غزة/ سماح المبحوح:
رغم أن أصوات القصف خمدت مؤقتًا، إلا أن وجع غزة لم يخمد بعد؛ فآلاف العائلات لا تزال تعيش على أملٍ ضائع في معرفة مصير أحبّتها الذين طمرهم الركام منذ شهور طويلة.
تحت الأنقاض، يرقد أكثر من عشرة آلاف إنسان بلا وداعٍ ولا قبرٍ يُزار، بينما تصطدم جهود الإنقاذ بعوائق الاحتلال ونقص الإمكانات. إنها مأساة إنسانية صامتة تختصر حجم الكارثة التي خلّفتها حرب الإبادة الجماعية على القطاع.
في حي الدرج بمدينة غزة، تجلس مها سعد أمام ركامٍ كان يومًا مأوى لابنها عماد وزوجته وأطفاله.
تقول وهي تمسح دموعها بصمتٍ موجع:"لم أستطع أن أقبّل جبين ابني أو أودّعه، مسحوا اسمه من السجل المدني وكأنه لم يكن… بينما هو وعائلته ما زالوا هناك تحت الحجارة، منذ الشهر الثالث للحرب."
طرقت أبواب المؤسسات مرارًا، طالبةً انتشال الجثامين ودفنها في مقبرةٍ تليق بكرامتهم، لكن غياب المعدات الثقيلة جعل مطلبها مؤجّلًا بلا نهاية.
تتابع بمرارة لـ"الاستقلال":"أشاهد كيف تُنتشل جثامين أسرى الاحتلال بسرعة، بينما ابني وأسرته صاروا عظامًا بلا قبور".
وتكمل" أتمنى فقط أن أدفن ابني وعيلته ويكون إلهم قبور أزورهم وأقرأ على أرواحهم الطاهرة الفاتحة، فلا يليق بهم إلا دفنهم في مقبرة، بدلا من دفنهم تحت أطنان من الحجارة".
تشير تقديرات أممية إلى أن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص ما زالوا مدفونين تحت الركام، بينما يرى خبراء أنّ العدد الحقيقي قد يصل إلى 14 ألفًا.
وتقدّر كمية الركام في قطاع غزة بنحو 55 مليون طن، وهو ما يجعل عملية الإزالة من أضخم المهام الإنسانية في العالم المعاصر.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن إزالة الركام بالكامل قد تستغرق أكثر من سبع سنوات، خاصة مع تدمير 77% من شبكة الطرق واستمرار خطر الذخائر غير المنفجرة التي أودت بحياة عشرات المدنيين.
وتكشف الصور ومقاطع الفيديو حجم المهمة الهائل التي تواجه فرق الإنقاذ، والتي تزداد صعوبة مع استمرار توقف المعدات الثقيلة عن الدخول إلى غزة.
وكان ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فلسطين جاكو سيليرز حذر خلال جولة تفقدية لقطاع غزة من حجم الدمار الهائل في القطاع، مؤكدا أن جهود إزالة الركام وحدها ستستغرق سنوات طويلة، حيث تقدر كمية الحطام والركام في القطاع بحوالي 55 مليون طن تقريباً، وهي كمية مهولة -حسب وصفه-.
قضية عالقة
المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة الرائد محمود بصل أكد أنهم يتلقون مئات المناشدات يوميا من المواطنين لانتشال أبنائهم من تحت أنقاض المباني والمنشآت المدمرة بفعل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الدفاع المدني يحتاج لمعدات ثقيلة لإنجاز تلك المهمة، فهو في الوقت الراهن يعتمد على أدوات بدائية مثل المعاول والفؤوس والمجارف والعربات اليدوية، وغالبًا أيديهم العارية، وسط انتظار للمعدات الثقيلة التي يمكن أن تُسرع عمليات انتشال الجثث.
وشدد بصل لـ "الاستقلال" على أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض بشكل قاطع ادخال "مختبرات لفحص هوايا الجثامين وإجراء تحليل الحمض النووي، المعدات الثقيلة كـالحفارات والجرافات، والرافعات والشاحنات وغيرها"، المختصة بإزالة أطنان من الركام، لإخراج الجثامين والمعلقات كالأموال إضافة للمخلفات التي تشكل خطر على الأحياء.
وأوضح أن الدفاع المدني يعمل بشكل تكاملي مع البلديات ووزارة الأشغال العامة والجهات المختصة، لإنجاز تلك المهام، كفتح الشوارع وإزالة الركام والكتل الخرسانية وإخراج الجثامين.
وجدد تأكيده أنهم ناشدوا العالم بضرورة توفير ما يلزم لإخراج الجثامين من تحت أنقاض المباني في القطاع، مستدركا:" لكن بقيت القضية عالقة حتى اللحظة ولم يتحرك العالم لنداءاتنا، على خلاف جثامين أسرى الاحتلال التي تم استخراجها بوقت قياسي"، لتبقى من أصعب القضايا العالقة.
وقال:" إن الجهات المحلية عملت على تخصيص مقبرة بدير البلح بالمحافظة الوسطى لمجهولي الهوية، بعد أن تعثرت كافة الجهود للتعرف عليها، لحاجتها الشديدة لمختبرات مختصة لذلك"، متسائلا إلى متى سيبقى الإنسان الفلسطيني مهمشا وحقوقه مسلوبة، حتى بعد مماته.
ازدواجية المعايير الدولية
وقبل أيام، قالت اللجنة الوطنية لشؤون المفقودين في الحرب، إن أكثر من 10 آلاف شهيد لايزالون مدفونين تحت الأنقاض.
وأكد المتحدث باسم اللجنة علاء الدين العكلوك خلال مؤتمر صحفي في مدينة غزة، أن القطاع تحول إلى أكبر تجمع للمقابر في العالم، مشيرا إلى أن نحو 10 آلاف فلسطيني مازالوا مفقودين تحت الركام.
وأوضح أن "هؤلاء الشهداء دفنوا تحت أنقاض منازلهم التي تحولت إلى مقابر جماعية، دون أن تصان لهم كرامتهم الأخيرة أو تنتشل أجسادهم، لافتا إلى أن اللجنة تابعت "بألم شديد" ما وصفه بازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع جثامين الضحايا الفلسطينيين، مقارنة بالاهتمام الذي أبدته جهات مختلفة في استخراج جثامين الأسرى الإسرائيليين، مما يعكس -بحسب قوله- "ظلما فادحا وتحيزا واضحا ضد ضحايا غزة.
ومنذ 7أكتوبر/ تشرين الأول 2023ارتكبت "إسرائيل"- بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية خلفت أكثر من 68 ألف شهيد و170 ألف مصاب، معظمهم من النساء والأطفال وآلاف المفقودين تحت الأنقاض.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس و"إسرائيل" برعاية الوسطاء، فإن الاحتلال ارتكب العديد من الخروقات، ولا يزال يفرض حصارا خانقا على غزة.
مفقودو غزة.. غصّة لا تندمل ووجع ينتظر الإنصاف
تقارير وحوارات


التعليقات : 0