غزة/سماح المبحوح:
من جديد، يسعى الاحتلال الإسرائيلي لإتخاذ مزيد من الخطوات العملية باتجاه الضم الفعلي لأراضي الضفة الغربية والهيمنة على أغلب مساحتها، من خلال استئناف "تسوية الأراضي" التي بدأت في العهد الأردني، وتوقف مع احتلالها عام 1967.
وصادق الكابينيت، الأحد الماضي، على اقتراح مشترك قدّمه وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، باستئناف تنفيذ خطة تسوية الأراضي في الضفة الغربية، ووقف ما وصفوه بـ"محاولات السلطة الفلسطينية غير القانونية للاستيلاء على أراضٍ في المنطقة المصنفة (ج)".
وبحسب نص القرار، فإن حكومة الاحتلال ستستأنف الإجراءات الرسمية لتسوية وتسجيل الأراضي في الضفة الغربية، فيما ستُعدّ كافة الخطوات التي تتخذها السلطة الفلسطينية في هذه المناطق، بما فيها الخرائط والمستندات والموافقات، غير الشرعية وعديمة الأثر القانوني داخل "إسرائيل".
وكان وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش قد قال، في شرحه للقرار، أن "تسوية الأراضي ستوفّر أساسًا قانونيًا مستقرًا، وستتيح تخصيص احتياطاتٍ من الأراضي لتوسيع المستوطنات، كما ستُفشل جهود السلطة الفلسطينية في السيطرة على الأراضي المفتوحة".
وأضاف أن "هذه الخطوة تندرج ضمن خطةٍ أكبر تشمل تنظيم المستوطنات الناشئة، وتطوير الطرق والبنية التحتية، واستيعاب مليون مستوطن جديد، بما يعزز الحزام الأمني ويمنع قيام دولة فلسطينية".
وأكد سموتريتش أن القرار يندرج ضمن "ثورة فرض السيادة الفعلية على الضفة الغربية"، مبينًا أن "إسرائيل ستتحمّل المسؤولية المباشرة عن مناطق (ج) بوصفها جزءًا من سيادتها الدائمة، وتبدأ بخطوات عملية لتسوية الأراضي هناك".
وبموجب اتفاقية أوسلو، تم تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل نحو 61% من مساحة الضفة الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، أصدر مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي تعليماته للمؤسسة الأمنية بوقف عملية تسجيل الأراضي التي بدأتها السلطة الفلسطينية "بأي وسيلة متاحة"، حيث صرح وزير الحرب يسرائيل كاتس بأن هذا القرار سيعزز الاستيطان الإسرائيلي في المنطقة.
ويشير مصطلح "تسوية الأراضي" إلى التسجيل الرسمي لحقوق الملكية بعد عملية رسم الخرائط والتحقق من ادعاءات الملكية. وبمجرد إتمام عملية التسجيل، المعروفة باسم "الطابو"، يصعب الطعن فيها. وكجزء من هذه العملية، تُنقل ملكية أي أرض لا تحمل ادعاءات ملكية موثقة إلى الدولة.
ويتضمن القرار الإسرائيلي تدابير مثل منع المسؤولين والمساحين الفلسطينيين من دخول المناطق التي تجري فيها عملية التسجيل، ومنع تحويل المساعدات المالية الأجنبية المخصصة لدعمها، والمطالبة من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بوقف العملية.
وباستئناف تسجيل الأراضي، ستتولى وحدة "تسجيل الأراضي" التابعة لوحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، تنظيم وتسجيل ملكية الأراضي في مناطق (ج)، وهي أراض فلسطينية محتلة، بما في ذلك إصدار أذونات البيع، وجباية الرسوم، والإشراف على إجراءات التسجيل، في مقابل منع السلطة الفلسطينية من أداء مهامها في هذه المناطق.
تداعيات خطيرة
المحلل السياسي أمين أبو وردة رأى أن خطة تسوية الأراضي بالضفة الغربية المحتلة سيكون لها تداعيات خطيرة تهدف إلى ترسيخ الاستيطان غير القانوني وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي حلم إقامة دولة فلسطينية أصبح في "مهب الريح".
وقال أبو وردة لـ"الاستقلال" إن قرار تسوية الأراضي في الضفة خطة قديمة جديدة تبناها سموتريتش منذ توليه الإدارة المدنية، لتهويد الأرض وطرد الفلسطينيين من قراهم وبلادهم لصالح إقامة مستوطنات،حيث سعى منذ اللحظة الأولى وما زال على فرض السيطرة الكاملة على الضفة وقضم أراضي لصالح مشروع توسيع المستوطنات وبناء جديدة".
وأضاف:" تستند خطة التسوية على ضم أراضي واسعة لدولة الاحتلال، وتحويل بعض المستوطنات الى كتل استطانية كبيرة، وبالتالي سيتم بالمرحلة الأولى مصادرة حوالي 30 % من أراضي الضفة، والسيطرة على 30% بالمرحلة الثانية"، مشددا على أنه بذلك سيقضم الأراضي الفلسطينية وسيجعل إقامة دولة فلسطينية صعب المنال بل مستحيل.
وتابع :" الاحتلال أوصل رسالة للسلطة بأن إقامة دولة فلسطينية أو كيان فلسطيني لن يكتب لهما النجاح وينهي بشكل تام اتفاق أوسلو الذي نص على اقامة دولة فلسطينية بعد 5 سنوات"، مشيرا إلى أن الضفة ستصبح عبارة عن كنتونات موزعة بالضفة شمال ووسط وجنوب، وداخل كل واحدة محافظة ومدن منفصله عن بعضها البعض دون ترابط جغرافي.
ولفت إلى أن الاحتلال يعتبر نفسه مسيطر على الضفة، ولن يعترف بشكل قاطع بالدولة الفلسطينية، فهو جعل من خلال خطة التسوية مساحات واسعة من الضفة ليس لها أصحاب وليس لهم حقوق، لعدم إمتلاكهم إجراءات الطابو أو أوراق ملكية، وبذلك تسجل تحت إطار أملاك الغائبين وبعدها تتحول لدولة الاحتلال حسب القانون الإسرائيلي المعمول به بالضفة".
صراع لإثبات الملكية
سهيل خليلية المختص بشؤون الاستيطان رأى أن خطة تسوية الأراضي بالضفة تتجاوز الحظر الموجود على شراء المستوطنين للأراضي بالضفة وتسجيلها بأسمائهم، وبالتالي فإن ذلك سيفرض على الفلسطينيين التقاضي وإثبات ملكيتهم للأراضي أمام دائرة تتبع للإدارة المدنية في حكومة الاحتلال، فيما سيكون جوهر عمل هذه الدائرة تجريد الفلسطيني من أرضه.
وأوضح خليلية لـ"الاستقلال"أن الخطة ليس مفاجئة أو جديدة، حيث أن حكومة الاحتلال كانت تهدد طوال السنوات الماضية بأنها ستقوم بإنفاذ عملية التسوية، من أجل إعدام الحراك الرسمي الفلسطيني في موضوع تسوية الأراضي، مضيفًا أن القرار يستهدف ما تفعله الجهات الرسمية الفلسطينية من تنظيم للأراضي وتسوية وتسجيل.
وبين أن الخطة طرحت لأول مرة قبل نحو 6 أشهر لتسهيل عملية شراء الأراضي بشكل مباشر، حيث عمل سموتريش على إلغاء قرار الحاكم العسكري في العام 71 القاضي آنذالك للمؤسسات والشركات فقط بشراء أراضي بالضفة، ويلغي التمييز ويسمح لجميع المستوطنين بفعل ذلك أيضا.
وأشار إلى أن الخطة ستفتح شهية المستوطنين على تزوير العقود والمستندات وحقوق ملكية الفلسطينيين لأراضيهم، لتسجيلها بأسمائهم، وبالتالي سيكون الفلسطيني في صراع طويل لإثبات ملكيتهم لأراضيهم، مشددا على أهمية التحرك الفلسطيني لدى المحكمة الجنائية الدولية وتقديم شكوى ضد الاحتلال.
التعليقات : 0