العدد (2971)

اتفاقٌ يحبُو على يدَيْهِ وقدمَيْه

اتفاقٌ يحبُو على يدَيْهِ وقدمَيْه
رأي الاستقلال

بقلم رئيس التحرير/ أ. خالد صادق

مفاوضات مضنية وصعبة تخوضها فصائل المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني؛ لأجل وضْع حدّ للعدوان الصهيوني وحرب الإبادة التي يخوضها الاحتلال ضدّ الفلسطينيين، فصائل المقاومة تسعى جاهدة لوقف العدوان العسكري الصهيوني على قطاع غزة، وانسحاب الجيش من القطاع، وضمان عودة الغزيّين إلى أماكن سُكناهم دون قيود، بينما يصرّ الاحتلال على إبقاء الوضع الميدانيّ في قطاع غزة على ما هو عليه، البقاء في محور "فيلادلفيا" والبقاء في محور "نتساريم" وفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، وفصل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا عن مدينة غزة، وإنشاء منطقة حدودية عازلة بعمق اثنين كيلو متر شرق القطاع، ولجأ الوسطاء إلى صيغة التدرُّج في الخطوات؛ لأجل تضيّيق الفجوات وإيجاد حلول وسط، وحقيقة أن الاتفاق لا زال يحبو ويزحف على يديه وقدميه، لكنّ هناك رغبة أمريكية جامحة لإنجاح الجهود ووقف العدوان على قطاع غزة، والرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب بات يرغب في وضْع حدٍّ للعدوان على غزة؛ لأجل التفرُّغ لِمَا يُسمّى بصفقة القرن، وتحقيق رغباته السياسية وبرنامجه الانتخابي الذي أعلنه أمام جمهوره إبّان معركته الانتخابية بمواجهة المرشّحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي الأمريكي كاميلا هاريس؛ لأجل ذلك جاءت هذه الجولة من المفاوضات مختلفة عن سابقتها، وقد تؤدّي إلى نتائج تُوصلنا لوقف العدوان الصهيوني المستمرّ على قطاع غزة منذ خمسة عشر شهرًا، والذي يشهد تصاعُداً كبيراً في أعداد الشهداء الفلسطينيين نتيجة الاستهداف المتعمَّد من الاحتلال الصهيوني للمدنيّين الفلسطينيين والتواطؤ الدولي غير المسبوق مع الاحتلال.

 

ما تمّ تسريبه عبر وسائل الإعلام عن بنود الصفقة، والذي -لا زلنا نتعامل معه بحذر ولا ندري مدى صحته- يحتوي على أنّ الاتفاق به فجوات كثيرة متروكة؛ حتى لا يظهر الاحتلال أنه خرج من الاتفاق خاسراً ولم يحقّق أهداف العدوان، فالاتفاق حسب فضائية العربي الجديد سيستجيب لرغبة "إسرائيل" بوجود قوات عربية ودولية على معبر رفح وفي محور "نتساريم" وشمال مدينة غزة، وأن "إسرائيل" ستُقيم منطقة عازلة على الحدود الشرقية للقطاع تصل إلى سبعمائة متر بعدما طالبت بـ2 كيلو متر، كما أن الاتفاق ينص على انسحاب تدريجي وعلى فترات من المناطق الثلاث، وأن "إسرائيل" ما زالت تتحفظ على أعداد وأسماء بعض أسرى المؤبدات الذين سيُفرَج عنهم، ومن بينهم القائد الأسير مروان البرغوثي، وأن الإفراج عن الأسرى الكبار مشروطٌ بإبعادهم عن الضفة المحتلة وتوجيههم إما لتركيا أو قطر أو مصر، والحقيقة أن فصائل المقاومة الفلسطينية واجهت مطالبَ الاحتلال بشراسة وقوة، وتمسّكت بمواقفها إلى حدٍّ بعيد، وقدّمت تنازلات في بعض القضايا التي لا تمسّ بالجوهر العام لهذه المفاوضات، وكان حجم الضغوطات عليها هائلاً كبيراً، وهي ما تزال تحاول بكلّ قوة أن تحسِّن من شروط التفاوض لصالحها، وفي الوقت نفسه هي حريصة على عدم إفشال المفاوضات، خاصة أن الاحتلال يخوض حرباً لا أخلاقية ضدّ شعب أعزل ولا تحكمه أيّة قوانين، والعالم يتخاذل ويغضّ الطرف عن جرائمه الجماعية التي يرتكبها جيشه النازيّ ضدّ الغزيّين.

 

ما زلنا في مرحلة الانتظار وما ستسفر عنه هذه الجولة من المفاوضات، والخروج بشكل رسميّ بنتائج ونصوص الاتفاق المنتظَر، وفي كلِّ الأحوال الشعب الفلسطيني يثق بقيادته ومقاومته، ويدعمها في مواقفها بشكل مطلَق وبلا قيود، ويُظهِر صموداً أسطورياً صلباً ومتيناً ستتحدث عن الأجيال، وسيسطِّره التاريخ بصفحاتٍ من نور، فالحرب بكلِّ ما حملته من جرائمَ بشعة وغير مسبوقة، وبحالة خذلان عربي وإسلامي ودولي، لم تكسر إرادة الفلسطيني، ولم تفُتْ في عضده، وإنْ كان الله قد كتب النهاية لهذا العدوان الصهيوني غير المسبوق على قطاع غزة، فإنّ المنتصر في هذه المعركة هو الشعب الفلسطيني الذي قدّم كلَّ هذه التضحيات التي تعجز عن حملها الجبال؛ لأنه شعبٌ عظيمٌ يعشق الحرية ويناضل من أجلها ويقدِّم عظيمَ التضحيات، وإنْ كان ما زال للمعركة بقيةٌ -لا سمحَ الله- فان شعبنا الفلسطيني سيبقى مثالاً يُحتذَى في الصمود والتحدي، فلا توجد حربٌ بلا نهاية، وحتماً سينتهي هذا العدوان عاجلاً أو آجلاً، وسيبقى الشعب الفلسطيني الرقمَ الصعبَ الذي لا يمكن تجاهلُه.

التعليقات : 0

إضافة تعليق