غزة / معتز شاهين:
في ظل تصاعد التوترات الميدانية في قطاع غزة، ووسط مساعٍ أميركية جديدة لإحياء مفاوضات صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، تتباين التحليلات حول جدية المقترح الذي طرحه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف خلال لقائه برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
فبينما يرى محللون أن المبادرة تعكس تحركاً أميركياً أكثر جدية من سابقاته، إلا أن الشكوك تزداد حول نوايا حكومة الاحتلال، خاصة في ظل تحضيراتها المعلنة لعمليات عسكرية جديدة، تقوض فرص التهدئة.
وفي الوقت الذي يشير فيه البعض إلى أن واشنطن تملك أدوات ضغط حقيقية على (تل أبيب)، يرى آخرون أن المقترح لا يتعدى كونه غطاء سياسياً لتقاسم النفوذ بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، في محاولة لإعادة رسم خريطة السيطرة على الأراضي الفلسطينية، خصوصاً غزة، وسط غياب الإرادة الدولية وازدواجية المعايير.
وكان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف طرح خلال لقائه مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يوم الاثنين، مقترحاً جديداً لصفقة تبادل، وفقاً لما نقلته صحيفة معاريف العبرية عن مصادر مطلعة.
وحسب المصادر أن المقترح يسعى إلى الدفع بمسار يقدم أفقاً لإنهاء الحرب، وينطلق من أن صفقة شاملة تقود إلى وقف إطلاق نار دائم وطويل الأمد قد تجعل حركة (حماس) أكثر مرونة.
وفي سياق متصل، قالت (القناة 13) الإسرائيلية، إن ويتكوف حث خلال لقاءاته نتنياهو، على استغلال ما سماه نافذة الفرص في الأيام القادمة للتوصل إلى صفقة لوقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى.
ونقلت القناة عن مسؤولين إسرائيليين، أن ضغط ويتكوف أفضى إلى إرسال الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة، حيث من المتوقع أن يمكث عدة أيام. وأضافت القناة أن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً أقر، أن فرص توسيع الحملة العسكرية في غزة في الأيام القادمة قد تضاءلت.
نوبل أم حرب
ورأى الكاتب والمحلل السياسي المصري د. حسام فاروق، أن المقترح الأميركي الجديد لصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، الذي طرحه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف خلال لقائه حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يحمل طابعًا جادًا، لكنه يصطدم برفض محتمل من الأخير الذي يواصل التحضير لعمليات عسكرية جديدة في القطاع.
وقال فاروق في حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأربعاء، إن "الحديث عن صفقة شاملة مقبول ومقدر"، لكنه شكك في قبول نتنياهو بها، مشيرًا إلى أن "جيش الاحتلال أعلن عن احتمال تنفيذ عملية (عربات جدعون) بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب"، مما يعكس نية التصعيد لا التهدئة.
وأضاف أن حكومة نتنياهو، بتحالفها اليميني المتشدد، "لن تقبل بأي مبادرة تؤدي إلى إنهاء شامل للحرب أو انسحاب إسرائيلي من القطاع"، متوقعًا أن يعمد نتنياهو كعادته إلى "عرقلة أي خطوات تنفيذية حتى لو أبدى ظاهريًا قبوله للمقترح".
وفيما يتعلق بإطلاق حركة حماس سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، اعتبر فاروق ذلك خطوة "ذكية ومرنة"، تهدف إلى إيصال رسالة واضحة للرئيس ترامب بأن المقاومة "لا تعرقل المساعي السياسية، بل ترغب في إنهاء الحرب مقابل وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للاحتلال من غزة".
وفي السياق ذاته، أكد فاروق أن "الولايات المتحدة تملك أدوات الضغط على إسرائيل"، وإذا تعثرت المفاوضات، فإن "ترامب قادر على إخراج نتنياهو من المشهد"، وهو ما قد يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة.
وحول إمكانية التوصل إلى صفقة شاملة، شدد المحلل السياسي، على أن "الحل المؤقت لا يُجدي"، وأنه "آن الأوان لتسوية شاملة تنهي الحرب وتحقق السلام الحقيقي"، معتبرًا أن "ترامب، الذي أعلن في خطابه الرئاسي أنه جاء ليصنع السلام، يطمح لتحقيق إنجاز دبلوماسي قد يوصله إلى جائزة نوبل".
مجرد "غطاء"
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح إن المقترح الأميركي الجديد، لا يعكس نية حقيقية لإنهاء الحرب أو تحقيق السلام في قطاع غزة، بل يُستخدم كأداة لإنقاذ الاحتلال الإسرائيلي من مأزقه هناك، وإفساح المجال أمام واشنطن لتوسيع نفوذها في القطاع.
وشدد الصباح خلال حديثه مع "الاستقلال"، أمس الأربعاء، على أن "الولايات المتحدة لا يمكن اعتبارها وسيطًا نزيهًا أو جهة تبحث عن حلول"، مؤكدًا أنها تسعى إلى "زيادة التوترات وتصعيد النزاعات"، كما دلّت عليه خطوات الرئيس ترامب، بدءًا من صفقات الأسلحة الضخمة مع السعودية، والتي اعتبرها الصباح "الأكبر في التاريخ"، ولا علاقة لها بمشاريع سلام أو استقرار في المنطقة.
وأضاف: "الاحتلال الإسرائيلي في غزة وصل إلى نقطة لا يمكنه التقدم بعدها، وبات بحاجة إلى من يخرجه من مأزقه"، معتبرًا أن المقترح الأميركي يهدف إلى فرض وقف مؤقت لإطلاق النار يسمح بتبادل الأسرى، لكنه في جوهره "محاولة لتقاسم السيطرة على غزة بين واشنطن و(تل أبيب)، بحيث تبسط 'إسرائيل" سيطرتها على الضفة الغربية، بينما تتولى الولايات المتحدة الهيمنة على قطاع غزة، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء".
ورأى الصباح أن هذه التحركات الأميركية والإسرائيلية لن تنجح، داعيًا إلى "جبهة عالمية حقيقية تواجه المشروع الإجرامي الذي يُنفذ علنًا برعاية وصمت دولي".
وحول فرص التوصل إلى صفقة شاملة، اعتبر أن "الحديث عن ذلك غير منطقي"، لأن "لا أحد من الطرفين الأساسيين (الولايات المتحدة وإسرائيل) يريد ذلك أصلًا"، مضيفًا أن "المشروع الصهيوني الإمبريالي لم يكتمل بعد، وهم مصممون على مواصلة التوسع".
ولفت للنظر إلى أن المعطيات الإقليمية والدولية لا تهيئ لأي صفقة كبرى، بينما ينشغل العالم بقضايا يعتبرها أكثر أهمية، ما يُبقي القضية الفلسطينية في الهامش، رغم فداحة المأساة فيها.
التعليقات : 0