غزة / معتز شاهين:
في تطور خطير يعكس تحوّلًا نوعيًا في طبيعة العدوان الإسرائيلي، تجاوزت إسرائيل حدود الجغرافيا لتصل إلى قلب الوساطة السياسية، محاولةً اغتيال وفد حركة حماس التفاوضي في العاصمة القطرية الدوحة. هذه الضربة، التي تزامنت مع مناقشة مقترح أمريكي جديد للتهدئة، كشفت عن نوايا إسرائيلية–أمريكية صريحة لتقويض أي مسار تفاوضي جاد، وأعادت التأكيد أن التفاوض، بالنسبة لتل أبيب، لم يعد خيارًا، بل خطرًا يجب تصفيته.
ويحمل الهجوم الإسرائيلي رسائل سياسية واضحة، لا تقتصر على استهداف أفراد بعينهم، بل تمتد لتطال جوهر العملية التفاوضية والجهود العربية المبذولة لاحتواء الأزمة، وفق ما أكده محللون سياسيون.
ويرى هؤلاء في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، أن هذا التصعيد يأتي في إطار مساعٍ إسرائيلية–أمريكية مشتركة لإجهاض أي تحرك نحو تسوية سلمية، مؤكدين أن التوقيت المتزامن مع مناقشة مقترح أمريكي جديد ليس صدفة، بل يعكس قرارًا مسبقًا بقتل فرص التفاوض وفرض وقائع ميدانية جديدة.
واستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الثلاثاء، قيادة حركة "حماس" في الدوحة أثناء اجتماع وفدها المفاوض لبحث مقترح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وأعلن في بيان رسمي له أن "سلاح الجو هجومًا مركزًا استهدف قمة قيادة حماس في قطر".
وأعلنت حركة "حماس" مساء الثلاثاء، فشل "إسرائيل" باغتيال وفدها المفاوض في العاصمة القطرية، واصفة قصف طائرات الاحتلال مكان اجتماعه بـ"الجريمة البشعة والعدوان السافر، والانتهاك الصارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية".
وأكد حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحماس، الذي ورد اسمه ضمن قائمة من استهدفتهم إسرائيل في الدوحة، أن ما جرى "جريمة تؤكد أن الاحتلال مجموعة من العصابات المسلحة والإرهابيين".
وجاء هذا التصريح كأول رد رسمي على محاولة الاغتيال التي استهدفت قيادات بارزة في حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة.
وأضاف بدران: "الاحتلال المجرم يشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار المنطقة بأسرها، وهو في حالة حرب مفتوحة ليس مع الشعب الفلسطيني وحده، بل مع كل من يرفض سياساته العدوانية".
اغتيال تفاوضي
أكد الكاتب والمحلل السياسي المصري د. حسام فاروق أن محاولة اغتيال قيادة وفد حركة حماس التفاوضي في قطر تحمل دلالات واضحة على رغبة إسرائيلية – أمريكية مشتركة في إجهاض أي مسار تفاوضي محتمل، وإنهاء أي أمل في الوصول إلى تسوية تضمن وقف الحرب واستعادة الرهائن.
وقال فاروق خلال حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، إن "توقيت محاولة الاغتيال لا يحمل أي معنى سوى قتل أي مفاوضات"، مؤكدًا أن ذلك يأتي ضمن سياق ممنهج تسلكه إسرائيل كلما اقتربت الأطراف من مناقشة مقترح جديد أو تلمّست انفراجة.
وأضاف: "إسرائيل ماضية قدمًا في تصفير غزة من سكانها لتقديمها للولايات المتحدة على طبق من دماء الفلسطينيين، كجزء من خطة أمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط".
وأوضح د. فاروق أن استهداف وفد تفاوضي يُفترض أنه طرف في مساعٍ لوقف الحرب، هو في جوهره رسالة مباشرة بأن إسرائيل لا تريد التفاوض من الأساس، بل تعمل على تقويضه من جذوره.
وأردف: "إطلاق النار على المفاوض لا يترك مجالاً للحديث عن سلام"، معتبرًا أن أي حديث أمريكي عن فرص للتسوية في هذه المرحلة هو مجرد "خداع واستهلاك للوقت حتى يُنجز نتنياهو مهمته في غزة".
وفي سياق متصل، اعتبر فاروق أن الهجوم في قطر لا يخلو من رسائل ضمنية موجهة إلى الدوحة نفسها، قائلاً: "نعم، هناك رسائل لقطر ولجميع الدول العربية، فإسرائيل تريد أن تقول إنها بلا رادع، وأنها تتصرف كما تشاء طالما هناك غطاء أمريكي".
وأضاف أن إسرائيل طالما أبدت تحفظات على الدور القطري في الوساطة، وتجاوزها لسيادة دولة مثل قطر هو تعدٍّ سافر ومتعمد لإحراج الوسيط وتهميش دوره.
وحول التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي طال ست دول عربية خلال أقل من 72 ساعة، من اليمن وسوريا ولبنان إلى تونس وقطر، أوضح د. حسام فاروق أن إسرائيل باتت معزولة دوليًا، وأن هذه الضربات ليست سوى مظاهر لقوة زائفة، تستخدمها كوسيلة للردع في مواجهة تصاعد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية.
وختم فاروق بالقول إن إسرائيل، ورغم عنفها وتوسّعها، لا تستطيع الاستمرار في هذه السياسات دون الدعم الكامل من واشنطن، مضيفًا: "هي لا تملك القوة بمفردها، لكنها تتحرك تحت المظلة الأمريكية، التي تغطي عدوانها سياسيًا وعسكريًا".
رسائل متعددة
وتتفق الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة مع ما ذهب إليه د. فاروق في أن محاولة اغتيال قيادة وفد حماس التفاوضي لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع لمساعي تقويض أي حل تفاوضي، مشيرة إلى أن التوقيت لم يكن عشوائيًا، بل جاء متزامنًا مع مناقشة المقترح الأمريكي الجديد، ما يفتح الباب أمام احتمال أن إسرائيل قد اتخذت قرارًا نهائيًا بإنهاء مسار المفاوضات عبر الوساطة العربية.
وترى د. عودة خلال حديثها مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، أن هذه العملية تحمل رسائل متعددة، أبرزها أن نتنياهو ربما حسم خيار الاحتلال الكامل لمدينة غزة، وأنه يخشى من عودة العمليات المسلحة إلى داخل الخط الأخضر والقدس المحتلة، لذلك اختار توجيه ضربة استباقية تستهدف إنهاء دور قيادة حماس في الخارج، وتقييد قدرتها على التخطيط لعمليات انتقامية في المستقبل.
ولم تستبعد أن تكون إسرائيل بصدد سحب ملف التفاوض من أيدي قيادة المقاومة بالخارج، بهدف إدارة التفاوض ميدانيًا من داخل قطاع غزة، سواء عبر ميليشيات محلية مسلحة أو حراس الأسرى أنفسهم، أو حتى عبر تنفيذ عمليات عسكرية خاصة لتحرير الأسرى، رغم ما قد يشكله ذلك من خطر على حياتهم.
وفي قراءة للرسائل الضمنية التي قد تكون موجهة إلى قطر، اوضحت الكاتبة والمحللة السياسية أن الاستهداف يهدف إلى دفع الدوحة للانسحاب من الوساطة، والتوقف عن استضافة قوى المقاومة على أراضيها، في خطوة واضحة لتجريد الملف الفلسطيني من أي غطاء عربي فعّال، وفرض واقع جديد تكون فيه إسرائيل الطرف الوحيد القادر على ضبط إيقاع التفاوض، أو تعطيله بالكامل.
محاولة اغتيال الوفد التفاوضي.. إسرائيل تخشى الحل وتضربه من جذوره

تقارير وحوارات
التعليقات : 0