غزة / معتز شاهين:
في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة تحت مسمى "عربات جدعون"، تبرز اهداف قد تتجاوز الأبعاد العسكرية المُعلنة، كونها تخفي وراءها مشروعًا سياسيًا أخطر، يهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي جذري في القطاع.
ويرى محللان مختصان بالشأن الإسرائيلي، في حديثين منفصلين لصحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، أن الخطة تحمل ملامح تهجير جماعي غير مُعلن، وتُعيد إحياء مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بترحيل سكان قطاع غزة إلى دول أخرى.
كما يُشير المحللان إلى دور أمريكي غير مباشر في دعم هذه التوجهات، من خلال التراجع عن إدخال المساعدات الإنسانية، وتوفير غطاء سياسي لاستمرار العمليات دون رادع دولي حقيقي.
ويوم السبت، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ مرحلة جديدة من عدوانه الواسع على قطاع غزة، تحت اسم "عربات جدعون"، في وقت تستمر فيه المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، بالتوازي مع إخفاق المساعي الدولية وفي مقدمتها زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة – في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.
وفي بيان صادر عن جيشه، أعلن الاحتلال عن تنفيذ "هجمات مكثفة" وتحشيد واسع لقواته للسيطرة على مناطق جديدة داخل القطاع، في إطار ما وصفه بـ"تحقيق أهداف الحرب"، التي تشمل – وفق روايته – "إطلاق سراح الرهائن وهزيمة المقاومة"، في حين تؤكد مصادر فلسطينية أن ما يجري هو تدمير شامل للبنية التحتية وتطهير ديموغرافي متعمد.
وكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد صرّح في وقت سابق بأن سكان غزة "سيُدفعون إلى الجنوب"، في خطوة تُعدّ محاولة واضحة لتهجير جماعي قسري، تتزامن مع موافقة حكومته على توسيع العدوان وتحويله إلى "غزو بري شامل".
بين السلاح والسياسة
يرى المحلل في الشأن الإسرائيلي، د. عدنان الأفندي، أن خطة "عربات جدعون" التي بدأ جيش الاحتلال تنفيذها في قطاع غزة لا تقتصر على الأهداف العسكرية، بل يُحتمل أن تكون جزءًا من مشروع سياسي أوسع يستهدف إحداث تغيير ديموغرافي جذري في القطاع.
ويرجّح الأفندي، خلال حديثه مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الأحد، أن أحد الأهداف الخفية للخطة هو تجميع سكان غزة في منطقة رفح جنوبي القطاع، وهي منطقة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، مما قد يدفع كثيرين للتفكير في الهجرة بحثًا عن الحد الأدنى من الظروف الإنسانية، وهو ما قد يُفسَّر كمحاولة تهجير جماعي غير مُعلن.
ويعتقد أن ما يجري اليوم في غزة يتقاطع بشكل واضح مع ما سبق أن طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي تحدّث صراحة عن ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى.
كما يرى الأفندي أن التراجع الأمريكي عن إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة بعد الإفراج عن الرهينة الأمريكي عيدان ألكسندر، رغم الوعود السابقة، قد يُفهم على أنه مؤشر على دعم غير مُعلن للخطط الإسرائيلية، وربما محاولة لإبقاء الضغط على المقاومة الفلسطينية دون تقديم أي مكاسب إنسانية لسكان القطاع.
ويتوقع الأفندي أن الأسابيع المقبلة قد تشهد تصعيدًا كبيرًا في حال مضت " إسرائيل" في تنفيذ مراحل خطتها، مشيرًا إلى احتمالات بتقسيم غزة إلى ثلاث مناطق جغرافية منفصلة، وفرض أمر واقع ميداني يخدم أجندات سياسية إسرائيلية، بعيدًا عن أي تسوية عادلة، في محاولة لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي عبر أدوات الميدان وليس عبر طاولة التفاوض.
مشروع تهجيري
واتفق المختص بالشأن الإسرائيلي، د. عمر جعارة، مع ما سبقه من رأي؛ بأن خطة "عربات جدعون" ليست خطة عسكرية بحتة، بل تنطوي على أبعاد سياسية عميقة، مستمدة من الخلفية التوراتية لشخصية جدعون، الذي ذُكر في العهد القديم كقائد نفّذ عمليات "تطهير سكاني" ضد المدنيين، وهو النموذج الذي تحاول "إسرائيل" محاكاته اليوم، على حدّ تعبيره.
وأضاف جعارة، في حديث خاص مع "الاستقلال"، أن الخطة تتجاوز الجانب العسكري لتتكامل مع مشاريع إقليمية طُرحت سابقًا، مثل خطة ترامب التي تضمنت تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا ضمن ما وُصف بـ"صفقات إقليمية".
ويشير جعارة إلى أن تسمية المعركة بـ"عربات جدعون" تعكس البُعد التهجيري، حيث ترمز "العربة" إلى الترحيل الجماعي.
وفي تعليقه على رفض "إسرائيل" لعروض التهدئة، رغم تطابق بعضها مع شروطها المُعلنة، رأى جعارة أن الرفض يعود إلى رغبة حكومة نتنياهو في تحقيق نصر وهمي، داخليًا وخارجيًا، عبر مواصلة الضغط العسكري، وليس سعيًا حقيقيًا لإنهاء الحرب.
أما بخصوص الموقف الأمريكي، فقد وصفه جعارة بأنه "متواطئ ضمنيًا"، منتقدًا تراجع واشنطن عن إدخال المساعدات رغم وعودها السابقة.
وأكد أن 'إسرائيل" لا تملك استقلالية حقيقية عن الدعم الأمريكي، سواء عسكريًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا، مضيفًا: "من دون الكهرباء والدولار والسلاح الأمريكي، "إسرائيل" لا تستطيع الصمود"
وشدد جعارة على ضرورة وحدة الموقف السياسي والشعبي والفصائلي، وعدم التعويل على المواقف الغربية أو حتى بعض المواقف العربية الرسمية، داعيًا إلى التمسك بالمطالب الجوهرية المتمثلة في: الانسحاب الكامل من قطاع غزة، ووقف القتال، وبدء الإعمار، وضمان عدم تكرار العدوان.
التعليقات : 0