بعد نفاذ الدقيق

خبز البقوليات.. طوق النجاة الأخير لمواجهة الجوع في غزة

خبز البقوليات.. طوق النجاة الأخير لمواجهة الجوع في غزة
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
داخل خيمة مهترئة في منطقة البصة غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تنهمك المواطنة أم يامن السوافيري (40عاما)، بإعداد بضعة أرغفة من خبز المعكرونة، في محاولة منها لإسكات جوع أبنائها، في ظل النقص الحاد بالدقيق وإرتفاع أسعاره بنسبة فاقت 500٪.
فمع اشتداد حرب التجويع التى تمارسها سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضد القطاع، واغلاق المعابر ومنع ادخال المساعدات الانسانية للشهر الثالث علي التوالي، لجأت "السوافيري" وألاف العائلات الغزية لطحن المعكرونة والبقوليات كحل اضطراري لخبز رغيف يسد رمق عائلاتهم ولو مؤقتاً، وسط معركة الصراع من أجل البقاء.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مؤخراً، إن مئات الآلاف من الفلسطينيين بغزة يتناولون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة، جراء سياسة التجويع التي تواصل "إسرائيل" تنفيذها في القطاع بإغلاقها للمعابر ومنع دخول المساعدات الإغاثية منذ أكثر من شهرين.
ويعتمد 2.4 مليون فلسطيني في القطاع، بشكل كامل على تلك المساعدات، بعدما حولتهم الإبادة الجماعية الذي يواصل الاحتلال ارتكابها منذ 19 شهرًا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
" لا اختيارات لدينا"
بصوتٍ مُضطرب و عيونٍ دامعة، تقول السوافيري لـ"الاستقلال: "حالنا ببكي الحجر، كُل يوم بنعافر عشان نقدر نوفر لقمة تسد جوع أطفالنا، ما ضل فينا حيل، ولا اختيارات اخرى لدينا".
وتتابع بألم:" أطفالي يجمعون المعكرونة من التكية، وأغسلها جيداً من بقايا الصلصة، وأقوم بتصفيتها، ثم أُضيف ماءً دافئ عليها، و قليلاً من الخميرة والملح، أعجنها وأتركها لتخمر، بعدها أخبزها على الحطب".
وتعتمد السوافيري على التكيات الخيرية في توفير المعكرونة، ومن ثم تحويلها الى خبز، نُظراً لارتفاع ثمنها بالأسواق عقب اقبال الناس عليها كبديل عن الدقيق، حيث وصل ثمن كيس المعكرونة 300جرام لـ 15 شيكل، وهو ما لا تستطيع شراءه يومياً في ظل الازمة المالية الصعبة التي تعيشها بعد مرور 19 شهراً على حرب الابادة الاسرائيلية. وفق قولها.
وتًضيف وهي تُقلب الأرغفة في المقلاة:"طعم هذا الخبز وجودته ليس كالخبز العادي، فخبز المعكرونة طعمه أِشبه بالبسكوت ويصبح يابساً يوماً بعد يوم، فنأكله بالإجبار في ظل عدم توفر الغاز للتسخين الفوري".
وفي ظل الجوع والأزمة الخانقة، تقتصر "السوافيري"وعائلتها المكونة من خمسة أفراد، على وجبتين يومياً، ورغيف خبز واحد لكُل فرد لسد رمقهم، مشيرةً الى أن المثل الشعبي الذي يقول "ريحة البر ولا عدمه" بات نمطاً لحياة الغزيين.
الجوع يصنع المستحيل
وهناك بمنطقة المواصي الساحلية غرب مدينة خانيونس جنوب القطاع، يتناوب المواطن أبو محمد الأسطل ( ٤٨عاما)، وأبناءه بطحن ما لديهم من بقوليات كـ" العدس، والأرز، الفاصولياء" على طاحونة الجاروشة القديمة "الرحى" ، وتحويلها إلى دقيق كبديلٍ عن دقيق القمح.
ويقول الأسطل خلال حديثه لـ "الاستقلال":" الأسواق شبه فارغة، والدقيق مفقوداً، والمعكرونة أصبحت غالية جداً وليس بمقدور جميع الناس شرائها، لذلك اتجهنا لطحن البقوليات كالعدس والفول وأحيانا الحمص من أجل الحصول على دقيق البقوليات لنصنع منه الخبز".
ويتابع وقطرات العرق تتساقط من جبينه: "الجوع يصنع المستحيل ويجبر صاحبه على ابتكار أي وسيله لسده سواءً بالطرق المعروفة من طعام والمواد الغذائية أو من خلال استخراج مادة جديدة كدقيق البقوليات والمكرونة".
ويضيف:" عندما بدأ الطحين يشح في الأسواق اشتريت كيسين منه بـ 1000 شيكل، وفكرت بطرق كثيرة لإطالة أمد استخدامه، فكنا نُعطي كُل فرد رغيف واحد باليوم، ثم عرفت من جاري بخبز المعكرونة وانه اشبه بالخبر المصنوع من الدقيق العادي فبدأنا بتجريبه، وصولاً لدقيق البقوليات".
وبين الأسطل أن بعض الناس لجأوا لطحن الحمص، والأرز والشعير، وغيرها من البقوليات التي يمكن طحنها، لكنها حلول مؤقتة، والأزمة أعمق من مجرد خبز، نحن نريد "العيش بكرامة، لا أن نبتكر وصفات بسبب الجوع"، مشيراً إلى أن أسعار البقوليات تجاوزت الـ25 شيكل للكيلو الواحد.
ويشير إلى أن دقيق البقوليات يجبر المواطنين على خبزه بشكل يومي لأنه يجف وييبس ويصبح صعب المضغ في اليوم التالي، لافتاً الى أن تناوله أيضًا يحدث انتفاخات في القولون العصبي بسبب احتواء البقوليات على الغازات التي تحدث انتفاخات في البطن والقولون خاصة، وأن المواطنين قد تشبعوا من كثرة تناولهم البقوليات والحبوب طوال الحرب سواءً كانت طازجة أو معلبة، وكل ذلك له تبعات على عدم تقبل الجسم لمثل هذه الأطعمة.
وضع كارثي
ومؤخراً، قالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي لبنى كنزلي، إن الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مرحلة حرجة للغاية، مؤكدة أن مخزون البرنامج من المساعدات الغذائية قد نفد بالكامل وسط استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الإنسانية.
وأشارت إلى أن نحو 700 ألف مواطن في غزة كانوا يحصلون يوميا على وجبات غذائية من البرنامج، إلا أن تعذّر إدخال المساعدات أدى إلى توقف هذا الدعم، في وقت تتكدس فيه شاحنات محمّلة بالإمدادات عند المعابر بانتظار السماح لها بالدخول.
وحذّرت من أن استمرار هذا الوضع ينذر بوقوع وفيات نتيجة سوء التغذية، مشيرةً إلى أن البرنامج تمكن خلال فترات وقف إطلاق النار من إدخال ما بين 30 -40 ألف طن من المساعدات القطاع.
فيما أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني "أوتشا" إلى أن عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية ارتفع بنسبة 80% مقارنة بشهر آذار/ مارس الماضي، موضحا أن الأرقام تظهر أن 92% من الرضع بين 6 أشهر وسنتين لا يحصلون مع أمهاتهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية، ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة ستلازمهم مدى حياتهم، كما لا يتمكن 65% من سكان القطاع من الحصول على مياه نظيفة للشرب أو الطبخ.
وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أن معدل البطالة في قطاع غزة وصل إلى 68%، فيما تؤكد تقديرات البنك الدولي أن 100% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر.

وتشير التقديرات إلى أن القطاع يواجه خطر المجاعة الشاملة في ظل الحصار الكامل المستمر منذ أشهر، خاصة بعد إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي المعابر منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي حتى اليوم ومنعها دخول أية أنواع من الدقيق والمواد الغذائية الأساسية والوقود للقطاع.

التعليقات : 0

إضافة تعليق