غزة / معتز شاهين:
في ظل تصاعد وتيرة الحرب على قطاع غزة، وتزامنًا مع محاولة اغتيال فاشلة استهدفت قيادات الوفد التفاوضي في الخارج، تتكثف التحركات السياسية على المستويين العربي والدولي في محاولة لاحتواء الأزمة. وبينما تستعد الدوحة لاستضافة قمة عربية طارئة، تبرز تساؤلات حول مدى قدرة هذه اللحظة الحرجة على إنتاج موقف عربي موحد يضع حدًا للعدوان الإسرائيلي المتواصل.
يرى محللون سياسيون في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الاحد، أن التحولات الجارية، سواء على مستوى التصعيد الإقليمي أو تحركات الولايات المتحدة، قد تُمهّد لتغيير في المشهد السياسي، لكنهم في الوقت ذاته يُحذرون من الرهان على رمزية اللحظة دون قرارات حاسمة توازي حجم الخطر.
وبينما تعتبر محاولات واشنطن لترميم علاقتها مع قطر مؤشرًا على تحول في مواقفها، يرى آخرون أن التعويل الحقيقي يجب أن يكون على الموقف العربي الذي ما يزال يراوح بين الغضب السياسي والتحركات الدبلوماسية المحدودة.
وعقد كبار الدبلوماسيين من الدول العربية والإسلامية، أمس الأحد، اجتماعاً في قطر قبيل قمة طارئة دُعي إليها لبحث الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قادة من حركة حماس في الدوحة في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
وأكد وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية أن أمن قطر هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإسلامي كما شددوا على وحدة الصف في مواجهة الاعتداءات.
واعتبر الوزراء خلال الاجتماع التحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، أن "الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر يمثل خرقا للقانون الدولي وتصعيدا يهدد الأمن والاستقرار العربي والإقليمي والدولي، وهو مؤشر يستهدف ضرب الأمن العربي والإسلامي المشترك وزعزعة استقرار المنطقة".
وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية إن انعقاد القمة يعكس التضامن العربي والإسلامي الواسع مع الدوحة، ويؤكد رفض هذه الدول القاطع لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.
وعقب القصف الإسرائيلي على قطر الأسبوع الماضي، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى استنكاره ورفضه، في محاولة لإرضاء الدوحة وطمأنة القيادة القطرية. وأكد ترامب أن الهجوم كان قرارًا منفردًا اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشددًا على أن الولايات المتحدة لم تكن طرفًا في هذا التصرف.
وفي منشور عبر منصة "تروث سوشيال"، أوضح ترامب أنه تواصل مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس وزرائها ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مؤكدًا لهم أن مثل هذه الهجمات لن تتكرر على الأراضي القطرية.
تنطلق في قطر، اليوم الإثنين، قمة عربية إسلامية طارئة تعد الثالثة خلال أقل من عامين، التي تُعقد للتعبير عن رفض عربي إسلامي الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قادة حماس في الدوحة 9 سبتمبر/أيلول الجاري وتضامنها مع قطر.
تصعيد متوقّع
قال الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور إن من غير الواقعي توقّع أن تؤدي محاولة اغتيال فاشلة إلى تغيّر جذري في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو تراجع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن سياساته، أو أن يكون "تعويض قطر" هو وقف الحرب.
وأضاف منصور خلال حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الاحد، أن الفرصة الحقيقية تكمن في استغلال الدول العربية لهذه اللحظة الحساسة للخروج بموقف موحد وحازم، الأمر الذي قد يسهم في محاصرة وعزل نتنياهو، وبالتالي وقف الحرب على غزة.
وأكد أن مجرد انعقاد القمة العربية في هذه الظروف، مع تداعي الزعماء العرب، يدل على أن الحرب تجاوزت حدود فلسطين وباتت تهدد استقرار المنطقة بأكملها، داعيًا إلى قرارات ترتقي إلى مستوى الخطر والجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وشدّد منصور، على أن هناك مؤشرات إيجابية في الخطاب العربي الحالي، حيث أن الرسائل الصادرة من الدول العربية تصب باتجاه إنهاء الحرب كخطوة أولى، محذرًا في الوقت ذاته من محاولات الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتفريغ أي قرارات من مضمونها أو تخفيف حدتها،
وأِشار الكاتب والمحلل السياسي إلى أن الموقف العربي سيكون أكثر حدة في حال عدم توقف الحرب عن قطاع غزة.
موقف متحول
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة أن التحركات الأمريكية الأخيرة، وفي مقدمتها مساعي واشنطن لترضية قطر بعد استهداف الوفد التفاوضي لحماس داخل أراضيها، تعكس تحوّلًا واضحًا في الموقف الأمريكي تجاه الحرب في غزة، وتشير إلى وجود نية جدية لإعادة تفعيل الدور الأمريكي كوسيط مركزي في الأزمة.
وقال د. أبو رحمة، لـ "الاستقلال"، أمس الاحد، إن واشنطن تسعى من خلال هذه الخطوة إلى استعادة التوازن داخل مسار الوساطة، بعد أن تسبب الاستهداف في إحراج دبلوماسي أضعف قنوات التفاوض، خاصة أن قطر تُعد القناة الأساسية للتواصل مع حركة حماس.
وأضاف، أن هذا التحرك يعكس إدراكًا أمريكيًا بأن استمرار الحرب بات عبئًا سياسيًا وأمنيًا، ما يدفع باتجاه البحث عن مخرج تفاوضي شامل أو على الأقل تهدئة طويلة الأمد.
واعتبر أبو رحمة أن قمة الدوحة العربية المقبلة تمثل فرصة استثنائية لتحقيق شكل من أشكال الموقف العربي الموحد، خاصة أن استهداف شخصيات داخل قطر يُعد مسًّا بسيادتها، ما قد يدفع بعض العواصم العربية إلى مراجعة مواقفها التقليدية وتعزيز خطابها تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان ذلك ضمن سقف تصعيد محسوب.
وبين أبو رحمة أن مجمل هذه التطورات، من تحركات واشنطن إلى نبرة الغضب العربي المتصاعدة، تشير إلى أن المنطقة تشهد لحظة تهيئة إقليمية ودولية قد تُفضي إلى تسوية سياسية تنهي الحرب أو تفرض تهدئة مستدامة، خصوصًا في ظل تغيّر المواقف في عواصم رئيسية مثل القاهرة وعمّان والدوحة.
وأكد في ختام حديثه أن هذه اللحظة السياسية النادرة، إذا ما استُثمرت بفاعلية، قد تفتح الطريق أمام اتفاق جديد يُخرج غزة من دوامة الاستنزاف المستمر، ويعيد طرح القضية الفلسطينية على الطاولة الدولية بزخم جديد.


التعليقات : 0