ويلات العيش داخل قضبان السجون الإسرائيلية، ومرارة الفراق والحرمان من رؤية أفراد عائلتها والعيش معزولةً عن العالم الخارجي، تكالب عليها سجانها وأبناء جلدتها، فالأول سلب منها حريتها وسنين عمرها والأخر سلب لقمة عيشها وحقها بالحياة الكريمة بقطع راتبها، دون سابقٍ انذار.

 

ففي رحلة البحث عن الوطن، دفعت المحررة بشرى الطويل (32 عاماً) خمسة سنوات من زهرة شبابها، لكنها اليوم تبحث مع عشرات الأسرى والمحررين عن حياة كريمة لم يجدوها داخل الأسر ولا خارجه، عٌقب إقدام السلطة الفلسطينية على قطع رواتب 1612أسير داخل السجون الاسرائيلية وأسرى أخرين تم تحريرهم، في تطاول واضح يمس جوهر حقوقهم المادية والمعنوية.

 

ووفق مصادر مطّلعة، جرى اختيار الأسماء المستهدفة من خلال لجنة مشتركة ضمّت ممثلين عن أجهزة السلطة ووزارة المالية، في حين أرسلت القوائم الكاملة من هيئة شؤون الأسرى والمحررين.

 

وبحسب المعلومات، فإن قرار وقف الرواتب صدر عن وزارة المالية، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، وسط توقعات بأن تستمر هذه الإجراءات خلال الأشهر القادمة بشكلٍ تدريجي، لتطال مزيدًا من الأسرى والمحررين، وصولاً لإيقاف كامل لدفع المستحقات المالية للأسرى.

 

وتأتي هذه الخطوة في ظل ظروف اقتصادية صعبة يواجهها العديد من المحررين وذوي الأسرى الفلسطينيين.

 

"طعنة بعدالة قضيتنا"

 

وتقول المحررة بشرى الطويل خلال حديثها لـ "الاستقلال":" أمضيت ما يقارب خمس سنوات في معتقلات الاحتلال على عدة مراحل، ثَبَتُّ وصبرت ونلت شرف الحرية بكرامة".

 

وتتابع بألم:" رغم معاناتي في الأسر، إلا أن الصدمة الأكبر كانت عند خروجي حيث فوجئت بقطع راتبي دون سابق إنذار، ولم يصرف لي أي شيكل خلال فترة الاعتقال ولا بعدها".

 

وأضافت: "منذ سبع سنوات ونصف وأنا أُعاقب بصمت رسمي مُطبق لا تفسير ولا تبرير فقط هناك حرمان"، مُوضحة أن في كُل مرة تتساءل بها عن سبب قطع راتبها يكون المُبرر أن "مساري بعيد عن مسارهم"، وهذا المنطق يحصر الانتماء لفلسطين ضمن رؤية ضيقة لا تحتمل التعدد والاختلاف.

 

وأكدت أن قطع راتب الأسير والمُحرر هو طعنة في عدالة قضيتهم وتنكراً لتضحياتهم وعبثاً بقيم كانوا يظنوها خطوطاً حمراء، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي الكبير بالضفة الغربية نتيجة الحصار الاسرائيلي والحواجز والعمليات العسكرية اليومية، وحرب الابادة المستمرة بغزة لشهر الـ 19 على التوالي، إضافة لظروف السجن القاهرة التي استشهد فيها عشرات الأسرى، وكل من يتحرر منها يخرج منهكاً ومريضاً.

 

وبينت أن السلطة تريد إيصال رسالة لكل فلسطيني يُقاوم "اسرائيل" ومستوطنيها وجيشها، مفادها:" أن هذا سيكون ثمن مقاومتك، تركك وعائلتك وحيدين دون سند وظهر، ودون مساعدة وعون".

 

وشددت على أن الشعب الفلسطيني لن ينهزم أمام قرارات السلطة والاحتلال، وسيبقي يُدافع عن ثوابته وحقوقه الوطنية، وسينتزع حقه من فكي الاحتلال والسلطة التي تُوهمنا بأن الأسرى والشهداء خط أحمر ، ومن ثم نكتشف أنها مجرد شعارات لا تمس للواقع بشيء.

 

خطيئة كبرى

 

وبدوره، حذر رئيس هيئة شؤون الأسرى المحررين السابق، قدورة فارس، من التداعيات الخطيرة لقرار السلطة الفلسطينية بقطع رواتب (1612) أسيراً ومحرراً، مؤكدًا رفضه الشديد لهذا القرار الذي يمس حقوقهم المادية والمعنوية، وينتقص من تضحياتهم ومكانتهم الوطنية.

 

وأوضح فارس لـ"الاستقلال"، أن هذا القرار يأتي ضمن تنفيذ المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 10 فبراير 2025، الذي ألغى قانون الأسرى والمحررين ولوائحه، ما سيؤدي إلى إخضاعهم لتصنيفات اجتماعية تُقيَّم إداريًا لتحديد استحقاقهم للمساعدة.

 

ووصف القرار بأنه "خطيئة كبرى" يجب التراجع عنها فوراً، لأن قضية الأسرى والشهداء والجرحى من القضايا الجوهرية للشعب الفلسطيني، التي تعد أحد أهم الثوابت الوطنية، خاصةً ونحن مازلنا نعيش تحت الاحتلال، ونخوض معركة نضالية تهدف إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال.

 

واعتبر المساس برواتب الأسرى والشهداء والجرحى وقطعها، بمثابة تخلي عن العقد الأخلاقي والإنساني القائل بأن هذه الأسر يجب أن تعيش حياة كريمة.

 

وطالب فارس بضرورة إعادة العمل بالقوانين واللوائح التي تضمن كرامة الأسرى والمحررين وحقوقهم المالية والاجتماعية، مؤكداً على أن الحفاظ على حقوقهم واجب وطني وأخلاقي لا يحتمل التأجيل.

 

ودعا الفصائل الفلسطينية والأطر والقوى المنظمة والمؤسسات الحقوقية وعائلات الشهداء والأسرى، إلى توحيد الجهود والتحرك الجاد لوقف وإلغاء مرسوم قطع الرواتب، الذي بموجبه بالتدريج سيتم قطع رواتب الأسرى ثم الشهداء والجرحى.

 

قهر وإذلال الأسرى

 

فيما كشف المتحدث الرسمي باسم لجنة الأسرى المحررين المبعدين، أحمد إسليم، أن السلطة الفلسطينية قطعت رواتب 1612 أسيراً في سجون الاحتلال بناء على توصيات أمنية.

 

وذكر إسليم في تصريحات صحفية أن عملية قطع الرواتب تزامنت مع إجراءات إهانة وإذلال تقوم بها مؤسسة تمكين الاقتصادية برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني؛ والتي تمارس كل أشكال القهر والإذلال بحق الأسرى المحررين.

 

وقال إسليم: “هناك استمارات توزعها المؤسسة على الأسرى؛ تتضمن بنودا مهينة، تحول قضيته من قضية وطنية وسياسية لقضية اجتماعية، تقيس من خلالها سعراته الحرارية التي يأكلها يوميا".

 

وبين أن هذه الطريقة المسيئة هي ترجمة لسلوك يريد الانتقاص من دور الأسير، وتحويل قضيته لمعونات اجتماعية فقط، متابعاً: "التهرب من الضغوط الدولية لا يحتم عليك أن تهين الأسرى والشهداء والجرحى".

 

وشدد على أن الأسرى المحررين رفضوا بشكل قاطع التعامل مع هذه المؤسسة "ورفضوا الاستمارة، ولن يقبلوا تجاوز كرامتهم".

 

انتهاك صارخ للقيم

 

وكان أهالي الأسرى والشهداء والجرحى قد رفضوا تعبئة استمارة المسح الاجتماعي بمعايير مؤسسة التمكين الاقتصادي، والتي تعمل بموجب قرار أصدره رئيس السلطة محمود عباس بقطع مخصصات عائلات الأسرى والشهداء والأسرى.

 

وقالت عائلات الجرحى والشهداء في بيان لها، إن قرار عباس انتهاك صارخ للقيم الوطنية وتكريس لسياسة التمييز ضد من قدموا دمائهم دفاعاً عن فلسطين، مؤكدين أن مخصصات أسر الشهداء والجرحى ليست منحة خيرية بل حق مقدس تكفله المواثيق الوطنية.

 

وطالبوا بالغاء قرار تعبئة استمارة المسح الاجتماعي، وضمان استمرار صرف المخصصات دون شروط تعجيزية، وتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة في دوافع قرار عباس وآثاره.

التعليقات : 0

إضافة تعليق