العدد (2968)

الضغطُ "اللاأخلاقي" للمساوَمةِ على شروطِ المقاوَمَة

الضغطُ
رأي الاستقلال

بقلك رئيس التحرير/ أ. خالد صادق

ما إن تصل المفاوضات على إبرام صفقة تبادل إلى نهاياتها (وتصل اللُّقمة إلى الزُوْر) حتى يقوم الاحتلال الصهيوني بوضع شروط جديدة؛ لإفشال المفاوضات والعودة إلى نقطة الصفر، الاحتلال يتعمَّد استخدام الحرب النفسية للضغط ليس على المقاومة بشكل مباشَر؛ لأنها تفهم تماماً طبيعة الاحتلال، إنما تضغط على القاعدة المجتمعية وتستهدف السكان المدنيّين بالقتل والتجويع والحصار وتضيّيق حياتهم المعيشية؛ كيّ يشكِّلوا عاملَ ضغطٍ قوياً على المقاومة لإبرام صفقة تبادل بشروط الاحتلال، والحقيقة أن هذه طبيعة اليهود تاريخياً فاللهُ عزّ وجلّ يقول: "أَوَكُلّمَا عاهَدُوا عهدًا نقضَهُ فريقٌ مِنهُم"، وهم دائماً ما يراهنون على الوقت والضغط من خلال القتل والحصار والتجويع، وبالتأكيد هي أمورٌ لا أخلاقية يمارسها الاحتلال الصهيوني بشكلٍ ممنهج ويظن أنها ستحقِّق له مكاسبَ كثيرة، وهو في سبيل ذلك يستعين بكلّ قوى الشرّ في العالم، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية التي توفِّر دائماً الغطاءَ اللازم للاحتلال الصهيوني؛ كي يتنصّل من كلّ الاتفاقيات التي وقّع عليها حتى تلك التي رعتها الإدارة الأمريكية، والمجتمع الدولي بمؤسساته الحقوقية والقانونية وبمواثيقه وأعرافه تُديره الإدارة الأمريكية بسياستها الخرقاء، وأساليب القوة والقهر والجبروت، غير عابئة بمحيطها الدولي الذي تُديره بمنطق القوة ووفق شريعة الغاب، والأمر لا يتطلّب إلّا كلمة من أربعةِ حروف (فيتو)؛ لكي تمرِّر سياستها الخرقاء وفق منطقها الأهوج، وقد استخدمتِ الإدارة الأمريكية حقَّ النقد (الفيتو) نحو ثمانين مرة؛ لحماية "إسرائيل" ومنْعِ إدانتها على جرائمها البشعة التي ترتكبها بحقِّ الشعب الفلسطيني، أو بسبب تنصُّلها من تنفيذ قرارات أُممية صادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة.

جولة المفاوضات الحالية، التي يُقال إنها أحرزت تقدُّماً وقد تشهد توقيعاً لاتفاق تهدئة، تمارس فيها "إسرائيل" كلَّ أشكال الضغط على المقاومة الفلسطينية؛ للنزول عند شروط نتنياهو الذي يرفض انسحاب جيشه من قطاع غزة، وإعلان وقف للحرب على القطاع، والإفراج عن أسرى فلسطينيين لدى الاحتلال من ذوي الأحكام العالية، وطالما أن نتنياهو متمسِّكٌ بهذه الشروط، فهذا يعني أنه يرفض التوقيع على اتفاق تهدئة؛ لأنه يدرك شروط المقاومة الفلسطينية التي لا يُمكن التنازل عنها بأيِّ حالٍ من الأحوال، وأنه بدون تحقيقها لن تُقدِم فصائل المقاومة الفلسطينية على التوقيع على تهدئة، وبالتأكيد هذه مرحلة عضّ الأصابع التي تتعرّض فيها المقاومة الفلسطينية لمؤامرة عالمية خبيثة وممنهجَة في محاولة لكسرها وإظهار "إسرائيل" على أنها المنتصرة وأن المقاومة خضعت لشروطها.

اتفاق لبنان سقط مع تمسُّك نتنياهو وحكومته بعدم الانسحاب من جنوب لبنان، وما تعنُّت الاحتلال الصهيوني إلّا حلقة في سلسلة كبيرة من حلقات الرفض الصهيوني بالانسحاب من أراضٍ احتلها في سوريا، وأراضٍ احتلها في قطاع غزة، وأراضٍ ضمّها في الضفة الغربية المحتلة، وبالتالي هو يتنصّل من التزاماته بسهولة؛ لأنه يدرك أن هناك مَنْ يحميه ويُدافع عنه ويمنع محاسبته على الجرائم التي يرتكبها بحقِّ شعوب المنطقة، نعم "إسرائيل" في مرحلة صعود وعُلوّ واستكبار غير مسبوقة، وهي جعلت من غزة (بُعبُعاً) لإخافة العالم كلِّه بما فيها الإدارة الأمريكية التي رضخت تماماً لسياسة نتنياهو، ومنحتْهُ كل الإمكانات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تُعينه على تحقيق أهدافه وإدامة أمد الحرب، وهو (نتنياهو) الذي قال بوضوح أمام مجلس الشيوخ الأمريكيّ، إنه لا يدافع عن "إسرائيل" فقط من خلال هذا العدوان الذي يشنه على قطاع غزة، إنما هو يدافع عن أمريكا وأوروبا والعالم المتقدِّم، وهو يعني ما يقول، ويوصل رسائله للعالم أنه تجب مساندته ودعمه مالياً وعسكريًّا، ويُعطَى الفرصة حتى يحقّق أهداف هذا العدوان على قطاع غزة بالقضاء تماماً على حماس والمقاومة، وإنهاء وجودها في القطاع، ولا غرابة أن يغضَّ العالم الطرْفَ عن حرب الإبادة والمجازر الجماعية والتجويع ونشر الأمراض والأوبئة، ويمنح "إسرائيل" الفرصة تلو الأخرى؛ كي يحقّق أهداف هذا العدوان حتى وإنْ كان ذلك على حساب أطفال ونساء ومدنيّين أبرياء، فما قال وزير الحرب الأسبق يوآف غالانت: "لا يوجد أبرياء في غزة، اقتلوا أطفالهم ونسائهم ورجالهم دون وجَل، واقتلوا أُسَر المقاتلين منهم" دون أن يحرِّك أحدٌ ساكناً أو يحاسبه على أقواله المشينة تلك.

التعليقات : 0

إضافة تعليق