مع ندرة الحطب وارتفاع أسعاره

" الأثاث المنزلي والملابس" وسيلة الغزيين للبقاء على قيد الحياة

تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
"في غزة لم نعد نطبخ على الحطب، بل على أبواب وأثاث منازلنا، نحرق ملابسنا وأحذيتنا، نحرق كُل ما يمكن أن يشتعل لنطهو لقمة تسد جوع أطفالنا".
بهذه الكلمات، استهلت المواطنة أم مصطفى الجمال (35 عاما)، حديثها لـ"الاستقلال"، مُعربةً عن قلة حيلتها واستيائها الشديد لاضطرارها على حرق أثاث منزلها وملابس أطفالها، لإعداد " فتات طعام" لعائلتها المكونة من ثمانية أفراد، في ظل الوضع الإنساني الكارثي الذي يعانيه قطاع غزة، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية وسياسية التجويع منذ أكثر من عام ونصف.
ومع نفاذ غاز الطهي، وشح الحطب وارتفاع أسعاره بشكلٍ خيالي نتيجة الاستهلاك الكبير، اضطر الكثير من سكان القطاع للجوء إلى حراق ما تبقي من أثاث منازلهم المدمرة، وكل ما يتوفر من (كتب مدرسية، وملابس وأحذية بالية وغيرها) من أجل إيقاد النار لطهي الطعام وصناعة الخبر.
وأغلقت إسرائيل جميع معابر القطاع مطلع مارس الماضي، ومنعت إدخال المساعدات الإنسانية والطبية والوقود بما في ذلك غاز الطهي، الذي يعتمد عليه بشكل أساسي في جميع منازل قطاع غزة لإعداد الطعام والعمل اليومي.
ومنذ اكتوبر 2023، تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملًا على قطاع غزة، مانعة إدخال المواد الأساسية، ومهددة حياة نحو 2.4 مليون إنسان يعيشون تحت قصف دائم وانعدام مقومات الحياة.
وبحسب تقارير منظمات الإغاثة، يعتمد أكثر من 95% من السكان على الحطب لإشعال النار، بعد نفاد غاز الطهي وانقطاع إمداداته بالكامل.
"بلغنا حافة الجحيم"

بغصة تعترض صوتها المبحوح، تقول الجمال:" لم أكون أتوقع للحظة أن أحرق بيدي الأثاث الذي كنت أتفاخر بوجوده في منزلي، وأن أحرق ملابس وكتب ابنائي لتصبح رماد في موقد الطعام".
وتتابع بألم خلال حديثها لـ" الاستقلال":" لقد بلغنا حافة الجحيم، لا طعام، وإن وجد لا غاز ولا حطب، وإن وجد فالأسعار خيالية لا يقدر عليها أحد، السيولة النقدية ممنوعة منذ أكثر من عام ونصف، والمعابر مغلقة، والحصار يخنقنا منذ 17 عاماً، فكيف سيكون حالنا!؟ ".
وأضافت :" منذ عام ونصف نعتمد بشكل أساسي على النار، فلم تعد أخشاب الأشجار في القطاع كافية، والموجود باهظ الثمن، مما دفعنا والكثيرين من السكان لاستخدام أثاث المنزل والكتب والملابس والأحذية البالية في إعداد الطعام".
ولا يقتصر الأمر على إعداد الطعام، بل يشمل أيضًا تسخين الماء وخبز الصاج، بعد إغلاق المخابز أبوابها واضطرار عائلتها لصنع الخبز في البيت. وفق الجمال
وأنهت حديثها: "نعيش واقعاً مأساوياً كارثياً، غزة تحرق حية، قطعة قطعه، روحاً روحاً، ولا أحد يتحرك"، مستدركاً:" نناشد العالم أنقذونا قبل أن نبدأ بحرق أجسادنا! ".
رحلة شاقة
ومع بزوغ شمس الصباح وتسلل أشعتها لخيمته المهترئة في منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، يبدأ المواطن خالد نصر (40 عاما) رحلة اليومية الشاقة في الشوارع وبين أنقاض المنازل المدمرة باحثاً عما يساعده في إشعال النار، كـ" الملابس الممزقة، وقطع النايلون والكارتون، وبقايا الأثاث المدمر"، لاستخدامها في طهي الطعام، بديلًا عن الحطب، في ظل ندرته وارتفاع أسعاره.
ويقول ناصر خلال حديثه لـ "الاستقلال":" نواجه أزمات حادة ومركبة منذ بدء الحرب، وجميع الاحتياجات ناقصة ولا يمكن توفير ما نحتاج إلا بشق الأنفس".
ويتابع بصوت منكسر:" الحرب لم تبقى شيئاً على حاله، فكل يوم نسير على أقدامنا في محاولة للبقاء فقط والحفاظ على أرواح أطفالنا"، مستدركاً:" كل ما نبحث عنه تحت الركام من بقايا ثوب أو بنطال أو أحذية لم تره عيون من بحثوا قبلنا، نفوز به لإعداد وجبة اليوم فقط".
وأضاف:" أدرك جيدا أن استخدام الملابس الممزقة والأحذية والنايلون يشكل خطراً كبيراً على حياتنا، بسبب الروائح الكريهة والغبار السام الصادر عنها، لكن لا خيارات أخرى أمامنا، فالاحتلال يمنع دخول غاز الطهي، والحطب شحيح وأسعاره مرتفعة".
ونوه الى أن سعر كيلو الحطب الواحد يتراوح ما بين (4-5) شيكل وفقاً لنوعيته، وهو ما يُشكل عب مالي كبير عليه خاصة عُقب فقدانه مصدر رزقة الوحيد بأحد المتاجر التي دمرها الاحتلال.
وأوضح ناصر أنه يحتاج يوميًا إلى ما لا يقل عن 4 كيلو من الحطب، لاستخدامها في طهي الطعام وتسخين الماء مع استمرار الحصار ومنع دخول غاز الطهي، مشدداً على ضرورة العمل من أجل تحسين الوضع الإنساني في غزة وإدخال كافة الاحتياجات الإنسانية.
خيار مؤقت
ولا يختلف الحال كثيرًا عند المواطن أبو عمر طه ( 33 عاماً) الذي اضطر لتكسير بعض أبواب منزله والأثاث المصنوع من الخشب لاستخدامه في إشعال النار لصناعة الخبز وإعداد الطعام الذي لا يزيد عن بعض المعلبات، في محاولة لتوفير ثمن الأخشاب لاحتياجات أخرى تتطلبها عائلته. بحسب قوله.
وأضاف طه خلال حديثه لـ "الاستقلال":" الأوضاع في غزة تزداد سوءاً يومًا بعد يوم، وتواجه صعوبات جمة بإعداد الطعام بعد نفاذ غاز الطهي، وأصبح اعتمادنا الكامل على النار، وهذا أمر مرهق ومكلف".
ويتابع:" بالبداية لم نشعر بالأزمة بشكل كبير، فمراكز النزوح والتكيات كانت توفر لنا وجبات الطعام يومياً، وكان نستخدم الحطب للاحتياجات الضرورية كتسخين المياه وإعداد المشروبات الساخنة"، مستدركاً:" لكن مع اشتداد الحصار وتوقف التكيات أصبحنا مجبرين يومياً على الطهي ذاتياً باستخدام الحطب والأوراق والكرتون".
وأوضح أن السكان يضطرون في بعض الأحيان للاستغناء عن أثاث منازلهم، وبعض ملابسهم وملابس أطفالهم، التي تساعد في إشعال النيران من أجل إعداد الطعام، مشيراً إلى أن الكثيرين يحاولون توفير تكلفة الحطب لشراء الطعام .
وأكد أن "هذا الخيار مؤقت ولا يمكن أن يكون دائم، لقد حرقنا معظم الأخشاب والأثاث المنزلي بسبب نقص غاز الطهي، وليس لدينا بدائل أخرى في حال نفذت الكميات التي جمعناها"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تتعمد خلق الأزمات لسكان غزة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق