ضغط سياسية لا خطة إعمار

مشروع "شروق الشمس".. ما الذي تخفيه خطة ويتكوف وكوشنر الاقتصادية في غزة؟

مشروع
تقارير وحوارات

 

غزة / معتز شاهين:
في الوقت الذي يواصل فيه قطاع غزة النزيف الإنساني تحت وطأة العدوان والحصار الإسرائيلي، يثير الإعلان الأميركي عن مشروع “شروق الشمس” لإعادة الإعمار تساؤلات واسعة حول أهدافه الحقيقية وتوقيته السياسي. فبينما يُقدَّم المشروع كخطة اقتصادية ضخمة لإنعاش القطاع، يرى محللون سياسيون أن طرحه في ظل استمرار العدوان والحصار يجعله أقرب إلى مبادرة سياسية منه إلى مشروع إعمار قابل للتنفيذ.
وأبدى المحللون، خلال أحاديث منفصلة مع صحيفة “الاستقلال”، أمس الأحد، مخاوفهم من اختزال القضية الفلسطينية في بُعد اقتصادي، وتجاهل جوهرها السياسي القائم على إنهاء الاحتلال وضمان الحقوق الوطنية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول مستقبل غزة في ظل هذه الطروحات.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن خطة أميركية جديدة لإعادة إعمار قطاع غزة تحت اسم "مشروع شروق الشمس"، بتكلفة تقديرية تتجاوز 112 مليار دولار على مدى عشر سنوات، في محاولة يُفترض أنها تهدف إلى إعادة تأهيل القطاع الذي تعرّض لدمار واسع.
وتركز الخطة على إعادة بناء البنية التحتية الحيوية في غزة، بما في ذلك النقل والطاقة والتكنولوجيا، مع تغطية الولايات المتحدة نحو 20% من التكاليف عبر منح وضمانات ديون، فيما لم يُكشف بعد عن هوية باقي الجهات المانحة، ما يثير شكوكًا حول الشفافية والمساءلة.
ويضع التقرير شروطًا صارمة لتنفيذ الخطة، أبرزها نزع سلاح حركة حماس وتفكيك شبكة الأنفاق، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى احترام هذه الخطة للسيادة الفلسطينية وحق الفلسطينيين في المقاومة والدفاع عن أنفسهم، ويشير إلى أن إعادة الإعمار مُرتبطة بشروط سياسية خارجية، وليس فقط بالحاجة الإنسانية.
كما يتضح من الخطة أن المراحل الأولى تركز على إزالة الأنقاض وتقديم مساعدات عاجلة، لكن المرحلة الثانية، التي تشمل إعادة بناء المساكن والمدارس والمستشفيات، تأتي مشروطة بـ"استقرار أمني" محدد بمعايير أمريكية وإسرائيلية، ما يجعل تنفيذ الخطة على أرض الواقع غير مضمون.

ورقة سياسية

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة أن الإعلان الأميركي عن مشروع “شروق الشمس” لإعادة إعمار قطاع غزة، بتكلفة تُقدّر بنحو 112 مليار دولار، يثير تساؤلات سياسية عميقة أكثر مما يعكس نية حقيقية للشروع في إعمار فعلي، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وتواصل الدمار اليومي في القطاع.
وأوضح أبو رحمة، خلال حديثه مع "الاستقلال"، أمس الاحد أن توقيت الإعلان عن المشروع يفتقر إلى المنطق، قائلاً إن “طرح خطة إعمار عملاقة في وقت لا تزال فيه غزة تتعرض للقصف، ولا تتوفر حتى المتطلبات الإنسانية الأساسية، يجعل المشروع أقرب إلى ورقة سياسية أو أداة ضغط، وليس خطة قابلة للتنفيذ”.
وأشار إلى أن المشروع قد يكون تمهيدًا لمسار دولي جديد يُراد فرضه على غزة في إطار ما يُعرف بـ”ترتيبات اليوم التالي”، بمعزل عن معالجة جذور الأزمة الفلسطينية المتمثلة في الاحتلال والحصار.
وفيما يتعلق بالرسائل السياسية التي يحملها الإعلان عن مشاريع رفاهية في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع، أكد أبو رحمة أن “الحديث عن مشاريع كبرى في وقت يُمنع فيه إدخال الخيام، ويعيش آلاف النازحين بلا مأوى أو مياه نظيفة، يعكس تناقضًا أخلاقيًا وسياسيًا واضحًا”.
وأضاف أن هذه المشاريع قد تُستخدم “لتجميل صورة السياسة الأميركية، أو للضغط باتجاه ربط الإعمار بشروط سياسية، من بينها التخلي عن خيار المقاومة”، لافتًا إلى أن ذلك يروّج لفكرة اختزال القضية الفلسطينية في بُعد إنساني-اقتصادي، بدلاً من كونها قضية تحرر وطني.
وبيّن أبو رحمة أن أي مشروع إعمار حقيقي في غزة لا يمكن أن ينجح دون توفر ثلاثة أسس رئيسية، أولها السيادة، من خلال إنهاء الحصار ووقف العدوان، وثانيها الملكية الفلسطينية عبر إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص الفلسطيني في إدارة عملية الإعمار، وثالثها العدالة والرقابة، بما يشمل محاسبة المسؤولين عن الدمار لضمان عدم تكراره.
وحذر المحلل من أن مشروع “شروق الشمس”، رغم ضخامته النظرية، “سيبقى حبراً على ورق إذا استُخدم كأداة سياسية لفرض حلول لا تخدم الحقوق الوطنية الفلسطينية”، مؤكداً أن غزة لا تحتاج إلى “مشروع اقتصادي مفصول عن العدالة”، بل إلى مسار وطني تحرري يضع الإنسان الفلسطيني وحقوقه في صلب أي عملية إعمار.
"مستعمرة اقتصادية"
وتتفق الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة مع ما سبق، معتبرة أن مشروع “شروق الشمس” يفتقر إلى الواقعية، ويأتي في إطار استثماري اقتصادي أكثر من كونه خطة إعمار فاعلة تخدم الشعب الفلسطيني.
وقالت د. عودة في مقابلة مع "الاستقلال": "الخطة خيالية، لأنها تتجاهل بشكل كامل الحل السياسي للقضية الفلسطينية، ولا تعترف بدولة فلسطينية مستقلة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء". وأضافت: "من منظور عملي، هذه الخطة تركز على استغلال الموارد البشرية في قطاع غزة، خصوصًا الشباب المتعلم والطموح، لتنفيذ مشاريع تكنولوجية واستثمارية يحتاج فيها المستثمرون إلى عقول ذكية ومجتهدة".
وحذرت المحللة السياسية من أن تنفيذ المشروع في ظل غياب الاستقرار السياسي والأمني قد يؤدي إلى تحويل غزة إلى "مستعمرة اقتصادية" لصالح المستثمرين الدوليين أكثر من أن تخدم الشعب الفلسطيني. وأضافت: "الخطة لن تنجح إلا إذا تم تطبيقها ضمن إطار حل الدولة الفلسطينية المستقلة، وإلا ستصبح مجرد تجربة أمريكية لاختبار نماذج الاستثمار في الشرق الأوسط، دون تقديم أي حلول حقيقية للصراع".
وأشارت إلى أن طرح خطط الإعمار وكأن المشكلة اقتصادية أو عمرانية فقط، هو تكتيك سياسي بحت. وأردفت: "المسألة في جوهرها سياسية، وحصر النقاش في مشاريع اقتصادية يتجاهل الحقوق الوطنية الفلسطينية ويقدم حلاً شكليًا لا يتجاوز إدارة الأزمة الاقتصادية".
وحول التجارب الدولية، اعتبرت د. عودة أن مشاريع اقتصادية مشابهة لم تحل الصراعات في دول احتلتها الولايات المتحدة أو قوى دولية أخرى، موضحة أن الدرس الأساسي هو أن الاستثمار الاقتصادي وحده لا يعالج الصراعات السياسية، بل قد يُستخدم كأداة لفرض النفوذ والسيطرة الاقتصادية على الشعوب.

التعليقات : 0

إضافة تعليق