غزة/ دعاء الحطاب:
حكاية قدوم فصل الشتاء في قطاع غزة أصبحت مغموسة بالآلام والمعاناة، ولا سيما سكان مخيمات النزوح، فمع قدوم المنخفضات الجوية وهطول أولي قطرات المطر، تتحول حياتهم لكابوساً يؤرق مضاجعهم، فالخيام تنهار فوق رؤوسهم، والأرض تتحول إلى فخ من الطين، ونزوح يتكرر داخل النزوح نفسه.
ولم تكن ساعات قليلة من الأمطار كافية فقط لإعلان بدء الشتاء في غزة، بل حولت آلاف الخيام إلى ما يشبه المستنقعات، وأغلقت طرقاً بأكملها، تاركة آلاف العائلات في صراع جديد مع البرد والرياح، وتسرب المياه إلى خيامهم.
وانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع وصور تظهر مشاهد اقتحام المياه والطين خيام النازحين، وأطفالاً يرفعون أغطيتهم المبللة، وأمهاتٍ يحاولن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما وقف الآباء عاجزين عن فعل شيء، كما هو الحال طواقم الدفاع المدني والبلديات، حيث انعدام الإمكانيات نتيجة الحصار المطبق الذي لم ينهه وقف إطلاق النار.
ولا تلتزم "إسرائيل" بالبنود الإنسانية التي اتفقت عليها في اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل 36 يوماً، حيث تواصل إغلاق المعابر وتمنع إدخال غالبية المساعدات الضرورية للسكان بما في ذلك الوقود والخيام.
كابوس مرعب
خبر قدوم الشتاء لم يعد خبراً سعيداً بالنسبة لأم بلال قشطة (45 عاماً) النازحة بمنطقة مواصي خانيونس جنوب القطاع، بل بات كابوساَ مرعباً يحمل في طياته فواجع جديدة تضاف لمعاناة عامين من الحرب والنزوح.
وتقول قشطة لـ "الاستقلال":" رغم حبنا الكبير لفصل الشتاء إلا أننا أصبحنا نكره قدومه، فمنذ بداية الحرب وحتى اللحظة لم يأتي لنا إلا بالفواجع والآلام والمعاناة التي لا تتوقف"، مستدركة:" كل رشه مطر بالنسبة النا ورائها كارثة".
وأردفت بصوت مرتجف من شدة البرد:" منذ اللحظة الأولى لتساقط الأمطار، غرقت خيمتنا ووجدت نفسي مع زوجي وأطفالي نطفو فوق بركة مياه، لم نعرف ماذا ننقذ أولا، الخيمة أم أطفالي، كل شيء حولنا كان مبللاً، الأفرشة والملابس، والطعام القليل".
وتتابع بغصة:" لم يكن لدينا أي ملجأ، هربت وأطفالي الخمسة تحت مظلة بناية حتى الصباح، كنا ترتجف من البرد والخوف، فيما قضي زوجي الليل كله محاولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أمتعتنا"، مشيرة إلى أن ثلاثة من أطفالها الخمسة أصيبوا بالإنفلونزا ونزله معوية "قيء وإسهال" من شدة البرد.
وأوضحت أن معاناة سكان الخيام لا تتوقف عند الغرق والمرض فحسب، فمع شروق الشمس تبدأ معركة جديدة لتنظيف الخيام وتجفيفها، لا تقل قسوة عن المعاناة خلال الليل، بالإضافة الى تثبيت أعمدة الخيام المهترئة بقطع قماش وحبال بسيطة.
وأضافت:" للعام الثالث على التوالي نستصرخ ونطالب الجهات المختصة والمؤسسات الدولية والعربية لإيجاد حلول عاجلة لمعاناتنا، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي"، متسائلة:" الى متى سيبقى على هذا الحال؟".
ووجهت قشطة رسالة إلى العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، مفادها "نحن لا نطالب ببيوت فخمه وحياة رغيدة، نحن نطلب فقط بالأمان والاستقرار، الخيام لا تحمينا ولا تحمي أطفالنا، نحتاج إلى كرافانات مجهزة وحمامات، على الأقل لتوفير الحد الأدنى من الكرامة والحماية".
لحظات قاسية
في حين، لم يتوقع الشاب أبو عبيدة زيارة (36عاماً)، أن تتحول ليلة شتوية ماطرة إلى واحدة من أقسي لحظات حياته، فبعد أسابيع طويلة من العمل على تغطية منزله المُدمر "غير الصالح للسكن" بحي التفاح شرق القطاع، بالشوادر والنايلون استعداداً لفصل الشتاء، وجد نفسه يوقظ أطفاله مذعورين بعد إن نصبت الأمطار عليهم، وابتلت أغطيتهم وملابسهم وكل ما يملكونه. وفق تعبيره.
ويقول زيارة لـ"الاستقلال":" الشتاء في غزة لم يعد يعني شيئاً لنا سوي فصل من العذاب ونكبة لا نعرف لها نهاية"، مضيفاً:" كنت سعيداً جداً أن هذا الشتاء سيأتي ونحن بمنزلنا، صحيح انه مُدمر لكن يبقي أفضل من الخيام وويلاتها".
ويتابع:" عملت طول الوقت على تغطيته المنزل بالكامل استعداداً لفصل الشتاء، وحتى لا نعيش مأساة الغرق التي كنا نعيشها في الخيام العامين السابقين، لكن للأسف جهودي انهارت مع أول منخفض جوى".
وأضاف:" كنا نعرف أن المطر قادم، لكن لم أتخيل أننا ستغرق عند أول زخة مطر، شعور مؤلم جدًا، مليء بالقهر والعجز، الأطفال كانوا يرتجفون، أيديهم ووجوههم حمراء من البرد، وقلبي يعتصر ألمًا وأنا أحاول تهدئتهم”.
ويتساءل: "إذا كان هذا الحال في المنخفض الأول، كيف سنقضي بقية الشتاء؟"، مؤكداً أن الحل الوحيد لمأساة المواطنين في غزة هو تحرر المجتمع الدولي والعالم العربي والإسلامي من صمتهم وغفلتهم، والوقف على مسؤولياتهم وإجبار الاحتلال الإسرائيلي على الالتزام بالبنود الإنسانية للاتفاق وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات والمدادات للقطاع.
قدرات معدومة ومساعدات عالقة
وأعلن الدفاع المدني في غزة أن آلاف الخيام تضررت وتبللت ملابس النازحين وأغطيتهم بسبب الأمطار يومي الجمعة والسبت، وسط انعدام مقومات الحياة بعد الإبادة.
وأكد الدفاع المدني أن طواقمه تعجز عن التعامل مع حالات الغرق لغياب المعدات بعد تدمير الاحتلال لها، عدا عن أن الخدمات البلدية بدائية ولا تلبي احتياجات الناس.
وأضاف أن المنخفض الحالي مجرد بداية لفصل شتاء قاسٍ قد يشهد مآسي أكبر، مع خطر انهيار المنازل المتصدعة بفعل السيول والأمطار.
وبدوره، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن "إسرائيل" رفضت إدخال ما يقارب أربعة آلاف منصة نقل للمساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة، منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأوضح دوجاريك، في مؤتمر صحفي الجمعة، أن المساعدات التي رفضت "إسرائيل" إدخالها تشمل خيامًا وأطقم أسرّة وأدوات طبخ وبطانيات.
وأكد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت لا تسهل حتى الآن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مشيرًا إلى أن المنظمات الدولية العاملة في المنطقة تواصل مواجهة صعوبات في إيصال المواد الإغاثية المتوفرة لديها إلى القطاع.
كما أكدت وكالة "الأونروا" أن الأمطار تزيد من صعوبة الأوضاع في قطاع غزة، مشيرة إلى أن العائلات تلجأ إلى أي مكان متاح بما في ذلك الخيام المؤقتة.
من جانبه، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن دخول فصل الشتاء بقوة يزيد من معاناة الأهالي في قطاع غزة، ويفاقم المأساة الإنسانية التي يعيشها نحو مليونٍ ونصف إنسان في خيام النزوح، بعد أن أغرقت مياه الأمطار خيامهم البالية ومزقت الرياح العاتية ما تبقى منها.
وأوضح المكتب الإعلامي أن العالم شاهد عبر الكاميرات صور المأساة الإنسانية التي يعيشها شعبنا، وكيف أن عشرات آلاف الأسر باتت بلا مأوى يحميها من مياه الأمطار والرياح، حتى لو كان هذا المأوى مجرد خيمة متواضعة.
وأكد أن الوضع المأساوي الذي عاشه الفلسطينيون في قطاع غزة منذ إطلاق حرب الإبادة الجماعية بقي على حاله رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، نتيجة تنصل الاحتلال من التزاماته بإدخال المساعدات والمواد الأساسية للإعمار والإيواء.
وأشار المكتب إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى ما لا يقل عن 250 ألف خيمة و100 ألف كرفان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء واهتراء الخيام وانهيار العديد من المنازل الآيلة للسقوط.


التعليقات : 0