تحــت غطــاء إنسانــي

«مناطق عبور إنسانية».. خطة إسرائيلية أمريكية لتفريغ غزة وطرد سكانها

«مناطق عبور إنسانية».. خطة إسرائيلية أمريكية لتفريغ غزة وطرد سكانها
تقارير وحوارات

غزة/ سماح المبحوح:
بينما يسعى الوسطاء المصريون والقطريون والأمريكيون إلى اتفاق جديد بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة للتوصل إلى تهدئة مؤقتة وصولا لوقف إطلاق نارٍ دائم في قطاع غزة، تخطط مؤسسات إسرائيلية وأمريكية لتهجير الفلسطينيين داخليا وخارجيا.

وفي تطور لافت يكشف عن رؤية مقلقة لمستقبل قطاع غزة، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن خطة مقترحة من صندوق «إغاثة إنسانية» المشبوه والمثير للجدل، عرضت على الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، وتتمحور حول تهجير سكان غزة إلى «مناطق عبور إنسانية» مؤقتة داخل القطاع وخارجه.
وحسب وكالة «رويترز»، فإن الخطة التي تحمل طابعًا إنسانيًا من حيث الشكل، تُخفي في تفاصيلها تصورًا جذريًا يعيد رسم مصير أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر، وتعيد إلى الواجهة الحديث عن «هجرة جماعية طوعية» مدعومة من قوى إقليمية ودولية.
بحسب ما أوردته «رويترز»، فإن صندوق «الإغاثة الإنسانية» (GHF) الإسرائيلي المثير للجدل، المسؤول عن توزيع الغذاء في قطاع غزة، طرح خطة تقضي بإنشاء مجمعات سكنية مؤقتة تحت اسم «مناطق عبور إنسانية»، تكون ملاذًا مؤقتًا للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة، وتُستخدم كخطوة أولى في «برامج تأهيلية» تمهّد لاحقًا لانتقالهم إلى وجهات خارج القطاع.
في سياق متصل، أعادت «يديعوت أحرونوت» مؤخرا التذكير بتصريحات سابقة أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير/شباط الماضي خلال لقائه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث قال صراحة: «سنسيطر على غزة وسندمرها، سنزيل القنابل والمنازل المدمرة... إنها فكرة رائعة».
وتابع ترامب: «غزة مصدر دمار، وسكانها يعيشون في بؤس، يجب أن يغادروا، هناك مليون وثمانمائة ألف شخص بحاجة إلى الرحيل، وعلى الدول الغنية في المنطقة تمويل ذلك، يمكنهم الذهاب إلى منطقة واحدة، أو إلى سبع، أو إلى اثنتي عشرة، سنُنجز أمرًا مذهلًا، سنُحقق السلام، وسيتوقف القتل والتدمير».
تصريحات ترامب أثارت حينها عاصفة من الانتقادات في الأوساط الحقوقية والسياسية، واعتُبرت أول إعلان صريح عن خطة لـ»تفريغ غزة»، وهو ما تعزز لاحقًا بتقارير عن مشاورات متواصلة حول الموضوع في الدوائر الضيقة للإدارة الأمريكية.
وبحسب القانون الدولي، فإن «النقل القسري» للسكان تحت الاحتلال يُعد جريمة حرب، وقد يُدخل الخطة في إطار المساءلة القانونية، إذا ما ثبت تورّط أطراف دولية في تنفيذها قسرًا أو بدافع سياسي.
كما حذرت منظمات حقوقية من أن مثل هذه الخطط تفتح الباب أمام تهجير جماعي مقنّع، تحت شعار «المساعدة الإنسانية»، وهو ما يضعف فرص الحلول السياسية العادلة للقضية الفلسطينية، ويخلق واقعًا ديمغرافيًا جديدًا يُخدم أهدافًا توسعية إسرائيلية.
وإزاء ذلك، قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، محمد الهندي، قال :» كيان الاحتلال الإسرائيلي تحدث عن إنشاء مدينة إنسانية في غزة، مما يعني أنها لن تنسحب من القطاع، مشيرًا إلى أن تمسك «إسرائيل» بمحور موراغ يكشف عن استراتيجية تهجير للسكان الفلسطينيين.
وأكد الهندي في تصريحات متلفزة أمس الأربعاء، أن الفصائل الفلسطينية تعلم أن تل أبيب قد تنقلب على أي اتفاق، لافتا إلى أن الوسطاء في قطر ومصر يبذلون جهودًا كبيرة لكنهم يواجهون تعنتًا.
بدوره، قال القيادي بحركة حماس، باسم نعيم، :» الاحتلال حتى اللحظة يصر على البقاء في مدينة رفح جنوب محور موراج، ويسعى إلى تعميق وجوده العسكري على امتداد قطاع غزة بناءً على الوقائع بعد 2 مارس «2025، مشيرا إلى أن الاحتلال يريد أيضا الإبقاء على آلية المساعدات الحالية، التي وصفها بـ»مصائد الموت»، ولا يقدم أي ضمانات حقيقية لإنهاء الحرب.
وشدد على أن ما فشل فيه نتنياهو خلال 22 شهرًا من الحرب والمجاعة، لن ينجح في تحقيقه على طاولة المفاوضات.
مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية عماد أبو عواد أكد أن مسار التهدئة والتهجير مسارات منفصلة عن بعضها البعض، مشيرا إلى أن الوصول إلى تهدئة بين «إسرائيل» وفصائل المقاومة تعني تغيير شكل الحرب بشكل مؤقت، وهو إيقاف القتل والدمار وإدخال المساعدات والوصول لمرحلة معينة من الهدوء والبدء بترتيبات بالمنطقة المرتبطة بالتطبيع وغيره.
وقال أبو عواد في حديثه لـ»الاستقلال» :إن» الوصول للهدنة يعني إيقاف الحرب بشكلها الحالي ثم البدء بالضغط على الفلسطينيين من خلال إعاقة الإعمار وإبقاء واقع غزة كما هو، مشددا على أن المخطط الإسرائيلي الأمريكي في ظاهره وباطنه هو استمرار الضغط على قطاع غزة وعدم منحه « طوق نجاة» وأطر الحياة الطبيعية من أجل إعادة بناء نفسه من جديد، إنما خلق معيقات بهدف دفع الفلسطيني للهجرة وترك أرضه طوعا.
وأضاف :» لم تحاك مخططات التهجير ضد الفلسطيني للمرة الأولى، إنما تعيد خطة مناطق العبور الإنسانية إلى الأذهان محطات تاريخية مأساوية في القضية الفلسطينية، أبرزها نكبة عام 1948، حين تحوّل الفلسطينيون إلى لاجئين في دول الجوار بعد تهجيرهم من قراهم ومدنهم، ثم وضع وزير الاحتلال دايفيد بن غريون خطة في 1956 لتهجير 240 ألف نسمة من قطاع غزة وفشلت، و بعدها حاول السياسي الإسرائيلي أيضا إيغال ألون في 1969 خطة لتهجير 320 ألف نسمة من القطاع وفشلت، وأيضا فشل مخطط التوطين في السبعينات وغيرها».
وشدد على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تريد تخفيف عدد 7 مليون فلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية وبالـ48، حيث تعمل وفق سياسة ممنهجة في المناطق ذاتها، فخلال الأشهر الأخيرة تم طرد حوالي 60 ألف من مناطق «ج» بالضفة ، ما دفع أكثر من 150 ألف لمغادرتها وعدم العودة لها، وتعمل على تضييق حياة الفلسطيني في مناطق الـ 48، وبغزة ستضع معيقات وعراقيل كثيرة أمامهم، لعدم نهوضهم من جديد. ورأى أن نجاح مخططات «إسرائيل» للهجرة هي جزئية تكتيكية، لا يعني نجاح استراتيجي، فهي جربت خطة عربات جدعون وخطة الجرنالات وفشلت، مشددا على أنها ستفشل أيضا بمخطط حصر الفلسطينيين بمنطقة رفح.
وتوقع أبو عواد أن القضية الشائكة التي تواجهها «إسرائيل» من أجل حل المشكلة، هي وجوب دفعها الثمن وهو جزء من الحقوق الفلسطينية، وهي غير مستعدة لذلك، لكن مع وجود متغيرات داخلية دولية إقليمية ستقود لإلزام «اسرائيل» خلال السنوات القليلة المقبلة لإعطاء الفلسطيني حقوقه أو العودة لحرب اقوى واكبر في الاقليم وليس في داخل الاراضي الفلسطينية فقط.
بدوره، رأى أنس أبو عرقوب المختص بالشأن الإسرائيلي، أن مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره ممن يدعون لهجرة الفلسطينيين من أراضيهم، يجري الاعداد لتنفيذه على أرض الواقع، وهو إيجاد تجمعات كبيرة من السكان في منطقة رفح جنوب القطاع، وإيجاد أيضا مسار تجاه البحر لاحضار السفن تمهيدا لنقل السكان للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون في السودان أو مناطق في الصومال خارج نطاق سيطرة الحكومة الصومالية.
وأوضح أبو عرقوب لـ»الاستقلال» أن نتيناهو سيستغل وجوده في الولايات المتحدة ويجري لقاءات مكثفة مع رؤساء دول افريقية وجماعات ارهابية للدفع بالمخطط قدما.
وبين أن «اسرائيل» تراهن على عامل الوقت ومنع اعادة الاعمار وعرقلة دخول الامدادات والمساعدات الإنسانية، ما سيدفع الفلسطيني للمغادرة نحو افريقيا، وهو مخطط يجري تنفيذه على الارض.
وفيما يتعلق بالتهدئة، أشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية جراء الكمائن الأخيرة التي أوقعت خسائر بشرية وعجزها عن تحرير الرهائن، مضطرة إلى التسليم والقبول بالمرحلة الأولى للتهدئة التي ستدوم شهرين، متوقعا أن يعود نتنياهو بعد انتهاء الشهرين لمواصلة الحرب بالقصف وسياسة الاغتيالات كما يعمل في لبنان.

التعليقات : 0

إضافة تعليق