قرار مجلس الأمن بشأن غزة.. وصاية جديدة وتحديات جوهرية للنظام السياسي الفلسطيني

قرار مجلس الأمن بشأن غزة.. وصاية جديدة وتحديات جوهرية للنظام السياسي الفلسطيني
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
يرى مختصون في الشأن السياسي الفلسطيني أنّ قرار مجلس الأمن المتعلّق بقطاع غزة، والقاضي بتشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار، وإن قُدِّم بغطاءٍ إنساني؛ إلا أنّه ينطوي على أبعاد سياسية عميقة، مؤكدين أن القرار يحمل القرار انعكاسات خطيرة على مفهوم السيادة الفلسطينية، ويمهّد لـ إعادة تشكيل مستقبل القطاع تحت وصاية دولية ذات طابع أميركي–إسرائيلي، الأمر الذي يُلقي بظلاله على شرعية المقاومة ووحدة البنية السياسية الفلسطينية.
وشدد المختصون، في أحاديث متفرقة لصحيفة "الاستقلال"، أنّ القرار الأممي ينطوي على مخاطر استراتيجية تمس جوهر قيادة المشروع الوطني الفلسطيني. فالصياغة الأميركية للقرار—وفق رؤيتهم—تفتح الباب أمام تجاوز المؤسسات السياسية الفلسطينية القائمة، وفرض نموذج بديل منزوع الهوية الوطنية ومحايد عن دوره وموقعه التاريخي.
وأصدر مجلس الأمن الدولي، الاثنين الماضي، قرارا يرحب بإنشاء "مجلس السلام" باعتباره "هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية تتولى وضع إطار العمل وتنسيق التمويل لإعادة تنمية غزة".
ويأذن القرار الأممي، الذي حمل رقم (2803)، للدول الأعضاء التي تتعاون مع "مجلس السلام" بإنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة "تُنشر تحت قيادة موحدة يقبلها المجلس".
وينصّ القرار على أن "يظل الإذن الصادر لكل من مجلس السلام وأشكال الوجود المدني والأمني الدولي ساريا حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2027، رهنا باتخاذ مجلس الأمن إجراءات أخرى، وأن يتم أي تجديد للإذن الصادر للقوة الدولية بالتعاون والتنسيق الكاملين مع مصر وإسرائيل والدول الأعضاء الأخرى التي تواصل العمل مع القوة الدولية".
ونال القرار، الذي قدمته الولايات المتحدة، موافقة 13 دولة، في حين امتنعت روسيا والصين عن التصويت، بينما أعربت "إسرائيل" وحركة حماس عن معارضتها لبعض جوانب الخطة.

أبعاداً سياسية عميقة

الكاتب والمختص بالشأن السياسي سعيد أبو رحمة، يرى أن قرار مجلس الأمن بشأن غزة، والذي ينص على تشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار، وإطلاق عمليات إنسانية وإعمار، رغم أنه يقدم بصفته إنسانيا، إلا أنه يحمل أبعاداً سياسية عميقة، خاصة فيما يتعلق بالسيادة، وإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني.
وأوضح أبو رحمة لـ "الاستقلال"، أن القرار يُعد من حيث الشكل بوابة لتحسين الظروف الحياتية في غزة، فالإشراف الدولي المباشر على المساعدات سيُخفّف من تحكم الاحتلال بالمعابر، ويتيح تدفق أكثر انتظاماً للغذاء والدواء، وربما الكهرباء والوقود.
وأضاف:" أن بدء مشاريع الإعمار، التي ظلت معطلة لسنوات بسبب التعقيدات السياسية والأمنية، يمكن أن يخلق فرص عمل ويساهم في تخفيف معدلات الفقر والبطالة، إلا أن هذا التحسن مشروط بمدى التزام الأطراف السياسية بوقف التصعيد، ومدى التجاوب مع بنود الاتفاق".
واعتبر أن قرار 2803 يمثل فرصة –إن أحسن استغلالها – لتحقيق هدنة طويلة الأمد، والشروع في إعادة إعمار شامل، وربما الدفع نحو مصلحة فلسطينية ولو جزئية، لكنه أيضًا يحمل خطر المرحلة الانتقالية المزمنة لو تعدت العامين كما وردت في القرار، أي تكريس واقع دولي إداري بلا أفق سيادي حقيقي، بما يحوّل غزة إلى منطقة رمادية خارج السيطرة الإسرائيلية والفلسطينية في آن واحد.
وبين أن وجود قوة دولية يفترض أنه سيردع الطرفين عن خرق الهدنة، مما يوفر بيئة أكثر أماناً للمدنيين، لكن في المقابل هناك احتمالات لحدوث توترات ميدانية إذا رُفضت هذه القوة من الفصائل، أو بحال سعت للتدخل في ملفات حساسة كالسلاح و الأنفاق، مشيراً إلى أن أي اشتباك محتمل قد يعيد التصعيد بشكل جزئي أو كلي، مما يبدد المكاسب الإنسانية المنتظرة.
وأكد إن من أكبر التحديات التي يطرحها القرار، هو تأثيره على البنية السياسية في غزة، فإدخال هيئة حكم انتقالية يعني عمليا تراجع نفوذ الإدارة الفلسطينية لغزة، ويثير تساؤلات حول مستقبل الشرعية السياسية في القطاع.

ولفت إلى أن الشارع الغزي متعب من الحروب والحصار، لذا فإن أي بوادر استقرار تستقبل ببعض الأمل، لكن في العمق يعيش المواطن حالة ارتياب حيال النوايا الأميركية لا سيما أن واشنطن شريك أساسي في العدوان مما يجعل الثقة في الإنقاذ الدولي مشروطة ومتوترة.
كما أن فرض حلول خارجية دون إرادة شعبية يعمق الشعور بالاستلاب السياسي والوجودي، خاصة لدى الجيل الشاب الذي لم يعش سوى الحروب والانقسامات، والذين نخشى أن يكونوا اداه لأفكار أخرى. وفق أبو رحمة.
وشدد على أن القرار ليس مجرد بند إنساني، بل مفترق طرق سياسي وأمني على الفلسطينيين، لذا وجب التعامل معه بحذر وذكاء، فإما تحويله إلى فرصة لالتقاط الأنفاس والبناء، أو تركه يستخدم كأداة لإعادة هندسة غزة بعيدًا عن المشروع الوطني.
محاذير فلسطينية وإسرائيلية
وبدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي د. علاء الريماوي، أن قرار مجلس الأمن 2803 يحمل مخاطر استراتيجية تمس جوهر قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، إذ إن صياغته الأميركية تفتح الباب لتجاوز البنية السياسية الفلسطينية وتشكيل نموذج بديل منزوع الروح الوطنية ومحايد للدور والموقع، منوهاً إلى وجود محاذير فلسطينية وإسرائيلية بشأن القرار.
وأوضح الريماوي لـ "الاستقلال"، أن الرفض الفلسطيني للمشروع يرتكز بشكل أساسي على خمسة محاذير، وهي: أولاً: القوي الدولية التي ستشكل من أحد مهامها "حفظ وقف إطلاق النار وسحب السلاح"، وبالتالي هناك خشية فلسطينية بأن تتحول دائرة النزاع من مواجهه مع الاحتلال إلى مواجهة مع القوي الدولية فيما يتعلق بملفات حفظ الأمن و"محاربة الإرهاب" كما أطلقت عليه الوثيقة.
وبين أن الجانب الثاني مُتعلق بالإدارة السياسية لقطاع غزة، بمعني "أن إدارة مجلس السلام هي التي ستحكم الأفق السياسي والإداري، وكذلك ما يتعلق بالتمويل لإعمار القطاع سيكون مرتبط بـ" إدارة انتداب"، ومعها لجنة دولية لإدارة الملف الإنساني والاقتصادي بالقطاع، وبالتالي تغيب المرجعية الفلسطينية.

ونوه إلى أن الجانب الثالث يتمثل بـ "ربط عمليات الانسحاب من القطاع بعملية تفكيك السلاح"، وهو الأمر الأكثر حساسية وتعقيداً، خاصة أن "إسرائيل" لها الحق في تحديد خرائط الانسحاب وشكله، كما ستبقي في محيط القطاع قوة أسمتها "القوة الأمنية لضبط إيقاع إمكانية حدوث عمليات مماثلة لما جري بالسابع من أكتوبر".
أما الجانب الرابع، فهو مرتبط بتكلس الواقع الفلسطيني على حالة، وإبقاء الكل الفلسطيني تحت مظلة الرقابة والإدارة الأمريكية، ولن يكون لأي طرف فلسطيني أفق بهذه المعادلة، بمعني" أن الذين يردون الاطلاع على المشهد الفلسطيني بالرؤية الأمريكية لن يقبلوا، وستضع الولايات شروط على نوعية الأشخاص المشاركين وآلية مشاركتهم ووضعيتهم"، كما أن الأموال ستكون بإدارة دولية والفلسطيني ليس حاضرا فيها. وفق الريماوي.
وأشار إلى أن الجانب الأخير مرتبط بأفق تجميد الحالة السياسية بشكلٍ عام إلى عامين، لاسيما أن هذا الأفق لا يعترف بقطاع غزة ولا يعترف بالكيانية السياسية بالضفة الغربية ولا بالمرجعيات الفلسطينية، مما يعني إدخال الفلسطينية بمرتكز واحد وهو "إعمار مقابل شروط أمريكية إسرائيلية".
وفيما يتعلق بالمحاذير الإسرائيلية من قرار الأممي، أكد أن "إسرائيل" ترفض بند الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير، والمسار السياسي الذي يمكن أن يُطلق بعد إصلاحات تجريها السلطة الفلسطينية، وهذا يأتي في سياق تفاوض مع الاحتلال تقوده الولايات المتحدة ضمن الرؤية العربية والمبادرة الفرنسية السعودية، وأيضا فيما يتعلق بخطة ترامب".
وأضاف الريماوي:" أن الاحتلال قلق من الشكل السياسي لحكومة التكنوقراط أو ما يعرف بـ" المظلة الإدارية" لقطاع غزة، كونه يعتقد أن حماس ستدخل برأسها إلى هذه اللجنة وستكون موجوده ضمن شخصيات مقبولة".
وشدد على أن "إسرائيل" ترفض وجود بعض الدول التي تعتبر خطراً على أمنها كـ" تركيا وقطر" ، داخل قوة "حفظ السلام"، لافتاً إلى أن الصحافة الإسرائيلية تحدثت عن الحد من حيوية الحركة الإسرائيلية بالقطاع في ظل ما يعرف بـ"القوة الدولية" التي ستتواجد داخله.

فرض وصاية دولية
في حين، اعتبر المحلل السياسي عماد أبو عواد، أن مشروع القرار الأمريكي بشأن القوات الدولية في قطاع غزة، يمثل محاولة لفرض وصاية دولية على الفلسطينيين واستغلالاً لحالة الإرهاق التي يعيشونها بعد الحرب.
وقال أبو عواد:" أن صياغة القرار جاءت في سياق قراءة أمريكية وغربية للحالة الفلسطينية، مفادها أن الفلسطينيين "سيتقبلوا أي قرار لا يعيدهم إلى الحرب"، وأنهم سيفضلون ذلك على العودة إلى القتال".
وأوضح أن القرار يهدف إلى فرض امتداد بشكل أو بآخر على الفلسطينيين، ويمهد لوجود غربي ودولي مستمر داخل قطاع غزة، مما يسمح بـ "صياغة شكل الحكم الفلسطيني بالطريقة التي تناسبهم".
وحذر من أن الوجود الدولي قد يؤدي مستقبلاً إلى صدام بين فصائل المقاومة والوجود الغربي الدولي بالقطاع، كونه يتولى مهمة نزع سلاحها وفرض وصاية دولية.

التعليقات : 0

إضافة تعليق