تكشف حجم الجرائم الإسرائيلية

جثامين الشهداء... شهادات تعذيب من تحت التراب

جثامين الشهداء... شهادات تعذيب من تحت التراب
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
في مشهدٍ يفوق الوصف، كُشف الستار عن جريمةٍ جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الأسود بحق الفلسطينيين؛ جثامين شهداء معصوبي الأعين، مقيّدي الأيدي والأقدام، وعلامات الخنق والحبال تطوّق أعناقهم، وآثار جنازير الدبابات والتعذيب والحرق تلوّن أجسادهم.
وجوهٌ مشوَّهة الملامح، وأجسادٌ منزوعة الأعضاء والقرنيات، تكشف حجم الوحشية المنظّمة التي مورست ضدّ الأسرى الشهداء الفلسطينيين خلال احتجازهم في سجون الاحتلال ومراكز التحقيق.
هذه المشاهد المروّعة، التي وثّقتها وزارة الصحة في غزة عقب تسلّمها جثامين 150 شهيدًا أفرج عنها الاحتلال، أعادت إلى الواجهة تساؤلاتٍ ملحّة حول الجرائم الممنهجة التي تُرتكب بعيدًا عن عدسات العالم، في انتهاكٍ صارخٍ لكلّ القيم الإنسانية والمواثيق الدولية.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أنها تسلمت -أمس الأحد- جثامين 15 شهيدا أفرج عنها الاحتلال، مؤكدة أنها رصدت علامات ضرب وتنكيل على بعضها.
وقالت الوزارة في بيان لها إن طواقمها الطبية تتعامل مع الجثامين وفق الإجراءات الطبية والبروتوكولات المعتمدة، تمهيدا لاستكمال عمليات الفحص والتوثيق قبل تسليمها لذويها.
وأضافت أن بعض الجثامين التي جرى تسلمها بواسطة الصليب الأحمر الدولي تظهر عليها علامات التنكيل والضرب وتكبيل الأيدي وتعصيب للأعين.
وهذه هي الدفعة الخامسة من جثامين الشهداء التي يفرج عنها الاحتلال منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف الحرب في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبذلك يرتفع عدد الجثامين المفرج عنها إلى 150.
وأوضحت وزارة الصحة في غزة أنه تم التعرف حتى اللحظة على هوية 25 شهيدا من قبل ذويهم.
انتهاكات جسيمة
أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، د. صلاح عبد العاطي، أن المشاهد المروّعة التي ظهرت على جثامين الشهداء التي سلّمها الاحتلال، وما بدا عليها من آثار التعذيب والتنكيل، تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب المادتين (7) و(8 ) من نظام روما الأساسي، لما تنطوي عليه من قتلٍ عمد، وتعذيبٍ مفضٍ إلى الموت، والتمثيل بالجثامين، وحرمان ذوي الضحايا من حقهم في الكرامة والمعرفة.
وأوضح عبد العاطي لـ" الاستقلال"، أنّ الفحوصات الطبية الرسمية والمشاهدات الميدانية أظهرت وجود آثارٍ دامغة على ارتكاب جرائم إعدام ميداني وتعذيبٍ وحشي، من بينها تقييد الأيدي وتعصيب الأعين وكسور في العظام وحروق وكدمات وفقدان أعضاء بشرية، تثير شبهات قوية بوجود سرقة أعضاء منظمة، وتستوجب تحقيقًا دوليًا عاجلًا ومساءلة الأطراف المتورطة فيها.
وبين أن التحلل المتقدم في عدد من الجثامين ناجم عن احتجازها لفترات طويلة داخل الثلاجات، مشيراً إلى أن طبيعة الإصابات لا تتوافق مع روايات الاحتلال حول أسباب الوفاة، مما يثبت وقوع عمليات قتل وتعذيب داخل مراكز الاحتجاز.
ويرى أن هذه الجرائم تأتي ضمن نهجٍ إسرائيليٍ ممنهج يشمل القتل الميداني، والتعذيب، والاغتصاب، والضرب، وحرمان الأسرى من العلاج، وفق ما أفاد به الأسرى المحررون الذين أكدوا تعرضهم لظروفٍ احتجازٍ مأساوية.
ونوه إلى استمرار الاختفاء القسري لآلاف الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث لا تتوافر معلومات عن نحو خمسة آلاف مفقود، بينما لا يزال أكثر من عشرة آلاف جثمانٍ تحت الركام، في ظل منع قوات الاحتلال دخول الصحفيين وفرق تقصي الحقائق والمعدات اللازمة لإزالة الأنقاض التي تُقدّر بأكثر من 65 إلى 70 مليون طن من الركام ووجود 20 ألف جسم متفجر لم ينفجر بعد، في محاولةٍ واضحةٍ لطمس الأدلة وإخفاء الجرائم.
سياسة منظمة
وشدد على أن ما يجري ليس حادثًا معزولًا بل سياسة منظمة تشكّل جزءًا من منظومة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والتحرك الفوري قبل فوات الأوان.
وطالب عبد العاطي الجهات الدولية بفتح تحقيقٍ دولي عاجل في جرائم الإعدام والتعذيب داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، كذلك التحقيق في مزاعم سرقة الأعضاء البشرية ومحاسبة الجهات العسكرية والطبية الإسرائيلية المتورطة، وفرض عقوبات دولية على قادة الاحتلال والمسؤولين عن هذه الجرائم.
كما وطالب بالضغط على الاحتلال لفتح المعابر والسماح بإدخال المعدات اللازمة لإزالة الركام وانتشال الجثامين، والسماح بدخول بعثات تقصّي الحقائق الدولية إلى قطاع غزة لتوثيق الأدلة الطبية والجنائية، بالإضافة إلى تمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الرقابة الكاملة على أوضاع الأسرى وضمان وصول اللجان الطبية المستقلة إليهم.
ودعا الجهات الدولية إلى تفعيل آليات المحاسبة والتعويض الدولي عن الدمار والضحايا المدنيين ووقف ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية.
وأرسلت الهيئة الدولية "حشد" مذكرة حقوقية عاجلة إلى عدد من الجهات الدولية، من بينها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والمفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف، والمقرّر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، والمقرّر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك حول استلام جثامين الشهداء الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال وظهور دلائل واضحة على ممارسة القتل الميداني والتعذيب الممنهج بحقهم. وفق عبد العاطي.
ولفت الى أن الهيئة تهدف إلى إحاطة المجتمع الدولي بأحدث المستجدات الخطيرة المتعلقة بانتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأسرى الفلسطينيين، خاصةً في ضوء ما جرى مؤخرًا من تسليم (120) جثمانًا من الشهداء الذين قتلوا داخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية في ظروفٍ غامضة ومريبة، حيث احتُجزت جثامينهم لشهورٍ طويلة داخل الثلاجات، في جريمةٍ مركّبة تمثّل أبشع صور الإبادة والمعاملة اللاإنسانية.

 جريمة مروعة
وبدوره، اتهم المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، الجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثامين شهداء فلسطينيين، داعيًا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف ما وصفها بـ"الجريمة المروعة".
وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، إن "الاحتلال سلّم عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر 150 جثمانًا خلال الأيام الثلاثة الماضية"، موضحًا أن "معظم الجثامين وصلت في حالة مزرية تظهر تعرض أصحابها لإعدام ميداني وتعذيب ممنهج.
وبحسب الثوابتة، فإن بعض الشهداء أعيدوا معصوبي الأعين ومقيدي اليدين والقدمين، فيما تظهر على أجساد آخرين علامات خنق وحبال حول الرقبة في مؤشر على عمليات قتل متعمد.
وأردف أن "أجزاء من أجساد العديد من الشهداء مفقودة، بينها عيون وقرنيات وأعضاء أخرى، ما يؤكد سرقة الاحتلال أعضاء بشرية خلال احتجاز الجثامين"، واصفًا ذلك بأنه "جريمة وحشية".
وطالب الثوابتة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بـ"تشكيل لجنة تحقيق دولية فورية لمحاسبة إسرائيل على الانتهاكات الجسيمة بحق جثامين الشهداء وسرقة أعضائهم".

التعليقات : 0

إضافة تعليق