أعراس غزة… حياة تُزف رغم الإبادة

أعراس غزة… حياة تُزف رغم الإبادة
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
وسط أجواء غامرة بالفرح، وعلى إيقاع الزغاريد والأناشيد الوطنية، مشت العرائس بثياب بيضاء مطرزة بالهوية الفلسطينية، إلى جانب عرسانهم ببدلات سوداء وربطات عنق حمراء، تحت أقواسٍ مزدانة بالورد، وعلى مسرح ترفرف فوقه الأعلام الفلسطينية والتركية، أعلنوا تمسكهم بالحياة رغم عامين من حرب الإبادة التي تركت جراحها مفتوحة.
من بين الركام، أقام أكثر من 400 عريس وعروس في بلدة الزوايدة عرسًا جماعيًا حمل شعار «نحب الحياة رغم الإبادة»، بدعم من مؤسسة الرباط التركية، ليستعيدوا خلال ثلاث ساعات نبض الفرح وبعضاً من حياتهم المفقودة، وهم الناجون من حرب تركت في قلوبهم أحزانا عميقة على فراق الأحبة والأماكن، رغم فقدٍ خلّف أكثر من 70 ألف شهيد و170 ألف جريح ودمارًا واسعًا.
فرح رغم الألم
تركته الحرب وحيداً بين الركام والفقد، لتحتضنه منظمة الرباط التركية في عرسها الجماعي الذي جاء ليضمد شيئاً من الجراح ويخفف ثقل الألم عليه.
العريس أبو محمد الشافعي الذي فقد زوجته وأبناءه الأربعة في استهداف إسرائيلي غادر، يقف اليوم مبتسماً إلى جانب عروسته، وقد ارتسمت على وجههما ملامح الفرح رغم قسوة ما عاشه من ويلات التشريد والدمار والتجويع طوال حرب الإبادة.
بابتسامة تعلوا ملامح وجهه، يقول الشافعي:" نحن كفلسطينيين وغزيين أصابهم الألم والجراح على مدار عامين، أبينا رغم الفقد وكافة الأحزان والأوجاع إلا أن نفرح ونترك كل ما عشناه خلفنا"، مستدركاً:" لم يكن الأمر سهلاً علينا، لكن عزائنا الوحيد أن شهدائنا عند ربهم أحياء، وهذا ما تربينا عليه وعاهدناه".
وأوضح لـ "الاستقلال"، أن مشاركته في حفل الزفاف الجماعي رسالة حياة وإصرار على البقاء، مضيفاً:" إذا استطاع الاحتلال أن يقتل البشر ويدمر الحجر، فهو لم يقتل الإرادة والحياة فينا، فنحن شعب نستخرج الضحكة من بين الركام والأحزان، ونصنع من دمعنا طوقاً من الياسمين، لن ننسي من رحلوا بل مُصرين على أن نكون بخير ونحيا بكرامة".
وأكد أن غزة أبية على الانكسار، وأن الإرادة والعزيمة والتحدي عنوانها، فرغم كافة الجرائم والفظائع الذي مرت بها خلال العامين الماضيين وما زالت مستمرة، مضيفا" سنبقي متجذرون في أرضنا، وان شاء الله سنخرج جيلاً يواصل ويستمر قدماً نحو التحرير الكامل لفلسطين وعاصمتها القدس الشريف".
"أحياء وللحلم بقية"
وعلى واقع أصوات الزغاريد والأهازيج التراثية، تسير الشابة منى أحمد (27عاماً) إلى حفل زفافها ممسكة بيد عريسها، متمنيةً لو أن فرداً واحداً من عائلتها على قيد الحياة ليشاركها لحظة فرحها الذي طال انتظاره.
بعيونٍ تلمع فرحاً، تقول منى لـ "الاستقلال":" نحن اليوم نعيش أكبر فرحة بحياتنا رغم الفراق والدم والدمار، مبسوطين جداً لأننا ما زلنا ننبض من تحت الركام، ما تجاوزناه ليس شيئاً بسيطاً أو عادياً، لكن الحمد الله نحن أحياء وللحلم بقية".
وأضافت:" كانت أمي وأبي وإخواني ينتظرون يوم زفافي بفارغ الصبر، كوني الابنة الوحيدة والمدللة، وعندما جاءت الحرب أصروا تأجيله لحين انتهائها حتى يفرحون ويجهزون كامل التفاصيل، لم يرغبوا أن أتزوج بخيمة، لكن للأسف الحرب قتلتهم وقتلت فرحتي معهم".
وأشارت إلى أنها لم تتوقع للحظة أن يتم زفافها لعريسها بحفل جماعي كبير، واصفةً حفل الزفاف بــ" الفرح المميز وغير المتوقع" في ظل ما يعانيه القطاع إثر ويلات الحرب.
إحياء الأمل بالمستقبل
وبدوره، أكد محمد الشنا، المتحدث الإعلامي لحفل الزفاف الجماعي الممول من مؤسسة الرباط التركية، أن تزويج 406عريس وعروس في غزة، ليس مجرد طقس احتفالي عابر، بل رسالة حياة في مواجهة الدمار، ومحاولة في إعادة الأمل الى مجتمعٍ أنهكته الحرب.
وقال الشنا لـ "الاستقلال": "إن الاحتلال الإسرائيلي سعى خلال الحرب إلى إعدام وتدمير ملامح الحياة والفرح في غزة، وجئنا اليوم لنحيي الأمل في الحياة والمستقبل".

وأضاف ":" أن العرس الجماعي جاء استجابةً للواقع الإنساني الكارثي الذي يعيشه قطاع غزة بعد عامين من الإبادة الجماعية واستشهاد أكثر من 70 ألف مواطن، وتلبيةً لرغبة الغزيين بالبحث عن الحياة رغم أن الاحتلال يريد قتلهم وتغيبهم".
وأوضح أن منظمة الرباط التركية أجرت بحثاً ميدانياً اجتماعياً لاختيار الحالات الأصعب من العرسان، حيث كانت الأولوية لـ "الناجي الوحيد" من الأُسر التي مُسحت من السجل المدني بالكامل، ومن فقد زوجته وأبناءه ويريد تكوين عائله جديدة، وكذلك من عقد قرانه على زوجة شهيد، وأيضاً من دٌمر بيته وبيوت عائلته ويعيش الآن بالخيام، إضافة إلى الرجال الذين تجاوزا مرحلة الشباب ولم يستطيعوا الزواج طوال الفترة الماضية بسبب الفقر أو البطالة.
وأشار إلى أن المنظمة التركية قدمت للعرسان منحة مالية بالإضافة إلى هدايا أخرى لمساندتهم للبدء في تأسيس حياتهم الجديدة وبناء أسر جديدة بالمجتمع الغزي الذي عاش ويلات الحرب على مدار شهور طويلة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق