رأي الاستقلال (العدد 2945)
يكتبه/ رئيس التحرير خالد صادق
زعم الاحتلال الصهيوني وفق معاييره اللا منطقية ان عدوانه على غزة, تحول من عدوان مركزي لا محدود, الى عدوان ثانوي روتيني "دائم", باعتبار انه حقق كل اهداف العدوان على قطاع غزة, والتي لم يحقق منها شيئا حتى الان, والمتمثلة بالقضاء على المقاومة الفلسطينية, وإعادة الاسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية, والسيطرة على القطاع عسكريا وادارته مدنيا بعد انهاء حكم حماس فيه, التقديرات الإسرائيلية مدفوعة بعدة عوامل, منها قناعته ان عدوانه الهمجي على قطاع غزة لن ينتهي سريعا, وانه قد يستغرق وقتا اطول, لانه وجد ان سياسة "الإبادة الجماعية" التي يخوضها بشكل ممنهج ضد شعب اعزل, تواجهها سياسة "الإرادة الراسخة" التي انتهجتها المقاومة الفلسطينية بصلابة وشجاعة لمواجهة هذه الحرب الشعواء على سكان القطاع, كما انه يمهد لمرحلة جديدة من المواجهة يرغب ان يسخر كل امكانياته لها, وهى تتعدى عدوانه المتصاعد على لبنان, انها المواجهة مع الجمهورية الإسلامية الايرانية والتي يسعى الاحتلال لجر أمريكا الى هذه المواجهة لإدراكه انه لن يستطيع وحده ان يحقق اية نتائج لمواجهة ما اسماه "بالخطر الإيراني", ذلك لان ايران قوة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها, كما ان لديها نفوذ في المنطقة يجعلها تواجه من عدة جبهات, وقدراتها العسكرية تسمح لها بسحق "إسرائيل" وتكبيدها خسائر بشرية ومادية كبيرة, ومواجهتها بكل قوة وعنفوان, لذلك ترغب "إسرائيل" بمواجهة ايران من داخل الثوب الأمريكي الذي تظن انه قادر على حمايتها وتعزيز حصانتها وقوتها العسكرية والبشرية والاقتصادية في المواجهة العسكرية المحتملة مع الجمهورية الإسلامية الايرانية.
لذلك تتحدث "إسرائيل" انها باتت تتعامل مع قطاع غزة على انه قضية ثانوية، وقررت "بغباء" منقطع النظير ان تعدد من جبهات المواجهة مع المحور الإيراني، وتستنجد بالإدارة الامريكية لحماية مشروعهما المشترك الذي اطلقت عليه ايران اسم " الحلم السراب" بشرق أوسط جديد في المنطقة, تتحكم فيه "إسرائيل" بمقدرات الامة واقتصادها وسياستها وثقافتها وتراثها, وتصبح دول الشرق الأوسط محكومة بالتبعية الاجبارية "لإسرائيل" والإدارة الامريكية, وقد تجلت مظاهر هذا "الحلم السراب" فيما تسمى "بصفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب وسوق لها في المنطقة وتقبلتها بعض الدول العربية والإسلامية خوفا من الغضب الأمريكي عليها, وقد تبناها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن, وهو يسعى لتحقيقها بكل الطرق الممكنة, رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ابلغ أمريكا وبعض دول الغرب المتساوقة في سياستها ودعمها مع "إسرائيل" أن الشرق الأوسط الجديد لن يرى النور الا بإزاحة ايران من المشهد وتماما , واخضاعها جبرا للقبول بهذا الامر, وهذا لن يتأتى الا بهزيمتها عسكريا وسحق "مشروعها النووي" واضعافها عسكريا, ومحاصرتها, لذلك ليس مستغربا ان تجد كل هذا الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي اللامحدود من الإدارة الامريكية وبعض الدول الاوربية ودول أخرى "لإسرائيل", فالمشروع حلم مشترك بينهم جميعا ومكاسبه جمة, واداته للتنفيذ هي "إسرائيل" التي تشترط ان تجد الدعم والحماية والسند من حلفائها, بالإضافة الى الشراكة الفعلية في الحروب التي تخوضها "إسرائيل" في المنطقة حتى لا تغرق وحدها في مستنقع "الحلم السراب.
السؤال المطروح الان هل قطاع غزة تحولت فيه حرب الإبادة التي تخوضها "إسرائيل" الى عدوان ثانوي, بالتأكيد لا, لكن "إسرائيل" ايقنت ان غزة التي فعلت بها كل الافاعيل, واحرقت فيه الأخضر واليابس, واهلكت فيه الحرث والنسل, وعاثت فيها خرابا ودمارا لم يشهد له العالم مثيلا في العصر الحديث, لا زالت قادرة على الصمود والمواجهة وتدفيع الاحتلال اثمانا باهظة على كافة المستويات, فانتقلت من ساحة غرقت في رمالها المتحركة, الى ساحة لبنان لعلها تصل لضالتها وتحقق فيه انتصارا لم تستطع تحقيقه طوال عام من الإبادة الجماعية في قطاع غزة, فاغتالت الصف الأول والثاني لدى حزب الله, ودمرت الضاحية الجنوبية معقل حزب الله في بيروت, وشنت غارات مكثفة على الجنوب اللبناني, وظنت انها وصلت الى لحظات الانتصار, لكنها فوجئت باستعادة الحزب لقوته العسكرية سريعا, وإعادة ترتيب بيته الداخلي, واشغال كل الفراغات التي تركتها عمليات الاغتيال في وقت قياسي وقصير, وبدأت "إسرائيل" اليوم تحصي خسائرها المادية والبشرية, وفي نفس الوقت تحاول اقناع جبهتها الداخلية "المهترئة" بانها تحقق إنجازات ومكاسب من خلال ترويج الأكاذيب, ورغم ذلك ارتفعت الأصوات الاعلامية الإسرائيلية المنددة بسياسة الحكومة والجيش, وبدأت حالة الضجر ووجهت الانتقادات اللاذعة لحكومة نتنياهو, وللمؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية, واصبح الإسرائيليين رهينة الملاجئ وينتظرون صفارات الإنذار بين الفينة والأخرى, وهو ما لا تحتمله الجبهة الداخلية الإسرائيلية, ولا يمكنها ان تصمد طويلا امام هذه الحالة المتصاعدة والتي تطال كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحولت مدن شمال وجنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م الى مدن اشباح لا يتواجد فيها مستوطنون ولا يسمع فيها الا أصوات الانفجارات الناجمة عن تساقط الصواريخ من الشمال والجنوب.
قطاع غزة لن يكون في يوم من الأيام جبهة ثانوية لدى الاحتلال, حتى وان كان قد اعلن عن ذلك لأغراض تكتيكية مرحلية, فقطاع غزة اثبت بما لا يدع مجالا للشك انه الساحة الأخطر على الوجود الصهيوني في المنطقة, وان المقاومة فيه هي "الأخطر" والاصلب والاقوى والاجدر رغم قلة الإمكانات المادية والعسكرية لديها, وانه النقطة المركزية لوحدة الساحات لدى محور المقاومة, والذي يستطيع ان يحطم أحلام "إسرائيل" ومشاريعها واطماعها الاستعمارية, والقادر على افشال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحلم به الإدارة الامريكية ومن يدور في فلكهما, والتي تحفز "إسرائيل" لتحقيقه من خلال الدعم اللامحدود لها في كافة المجالات.
قطاع غزة سرعان ما سيعود كنقطة مركزية للعدون وحرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" عليه, فنتنياهو يروج الى ان الصراع مع ما اسماه "بمحور الشر" هو صراع وجود, ويقتضي ان تقوم فيه "إسرائيل" بالقضاء على كل اعدائها, حتى تضمن استمراريتها وتحقيق "حلمها" السراب يشرق أوسط جديد, لكنه لم يحقق حتى الان الا "انتصارات تكتيكية" من خلال استهداف قيادات لبنانية وفلسطينية, فهل سيضمن له ذلك تحقيق نصر كبير يحقق له الأهداف التي اعلن عنها مرارا وتكرارا, وحدها المقاومة الفلسطينية واللبنانية يمكن ان تجيب عن هذا السؤال.
التعليقات : 0