القدس المحتلة/ الاستقلال:
قال فيليب لازاريني المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى: "كان من المفترض دائماً أن تكون الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة المكلفة بحماية ورفاه لاجئِي فلسطين لمدة ثلاثة أرباع قرن مؤقتة، وكان من المتوقع اختتام ولايتها كما ورد في قرار إنشائها، والاختيار اليوم هو ما إذا كان علينا التخلي عن استثمار دام عقوداً في التنمية البشرية وحقوق الإنسان من خلال تفكيك الوكالة بشكلٍ عشوائي بين عشية وضحاها، أو متابعة عملية سياسية منظمة تستمر فيها الأونروا بتوفير التعليم والرعاية الصحية للملايين من لاجئِي فلسطين إلى أن تتولّى المؤسّسات الفلسطينية المخوَّلة هذه الخدمات".
وأضاف لازاريني: "فقد تُضطر الوكالة إلى وقف عملها في الأرض الفلسطينية المحتلة الشهر المقبل إذا تمّ تنفيذ التشريع الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي، ومن شأن هذه القوانين أن تشلّ الاستجابة الإنسانية في غزة وتحرم الملايين من لاجئِي فلسطين من الخدمات الأساسية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، كما أنها ستتخلّص من شاهدٍ لطالما تحدث عن الفظائع والمظالم التي لا حصرَ لها، والتي عانى منها الفلسطينيون لعقود".
وأكّد على أن: "قوبلت جهود حكومة إسرائيل السافرة لإحباط إرادة المجتمع الدولي، والتي تمّ التعبير عنها من خلال قرارات متعددة للأمم المتحدة، وللقيام بمفردها بتفكيك وكالة تابعة للأمم المتحدة، بإدانة علنية وغضب تلاشى إلى حد كبير في الجمود السياسي، وإن الافتقار إلى الشجاعة السياسية والقيادة المبدئية، وخاصة عند الشدائد، لا يبشر بالخير لنظامنا المتعدد الأطراف".
وتساءل: "ما هو الذي على المحك؟ بالنسبة للاجئِي فلسطين، فهي حياتهم ومستقبلهم، سيكون الأثر الناجم عن منع حصولهم على التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى مدمراً وممتداً إلى أجيال عديدة، إن التواطؤ في هذا المسعى لا يقوّض إنسانيتنا فحسب، بل يقوّض شرعية نظامنا المتعدد الأطراف، وإن الغياب شبه التام للعقوبات السياسية أو الاقتصادية أو القانونية على الانتهاكات الصارخة لاتفاقيات جنيف، والتجاهل التام لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وكذلك التحدي الصريح والعلني لأحكام محكمة العدل الدولية، يسخَر من النظام الدولي القائم على القواعد ويجعله مهزلة".
وأضاف: "تقترن الحرب على غزة وعلى الفلسطينيين بهجوم غير عادي على أولئك الذين يتحدثون أو يتصرفون دفاعاً عن حقوق الإنسان، والقانون الدولي وعن ضحايا الحرب الهمجية، وفجأة يوصف العاملون في المجال الإنساني، والذين خدموا السكان المتضررين من الحرب لعقود من الزمن، بأنهم إرهابيون أو متعاطفون مع الإرهابيين، يتعرض منتقدو سياسات الحكومة الإسرائيلية وأفعالها للترهيب والمضايقة، وتنتشر الآن الدعاية التحريضية التي ترعاها وزارة الخارجية الإسرائيلية على اللوحات الإعلانية في مواقع رئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا، تكملها إعلانات "جوجل" التي تروّج لمواقع إلكترونية مليئة بالمعلومات المضللة، هذه جهود ممولة تمويلاً جيداً لصرف الانتباه عن وحشية الاحتلال غير المشروع والجرائم الدولية التي تُرتكَب مع الإفلات التام من العقاب تحت أنظارنا".
وشدّد لازاريني: "تبرّر حكومة إسرائيل والجهات التابعة لها الإجراءات المتخذة ضد الأونروا بادعائها أن الوكالة مخترقة من حركة حماس، على الرغم من أن جميع الادعاءات التي تم تقديم أيّ دليل عليها قد تم التحقيق فيها باستفاضة، وفي ذات الوقت، تتهم حماس قيادة الأونروا بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وتعارض جهود الوكالة لتعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وبعيداً عن كونها طرفاً في النزاع، فإن الأونروا هي ضحية هذه الحرب".
وقال أيضاً: "ببساطة فإن الهدف من الجهود الرامية إلى إلحاق الضرر بالأونروا وتفكيكها في نهاية المطاف واضح، وهو القضاء على وضع لاجئِي فلسطين، والتغيير أحادي الجانب للمعايير الراسخة لحلٍّ سياسيّ للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وإن السعي الأعمى لتحقيق هذا الهدف قد أغفل حقيقة أن وضع لاجئِي فلسطين غير مرتبط بالأونروا، وهو مكرّس في قرار الجمعية العامة الذي يسبق إنشاء الوكالة".
مُضيفاً: "واليوم، يقف المجتمع الدولي على مفترق طرق، ففي مسار واحد، يكمن عالم تراجعنا فيه عن التزامنا بتقديم إجابة سياسية لقضية فلسطين، إنه عالم بائس، حيث إسرائيل، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، هي وحدها المسؤولة عن السكان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وربما تعاقدت من الباطن مع جهات فاعلة خاصة أقل مساءلة أمام المجتمع الدولي".
وأكّد: "لا تزال لدينا فرصة لتجنّب مستقبل كارثي، حيث تقوم القوة النارية والدعاية ببناء النظام العالمي، وتحديد أين ومتى تنطبق حقوق الإنسان وسيادة القانون؟ إنْ وجدت، إن الأدوات والمؤسسات اللازمة للدفاع عن نظامنا المتعدد الأطراف والنظام القائم على القواعد وتعزيزهما موجودة وكافية، ولا نحتاج إلا إلى إيجاد الشجاعة السياسية لاستخدامها.
التعليقات : 0